'نجم الأناشيد'.. للإسلاميين لا للفلسطينيين

محمود عمر
الجمعة   2014/03/28
من تجارب الأداء
أطلقت قناة "الكتاب" الفضائيّة، التابعة للجامعة الإسلاميّة بغزة، برنامجها الجديد "النجم" بعد حملة ترويج ومقدِّمات طويلة. البرنامج، الذي يقول عنه القائمون عليه إنّه "الأوّل من نوعه في فلسطين"، ليس سوى نسخة إسلاميّة محجَّبة وبلا كحول من برامج البحث عن المواهب العربيّة مثل "ستار أكاديمي" و"عرب آيدول". وإذا كان الإسلاميّون قد نجحوا، بالاتكال المعتاد على خيالهم الملجوم بالنصوص، في تقديم تطبيقات هواتف إسلاميّة، وملابس سباحة إسلاميّة، فلماذا يعجزون عن تقديم برنامج غناء إسلاميُّ؟
 
سيجري استبدال كلمة "غناء"، بطبيعة الحال، بكلمة "إنشاد"، وستضيق دائرة "الأناشيد" المسموحة لتلفظ خارجها كلَّ أغنيات الحبِّ والشوق، فتقتصر على أغاني الوطن، والغربة، وبذلك يصير المنتج "ملائمًا لطبيعة مجتمع غزّة المحافظ". ينسى أصحاب هذه الحجّة، ربَّما، أن مجتمع غزّة "المحافظ" نفسه هو الذي دعم محمّد عسّاف ورقص بعد فوزه باللقب في بيروت. محمّد عساف الذي لم تشر قناة "الكتاب" ولو مرّة لمشاركته أو فوزه باللقب ولم تسمح له حكومة "حماس"، حتى اللحظة، بأن يغنِّي في مدينته.
 
يدرك كثير من الإسلاميين، لا سيّما الشباب منهم، في وعي يتناسب طرديًا مع تسلّمهم السلطة، أنهم يقفون على حافّة الحاضر لا في خضمّه. يراقبون في غير مناسبة عديداً من الظواهر ويشعرون، لا بدّ، بشيء من الحسرة. "نحن أيضًا نريد أن نلعب!"، يقول لسان حالهم. هذا، على الأغلب، هو الدّافع إلى النشاط المهول في الترويج لهذا البرنامج الذي نُصبت له شاشات كبيرة عرضت الحلقة الأولى منه في مناطق مختلفة من القطاع.
 
أمّا لجنة التحكيم فهي، ولا غرابة، من الصندوق السحريِّ الإسلامي نفسه، وتضم الدكتور عبد الخالق العف، الشاعر والناقد الفني وخبير مجمع اللغة العربية الفلسطينية والخبير في علم الأصوات والإلقاء، والدكتور سعيد النمروطي، خبير البروتوكول والإتيكيت والدبلوماسية، والمهندس وائل البسيوني ‏المتعاون في العادة مع فرقة "مشاعل" الإسلاميّة التي قدّمت عددًا من الأناشيد في ذكرى انطلاقة "حماس" الأخيرة.
 
المحاولات لتقديم البرنامج على أنّه برنامج فلسطيني لفلسطين لا تخدع أحدًا ولا يصدٌّقها حتى أولئك الذين يقومون بها. "النجم" برنامج إسلاميّ للإسلاميين. في شأنه يخوضون ويتبادلون الآراء. ابراهيم المدهون، الباحث الإسلاميّ في الشؤون السياسيّة، اعتبر البرنامج "خطوة متقدمة تناسب بيئة قطاع غزة المحافظة" وأنّه "تم بحرفيّة ويحتاج إلى مزيد من الانفتاح والخطوات الجريئة". آخرون اعتبروه خروجاً على حدود المسموح. "بعض المشاركين قدّم أغاني لكاظم الساهر وعبد الحليم!" يقولون، بغضب واستنكار!
 
الأكيد، أن نقاشات إسلاميي غزّة، وربَّما فلسطين، مهما تشعبت وتعددت أبعادها في شأن "النجم"، فإنَّها لن تصل، والعياذ بالله، إلى حدود المرأة. صحيح أنّ في غزّة مئات الآلاف من النساء، وأصوات العديد منهنّ لا بدّ جميلة، لكن هذا ليس مطروحاً على الطاولة. "النجم" برنامجٌ للشباب، للذكور الذين يعرفون أنّ التحية الملائمة للجنة التحكيم، في هكذا سياق، هي "السلام عليكم" لا "مرحبا". أمّا المرأة فيمكنها أن تشاهد من البيت.
 
لا ينفي كلُّ ما تقدّم وجود مشاركات جميلة فعلاً. العديد من المتقدمين يحظون بأصوات طربية لافتة. وأدّوا بحرفيّة مواويل لوديع الصافي، وأغاني فولكوريّة، وأخرى لكاظم السّاهر. لكنّ وقوع هذا الكمّ من المواهب في يد منظومة كهذه، يحجِّم بالضرورة الفرحة والأمل المعقودين على مصير هؤلاء، إذ أنهم يتحركون، للأسف الشديد، في حلقة مفرغة.
 
كان فيصل المتسابق الوحيد الخارج عن سياق البرنامج. تسريحة شعره وطريقة حديثه مع لجنة التحكيم دلّت على أنه ليس من النوع الذي يبحث عنه "النجم". عندما قال إنّه سيؤدي أغنية "انتهى المشوار" لكاظم السّاهر ردّ عليه عضو لجنة التحكيم بأنّ المشوار قد انتهى فعلاً. أدّى فيصل انتهى المشوار، ثم طلب فرصة أخرى غنّى فيها، برداءة شديدة، بعضاً من أغنية "جبّار" لعبد الحليم. اكتسب صوت فيصل الرديء، واطلالته العفويّة، جمالاً مرهونًا بكونه وقع في بيئة معادية. لقد كسر رتابة البرنامج، وخدش يقين القائمين عليه ولهذا، ربّما، حذفوا لاحقًا تسجيل مشاركته من "يوتيوب"!