'أنبياء' افتراضيون للمقاتلين الأجانب في سوريا

بتول خليل
الجمعة   2014/04/18
 لطالما ألهمت وسائل التواصل الاجتماعي الدعاة المتشددين، بخلق موجة تأثير قوي على المسلمين في الغرب، لتعبئتهم فكرياً وعقائدياً ومن ثم تجنيدهم للقتال في سوريا. هم الذين أصبحوا، اليوم، يشكّلون ربع العدد الإجمالي، البالغ 11 ألف مقاتل هناك.  لكن في المقابل، يبدو أن حكومة الولايات المتحدة، لا تريد الوقوف في موقع "المتفرّج" أمام "هذا الخطر"، بل إنّها، ومنذ سنوات ثلاث، تحاور المجاهدين وتتواصل معهم، عبر منصّات التواصل، مستخدمة حسابات خاصة بالعربية والأوردو والصومالية. وذلك في ظل وقائع موثقة أظهرها تقرير، صدر مؤخراً، عن "المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي" التابع لجامعة "كينغز كولدج" في لندن، بعنوان  #الطيور الخضراء: قياس أهمية وتأثير شبكات التواصل في المقاتلين الأجانب في سوريا". 
علماً أن عبارة "الطيور الخضراء" في عنوان الدراسة مستوحى من اللقب الذي يطلقه المقاتلون الأجانب أنفسهم على "رفاقهم الشهداء" بوحي من نصوص دينية واللون المتعارف عليه للإسلام. 

وفي سياق إعداده للدراسة، قام المركز بتحليل بيانات 109 أشخاص أجانب، يملكون حسابات في "فايسبوك" و"تويتر"، حيث تبيّن أنّ "أكثر من ثلثي هؤلاء ينتمون إلى  تنظيمي جبهة النصرة أو داعش، اللذين حافظا على علاقة رسمية، بطريقة ما، مع تنظيم القاعدة". وبالتالي، فإنّ "دراسة نشاط هؤلاء المستخدمين في مواقع التواصل، يفتح نافذة فريدة من نوعها للنظر في فكر وعقول المقاتلين الاجانب في سوريا".  كما يهدف المركز، عبر هذه الدراسة، إلى "إلقاء الضوء على النزاع القائم في سوريا من زواية جديدة، تتمثّل في التعمّق بالمصادر التي تلهم المقاتلين الأجانب فكرياً للمشاركة في هذا النزاع". 
 
وفيما درس الباحثون 121 حساباً، موزعة بين 86 في "فايسبوك"، و35 في "تويتر"، فقد اطلعوا أيضاً على بيانات الأشخاص الذين يتبعهم أصحاب الحسابات، وكذلك الأشخاص الذين يتبعون هؤلاء الأخيرين. وتظهر نتائج الدراسة أنّ "سوريا قد تكون البلد الأول حيث يستقطب الصراع عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب، الذين يوثقون تورطهم في الأزمة السورية في الوقت الراهن. وبدورها تؤمّن وسائل التواصل الإجتماعي مصدراً حيوياً للمعلومات والعوامل والأفكار الملهمة لهم. ففي عقول المقاتلين الأجانب، لم تعد مواقع التواصل افتراضية، بل أصبحت الوجه الحقيقي لما يحصل على الأرض". 
 
بموازة ذلك، يبدو أن وسائل الإعلام التقليدية، لم تعد تشكّل الوجهة الرئيسية للحصول على المعلومات، بالنسبة إلى هؤلاء المقاتلين. إذ تظهر الدراسة، وبالاستناد إلى قاعدة البيانات التي تم تحليلها، أن "عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب باتوا لا يتلقون معلوماتهم من القنوات الإعلامية الرسمية المدعومة من المجموعات القتالية التي ينتمون إليها.. بل يلجأون إلى ما يُعرف بالناشرين، وهم أشخاص غير منتسبين رسمياً إلى تلك المجموعات، أفراد متعاطفون على نطاق عالمي واسع، يظهرون في مواقع التواصل أحياناً ليقدموا الدعم الأخلاقي والفكري للجماعات الجهادية المعارضة، والتي تآكلت قدرتها على السيطرة على المعلومات والأخبار. في حين أن الأفراد، الذين تقيم غالبيتهم في الغرب، والذين لم تطأ أقدامهم الأراضي السورية، يملكون تأثيراً ملحوظاً في أولئك المنغمسين والفاعلين فيها وفي نظرتهم إلى الأزمة".
 
لا تقتصر الهيمنة الفكرية على مسار تقديم المعلومات، على هؤلاء الأفراد، بل يذهب التقرير أبعد من ذلك، ليكشف سلطاتٍ روحية جديدة يلجأ إليها المقاتلون الأجانب بهدف الإلهام والتوجيه. لكن التقرير يشير أيضاً إلى "عدم وجود أدلة تؤكد أن هؤلاء الأفراد في هذه السلطات الروحية، يشاركون فعلياً في تيسير تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا، أو أنهم يتشاركون أنشطتهم مع المنظمات الجهادية. إلا أن المؤكد هو أنهم يؤدون دور المشجّع والمصفّق لما يقوم به هؤلاء المقاتلون. فالتصريحات والنقاشات الفاعلة التي تظهر في صفحاتهم في مواقع التواصل، تظهر حجم التشجيع والتبرير واستغلال حجة التشريع الديني للقتال في سوريا". 
 
واستناداً إلى التحليل الكمّي، حول شعبية هؤلاء ضمن شبكات المقاتلين الأجانب، تحدد الدراسة اسمين، اعتبرتهما من أبرز الممثلين لهذه السلطات الروحية الجديدة، هما: أحمد موسى جبريل، وموسى سيرانتونيو. ويعرّف التقرير جبريل بأنه "أميركي، من أصول عربية، مقيم في الولايات المتحدة. وهو لا يدعو بشكل مباشر إلى الجهاد العنيف، إلا أنه يدعم أفراد المقاتلين الأجانب ويبرر الصراع في سوريا، مستخدماً مصطلحات انفعالية للغاية. فالرجل بليغ، ويملك كاريزما عالية، والاهم من ذلك أنّه يجيد استخدام اللغة الإنكليزية". أمّا سيرانتونيو، فهو استرالي الجنسية. اعتنق الإسلام ويظهر كثيراً على القنوات الفضائية، وقد أصبح المشجّع لتنظيم داعش والمتحدث باسمهم".
 
على صعيد الأرقام، يظهر تحليل البيانات أن غالبية المقاتلين الأجانب في سوريا جاءت من بريطانيا، حيث بلغت نسبتهم حوالي 25 في المئة، تليها فرنسا (14%)، ألمانيا (12.3 %)، السويد (8.8%)، هولندا (7 %)، وبلجيكا (5.3%). أما المقاتلون من دول أوروبا الشرقية، مثل ألبانيا، البوسنة، بلغرايا، كوسوفو، ماكادونيا،وصربيا، فيشكلون مجتمعين 6.1 في المئة من إجمالي عدد المقاتلين، في حين شكّل المقاتلون من الدول الغربية غير الأوروبية، مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة، سبعة في المئة من العدد الإجمالي. 
 
أمام هذا الواقع، أرادت الولايات المتحدة اختراق الفجوات "الإفتراضية" في الفكر الجهادي، عبر استخدام وجهات نظر معاكسة لما تقدمه حسابات الداعمين للجهاديين في "فايسبوك" و"تويتر". وتدعيماً لهذه الخطوة، أنشأت الإدارة الأميركية، في أيلول/سبمتبر الماضي، حساباً في "تويتر" بعنوان "فكّر مرة أخرى وانصرف"وفي خانة التعريف، يقدم الحساب نفسه على أنه يعرض "بعض الحقائق حول الإرهاب". وبذلك ترتسم للحكومة الأميركية صورة من يخوض مواجهة ومشاحنات علنية مع الجهاديين وزملائهم في العقيدة، ممن يجوبون صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بحثاً عن أشخاص قابلين للاختراق ايديولوجياً، لتدخل معهم في نقاشات حول الصراع في سوريا، والحرب على الإرهاب وصراع الحضارات، ضمن حوارات افتراضية حدود مداخلاتها عبارات من 140 حرفاً. 
 
غير أن الدراسة التي أعدّها "المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي"، تظهر أن "ما تقوم به الحكومة الأميركية في تويتر، شكّل إلهاماً من مصدر إضافي بالنسبة إلى المقاتلين، بل حثّهم أكثر على مواصلة التدخل في الصراع في سوريا". ولعلّ موقف بعض المراقبين المعارضين لخطوة الحكومة الأميركية في التواصل مع الجهاديين ووصفه بـ"التواصل الاستفزازي" (trolling)، يصبّ في السياق عينه. إذ علّق الصحافي الأميركي، جوناثان كروهن، على هذا الأمر في مداخلة مع قناة "سي أن أن"، قائلاً إن "ما تقوم به الحكومة مضحك جداً. فهي تراقب الصحافيين والمحللين وتستهدفهم، فيما تحاور الجهاديين بدلاً من مهاجمتهم".