أردوغان يتوهم أن العصفور.. في اليد

جهينة خالدية
الجمعة   2014/03/21
رسم كارلوس لطوف
 عصفور أزرق صغير، ينطق بتغريدات هي بضع كلمات، أصبح الشيطان الأكبر الذي يخشى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن يهز عرشه. 
عصفور صغير، بات خلال الأشهر القليلة الماضية، الصديق الأكثر شفافية لكثير من الأتراك المناهضين لحكم أردوغان، ولجأوا إليه ليغردوا عن تحركات ضد هدم غيزي بارك، وضد كل سياسة رئيس الوزراء. من "تويتر"، منصة التواصل الإجتماعي الأكثر إنتشاراً في العالم بعد "فايسبوك"، إنطلق أعداء أردوغان أيضاً لينشروا تسريبات لتسجيلات صوتية تتهمه بالفساد.. 
صمت أردوغان، وحاول جاهداً "إحترام" الحريات وما يكتبه وينشره مناهضوه في مواقع التواصل الإجتماعي.. لكن يبدو أن إحتمال نفد.. ففجر غضبه مساء الخميس في عصفور صغير.. فعله كبير.
 
بقرار قضائي، حجب رجب الطيب موقع "تويتر" وارتكب "غلطة" عمره كما وصفها الكثير من المحللين الأتراك.. وصمة على الحريات وإشارة واضحة في رأيهم إلى حال الديموقراطية في عهده وعهد فريقه.. وقرار لا بد للأتراك أن يتوقفوا عنده في إنتخاباتهم المحلية بعد أيام قليلة، في 30 آذار الجاري. إنتخابات تأتي في ظل منافسة شديدة بين حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وأحزاب المعارضة، وأبرزها حزب الشعب الجمهوري، وفي ظل إتهامات بفساد مستشرٍ في حكومة أردوغان.
 
ظن الأخير أن حصوله على قرار قضائي بحجب الموقع، الذي في رأيه يهدد الحياة الإجتماعية والسياسية التركية، سيعفيه من النقد القاسي. "أصدرنا قراراً قضائياً، سنجتث تويتر من جذوره، لا يهمني ما يقوله المجتمع الدولي، سيشهد الكل على قوة الجمهورية التركية".
كم يبدو هذا الكلام شبيها بما يقوله أي زعيم عربي يتسلح بالمنع، بالقوة، وبالسلطة.. لكبت الأصوات. وقمع أردوغان لا يقتصر على "تويتر" بل شهدت فترة حكمه إعتداءات على حرية التعبير وحرية الصحافة أيضاً، وسجن في العام 2013 وحده 40 صحافياً بحسب "اللجنة الدولية لحماية الصحافيين". كما مورست رقابة على الصحف ووسائل الإعلام التي أدى الانحياز التلقائي لبعضها وتعتيم البعض الآخر على أحداث كثيرة (أهمها اعتصامات ضد هدم غيزي بارك) إلى نشوء كثير من المواقع والشبكات الإخبارية البديلة وإلى الاعتماد بشكل كبير على "تويتر" لكسر هذا التعتيم.
 
للمفارقة، بقدر ما تبدو تركيا قريبة من العالم العربي، وعلى تماس مع ثوراته وأزماته وانتفاضاته، بقدر ما يبدو رئيس وزرائها منفصلاً عن هذا الواقع، وجاهلاً لمعنى الحرية والديموقراطية اليوم.
 
ما كشفه قرار أردوغان بحجب "تويتر"، ليس جرأة وقوة وضرباً بعرض الحائط لردود أفعال المجتمع الدولي كما قال.. بل كشف غباء رجل في السلطة.. يحاول أن يربح بالمنع. قاعدة لم تودِ بأصحابها من الحكّام إلا إلى الهلاك.. والتجارب التونسية والسورية والمصرية بثوراتها وإنقلاباتها المتعددة.. نماذج دالة.
 
كل ذلك لا يعني أن مواضيع كالحريات العامة وحرية الصحافة ستكون لها التأثير الأبرز على نتائج الإنتخابات المقبلة، فالتقسيمات السياسية التركية ما بين التوجه الإسلامي واليميني، والفساد و/أو المشاريع الإصلاحية لكل منهما، وما يحملانه من إرث سياسي وتقسيمات لخريطة السيطرة على البلديات.. ستكون لها الكلمة الفصل.
 
 لم يسكت الممنوعون ولم يرضخوا لحجب وصفوه الغبي. آلاف "المواطنين الالكترونيين" احتالوا على الحجب واتبعوا نصائح انتشرت في مواقع التواصل الإجتماعي بتغيير منافذهم على الشبكة وإستخدموا خوادم "غوغل" ذات أنظمة أسماء النطاقات العامة (DNS)، ووصل عدد التغريدات التركية، بعد المنع بساعات، إلى أكثر من مليونين ونصف المليون تغريدة بحسب موقع "زيتي" الإلكتروني. بل وراحت أرقام أسماء النطاقات هذه (8.8.8.8  و .8.8.4.4) تنتشر في رسوم كرتونية أو مكتوبة على جدران اسطنبول لتصل إلى أكبر عدد من المستخدمين. ووجهت مقالات كثيرة، نصائح للمستخدمين باستخدام شبكات الاتصال البديلة والوهمية VPN  أو Virtual Private Network، والتي بحسب "الغارديان" قام أكثر من 120 ألف شخص في تركيا، في حزيران الماضي، بتنزيل تطبيق هاتفي مجاني يؤمن الاتصال بهذه الشبكات.
 
 

 
حتى الرئيس التركي نفسه، عبد الله غول، احتال على الحجب وغرّد عبر رسائل نصية، معبّراً عن رفضه لـحجب مواقع التواصل الإجتماعي"، وأكد أنه تقنياً يستحيل حجب الموقع"، آملاً "ألا يستمر الحجب طويلاً".
 
المعركة التي يظن أردوغان أنه يربحها بمجرد كتم أصوات الملايين في "تويتر"، فتحت عليه النار.. من الداخل قبل الخارج.. وإن كان قد استبق ذلك بالتصريح: "لا يهمني رأي المجتمع الدولي". انفجر شعبه ضده بتغريدات وتعليقات ومقالات وصور، نشرت في "تويتر" تحديداً، تدين ما اسمته "جبن" رئيس الوزراء. واستخدم المغردون مفاتيح  #twitterblockedinturkey  و #Turkeyblockedtwitter ليفرغوا نقدهم للحجب. وكتبت زينب يلدز: "إنه (أي أردوغان) خائف، خائف من الديموقراطية، خائف من الحرية، خائف من الشعب". وأضاف داينال بيزارو: "لا شيء ينشط أي موقع تواصل إجتماعي كمحاولة حجبه".
 
وكانت رسوم الكاريكاتور العالمية بالمرصاد لأردوغان الذي صوره الرسام البرازيلي المعروف كارلوس لطوف كسائق لحافلة نقل سجناء.. أما من يعتقلهم فليسوا سوى عصافير تويتر.. كترميز لحجب الموقع وللحد من حرية الكلمة وحرية التغريد. فيما شبّهه رسم آخر بأوباما مع تحريف لشعار الأخير "نعم نستطيع- Yes we can" واستبداله بشعار "نعم إننا نحجب- Yes we Ban".

 
 
تغريدات ورسوم وإحتيالات الغاضبين من القمع، والمناهضين لأردوغان، قد لا تطول كثيراً.. إن عاد عصفور "تويتر" إلى التغريد بطلاقة من جديد في تركيا.. لكن حجمها وضخها أكد ما بات معروفاً وما اختبره العالم العربي في بدايات إنتفاضاته، الإنترنت ليس مجرد ثورة تنقير وتجميع للايكات، بل حاضنة لحملات مناصرة يمكن لها، في حال نُظّمت، ورُشدت، أن تهز عروش أنظمة.. "فالهدف النهائي ليس تحدي السلطة.. بل تغييرها".. والكلمات للصحافية التركية الناشطة زينب توفقجي.