بعد 116 عاماً على "كردستان".. سوريا توسّع المشهد

علي جازو
الأربعاء   2014/04/30
في استديو "آرتا إف إم" في عامودا

الخلافات الحادّة حول جودة الأداء ومستوى الرواتب غير المتساوي وعدم وجود عقود واضحة تحمي الإعلاميين، كادت تودي بمشروع راديو (Arta) "آرتا إف إم"  أخيراً. لكن الراديو الكردي الوحيد الذي يبث من عامودا بلغات ثلاث، كردية وعربية وسريانية، عاد للعمل بعد توقف بثه لفترة مؤقتة. أمرٌ شبيه كاد يحدث في مؤسسة نودم الإعلامية التي يقع مركزها في قامشلو (القامشلي). الحدثان تزامنا مع إحتفالات الصحافة الكردية بعيدها الـ 116، ما يحفز على عرض وقائع الإعلام الكردي السوري، وما أفرزته الثورة من أطر جديدة وخلافات تشوبها فضائح فساد تكاد تكون قديمة. 

وتأتي إحتفالات الشعب الكردي بعيد صحافته في نيسان/ابريل من كل عام، إحتفاءاً بصدور أول صحيفة كرديّة بحروف عربيّة بإسم "كردستان". الصحيفة الأولى، أسسها المثقف الكردي مقداد مدحت بدرخان في القاهرة، نهاية القرن التاسع عشر. وبعد 116 عاماً على صدورها، إنتشرت الصحافة الكردية على نطاق واسع، وبدأت الفورة مع إنطلاقة الثورة السورية العام 2011.

وسمح الهدوء النسبي للمناطق الكردية شمال وشمال شرقي سوريا، خلال السنة الأولى من الثورة السورية خاصة، بخلق فرص غير مسبوقة للأجيال الشابة التي بادرت إلى ابتكار تعاون ثقافي وإعلامي (ثوري). لم تقف الأحزاب الكردية موقف المتفرج، رغم ما يميزها من ثقل وبطء بسبب سريّة عملها وشيخوخة معظم قياداتها وافتقارها للخبرة المتقدمة، ربما، طوال ما يقارب نصف القرن (1957 – 2004) إمتدّ بين تاريخ تأسيس أول حزب كردي سوري واندلاع انتفاضة قامشلو في 12 آذار/مارس 2004.

سريعاً استطاعت الثورة السورية أن تجمع، في بعدها الثقافي والإعلاميّ على الأقل، بين نزوع قومي كرديّ سوريّ من جهة، وحيوية وطنية وسَمَت مدنييّ وناشطي الشباب الكرد السوريين؛ خاصة الطلاب والصحافيين الذين اضطروا إلى ترك حلب ودمشق.

تتنوع أشكال الحضور الإعلامي الكردي السوري الآن، بين مواقع خبرية يومية وأخرى حزبية. وتشهد المواقع الحزبية منها منافسات ماضوية وشرسة مؤسفة، سواء بسبب مواقف انفعالية من أداء السياسين الكرد وتبادلهم التهم وهي عادة شبه عائلية، أو بالنظر إلى مآلات الثورة في عموم سوريا ومواقف المجلس الوطني ثم الإئتلاف من المطالب الكردية ذات الخصوصية القومية، أو لجهة سيطرة الأحزاب على الفضاء الإعلامي بما يحوّل من الصحافة الكردية السورية إلى نشرات حزبية مجترة وفقيرة ومشكوك في مصداقية معظمها.

في الوقت نفسه، ردّاً على بؤس السياسيين الكرد وجمود مؤسساتهم الإعلامية، نشأت جمعيات ثقافية بمبادرات شخصية في كلّ من عامودا وقامشلو خاصة، وركزت في عملها على منحى ثقافي مجتمعي محلي (ندوات، عروض أفلام وحفلات موسيقية، ومحاضرات باللغتين الكردية والعربية) مثل جمعية سوبارتو الثقافية التي تأسست في مدينة قامشلو 3 نيسان/ أبريل 2012 بإشراف ودعم من بروفيسور الآثار واللغات القديمة فاروق إسماعيل. وكان أول موقع إخباري سياسي وثقافي كردي سوري عامودا نت قد تأسس عام 2000، تلاه بعد خمس سنوات موقع باخرة الكرد، والموقعان تتم إدراتهما من خارج سوريا، عدا موقع ولاتي نت الذي يبدو أكثر احترافية ومراعاة لمختلف قوى القوى السياسية.


صدور صحيفة "كردستان".. عيد الإعلام الكردي

وتقدم الأخيرة نفسها على أنها "شبكة مستقلة وحرة وديمقراطية في نشاطها، وتعتمد في تمويل عملها على الدعم المقدم من قبل مؤسسة "ولاتي" المتمركزة في بلجيكا والهادفة الى تنمية وتطوير الاعلام الكردي في غرب كردستان". وتسعى الشبكة كذلك لأن تكون منبراً حراً ديمقراطياً يتسع لمختلف الآراء والأفكار بشرط التقيد بمعايير التواصل البنّاء والإلتزام بالإحترام المتبادل وعدم اللجوء إلى الإساءة والقذف والتشهير".

وسبقَ سيطرة قوات الـ (PYD) شبه الكلية على معظم المناطق الكردية السورية، وخوضها معارك مع داعش وسواها من تنظيمات عسكرية متطرفة في ريف الحسكة والرقة، إطلاقُ الحزب وبثّه لفضائية (روناهي) باللغتين الكردية والعربية. تبقى تجربة قناة روناهي رهينة سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يشكك كثيرون بتواطئه مع النظامين السوري والإيراني، سيما بعد مجزرة عامودا 27 حزيران 2013، ولجوء قوات أمن الحزب المتكرر إلى مضايقة الصحافيين وعرقلة عملهم إذا ما حاولوا معرفة حقائق يمنع الحزب الخوض فيها.

ولعل تجربة راديو آرتا إف إم  التي تبث من مدينة عامودا، هي الوحيدة التي تكاد تنجو من سيطرة الأحزاب الكردية السورية، رغم فضائح فساد ومحاباة شنيعة لاحقت مؤخراً مديرها سيروان حاج بركو! ويركز الراديو على نشاطات المجتع المدني في عموم المناطق ذات الغالبية الكردية متخذاً موقفاً وسطياً من مختلف تيارات المعارضة، سواء الكردية منها أو العربية، إضافة إلى برامج منوعات وأغاني وحوارات في أكثر من شأن محليّ كردي أو سوري عام.

هناك أيضاً وكالتا أنباء، الأولى رحاب نيوز  التي تنقل أخبار وتقاير بالكردية والعربية والانكليزية، والثانية آرا نيوز، وتعتمدان على شبكة مراسلين داخل وخارج كردستان سوريا، وتتميزان بمحتوى بصري متقدم على بقية المواقع الخبرية التابعة لمختلف الأحزاب الكردية السورية والتي توحد أربع منها أخيراً في حزب جديد (الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا). وعلى صعيد الصحف الورقية هناك مؤسسة نودم الإعلامية التي تمتلك موقعاً إلكترونياً وصحيفة ورقية نصف شهرية بالعربية والكردية!