"خواتم".. كأن دمشق صارت شيكاغو!

وليد بركسية
الإثنين   2014/07/28
عبد المنعم عمايري ومديحة كنيفاتي

لم تعطِ كاتبة مسلسل "خواتم"، ناديا الأحمر، منذ الحلقة الأولى حتى الحلقة ما قبل الأخيرة، إنطباعاً بأنها تعيش في سوريا. ها هو الموسم التلفزيوني الرمضاني سيقفل، بالنسبة إليها، على نص خيالي عن المجتمع السوري، أقرب إلى شيكاغو أو تلك الشوارع الخلفية في مسلسلات الأكشن الأميركية، إذ حشدت الأحمر كافة أنواع الجرائم التي يمكن تصورها وتقديمها في جرعة واحدة - قد تكون قاتلة - للمشاهد العربي.

يرث العمل أعمالاً اجتماعية مميزة قدمت في السنوات الأخيرة، من وحي الأزمة السورية أو من دونها (حائرات، سنعود بعد قليل...)، ومن المخجل مقارنته بتلك الأعمال المهمة، حيث يتخذ المسلسل لنفسه خطاً آخر أقرب للإبتذال والإستخفاف بعقول المشاهدين وعواطفهم، بالتركيز على منظمة إجرامية متعددة المستويات تتخذ من دمشق مقراً لها. منظمة إجرامية يتولى رئاستها "ملك السوق" حاتم (عبد المنعم عمايري) الذي وصل للثروة عبر أموال زوجته (مرح جبر) قبل أن يتوسع نشاطه الإجرامي مع شريكته وعشيقته السابقة دلال (كاريس بشار) مدفوعاً بعقدة النقص الكلاسيكية التي عاناها في شبابه البعيد بسبب الفقر المقدع آنذاك.

يحاول العمل تقديم الترفيه للجمهور. لكن الترفيه يأتي مشوهاً. لا يمثل الخيال نفسه حجر العثرة في العمل ولا حتى جنوحه نحو الأكشن، بل على العكس تماماً. فتلك العناصر مطلوبة في الدراما العربية الجامدة، لكن الإبتذال في الطرح والإعتماد على القوالب الجاهزة هو المشكلة تماماً، إضافة الى الإنفصال التام عن هوية المجتمع لدرجة تبدو معها الشخصيات مستوردة من عالم "MBC أكشن".. وكأنه لا يوجد تشويق في كل البلاد قبل الحرب وبعدها للارتكاز على الخيال بهذه الفجاجة والمبالغة.

من خصائص أعمال الأكشن والتشويق، الجنوح نحو الإبهار البصري أو تكثيف الغموض لخلق الرغبة في المتابعة. العنصران يتخلى عنهما العمل عموماً. فالإبهار البصري يقتصر لدى المخرج ناجي طعمي على البذخ في أماكن التصوير الفارهة وملابس الممثلات الفاتنات لا أكثر. أما الغموض فلا وجود له على الإطلاق مع القصة المكشوفة والمكرورة التي ترتسم على مدى ثلاثين حلقة بطيئة الإيقاع.

يحشد المسلسل كافة أنواع الجرائم التي يمكن تصورها إضافة لجميع أنواع المشاعر السلبية الحادة. كثير من الكراهية يحكم العلاقات بين الشخصيات النمطية التي تسعى عموماً للانتقام من بعضها البعض أو استغلال بعضها البعض لتحقيق مزيد من الأرباح المادية. فنرى السرقة والقتل والاغتصاب والاختلاس وتلفيق القضايا والتزوير وشن الحملات الصحافية الكاذبة والتهريب والمخدرات وحتى الإتجار بالبشر في عمل واحد، وبكثافة تصيب المرء بالغثيان من هول الواقع الأسود الذي يحاول العمل رسمه بابتذال.

شخصيات العمل نمطية في بنائها النفسي، وغالباً هي شخصيات تعرضت لغسيل دماغ طويل أصبحت في نهايته مجرد خواتم في أصابع سيد ما. ويتجلى ذلك في فتيات الجمعية الخيرية التي تديرها دلال كواجهة لنشاطها الإجرامي المتشعب. فكل واحدة من تلك الفتيات دربت للقيام بعملية محددة في منصب محدد دون اعتراض أو جدال. وعليه يختفي الصراع النفسي عندهن بين الخير والشر، لأنهن مجرد أدوات يتم التحكم بها من بعد، ليشكل ذلك أزمات نفسية عميقة يتم تجاهلها من قبل الكاتبة كاللامبالاة والاكتئاب وضعف الشخصية وعدم الرغبة في الحرية (جيني إسبر، كندا حنا..) أما العلاقات التي تنشأ بين الفتيات أنفسهن، فهي علاقات الغيرة والكراهية والفوقية. ويبرز ذلك بشكل أوضح في شخصية المحامية هند (ميرنا شلفون).

الجنس هو أبرز العناصر التي يرتكز عليها العمل في خطته التسويقية. كثير من العلاقات والإغواء والأجساد التي تباع وتشترى في لحظات. جنس رخيص يتم الترويج له بعيداً من العمق أو مناقشة مشاكل الجنس التي لا تنتهي في المنطقة العربية، كالحرية الجنسية والكبت. الجنس في العمل هو مجرد عنصر مثير آخر لاجتذاب الجمهور عبر المراهنة على المراهقين، على ما يبدو، لزيادة المشاهدة. الكل شبق في العمل والكل يستغل جسده للوصول إلى أهدافه (مديحة كنيفاتي). أما الأسياد فيستغلون أجساد الآخرين للوصول إلى صفقاتهم الكبرى (حاتم ودلال)، ولا يتورع حاتم عن بيع جسد ابنة أخته (كندا حنا) في سبيل صفقة كبرى.

مستوى العنف عال جداً في العمل. عنف لفظي وبصري يتناغمان لتحقيق وجبة دسمة للمشاهد المغلوب على أمره. كثير من السباب والشتائم البشعة تظهر مستوى الشخصيات الوضيع، إضافة الى جرائم القتل واستخدام الضرب كحل سهل لإنهاء المشاهد الدرامية "المعقدة". ويرتفع مستوى العنف في شخصية تالا (كندا حنا) التي تمثل القاتلة المأجورة المحترفة في المنظمة الشريرة.

بطلات المسلسل هن أداة الجذب الأولى للمشاهد. فالعمل يجمع نجمات كبيرات معاً بأداءات جيدة عموماً، أداءات أعلى بكثير من قيمة الشخصيات التي يجسدنها. مرح جبر تقدم دوراً مميزاً في دور الزوجة الخائنة التي تعاني هجران زوجها والملل من أولادها وحياتها، والفنانة كاريس بشار تقدم بشكل منفرد أداء عميقاً لشخصية دلال الشريرة - المحطمة عاطفياً والباحثة عن الحب والانتقام بعيداً من نمطية الممثلات الباقيات في المسلسل. النمطية تتوسع بشكل تدريجي لتبلغ ذروتها لدى الفنانة مديحة كنيفاتي التي تبالغ كالعادة في تقديمها البارد والسطحي للإغراء الجسدي. وعلى صعيد الممثلين القليلين في "خواتم"، يبرز عبد المنعم عمايري وميلاد يوسف فقط، يتقلبان بسهولة بين القوة والضعف بحسب الموقف الدرامي، ليبرهن العمل في العموم على أهمية الممثلين في رفع سوية الأعمال الهابطة فكرياً وفنياً.