سيول غزة وحّدت الناشطين الفلسطينيين.. لليلة واحدة

نذير رضا
الإثنين   2014/10/20
صدى الحرب (أ ف ب)

دفق الصور الخارجة من غزة، ليلة الشتاء الأولى، تحيّد المدينة عن جدال النصر والهزيمة، وتنقلها الى الطيف الإنساني. لا شيء يوحّد الفلسطينيين في هذه الليلة القاسية، إلا العراء والبرد المصحوب بالسيول. لا شيء يحمي الأطفال من الموت القارس. لا منازل ولا ملاجئ ولا صواريخ وطائرات. وأنهى الناشطون في مواقع التواصل كل فصول الإنقسام، لليلة واحدة.. ليلة اللقاء مع المطر!

في لحظات، تحولت الصفحات الفلسطينية، الشخصية والعامة، في وسائل التواصل الإجتماعي، الى صورة واحدة. أطفال في العراء، يخوضون الاختبار الأول لما بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع. إنطفأ الجدال الفلسطيني المستعر حول أولويات ورشة إعادة الإعمار، والحصص من الهبات العربية. وحدهم الأطفال وحدوا الناشطين. مأساتهم. وجعهم القارس في ليلة الظلمة والخوف والبرد.

السيول تجتاح الصور. كذلك الإنكفاء بالأجساد، ووقوف امرأة في بقايا خيمة، تحاول صيانتها لتحمي أحفادها (ربما الأيتام) من المطر والصواعق. هنا، لا مكان للمناكفات، ولا للتحديات.. ولا حتى للإنقسام المتواصل. مأساة الطفل بألف كلمة. تحديات الفلسطينيين اليوم، لا تقف عند ورشة إعادة الإعمار بوصفها سبيلاً للنفوذ السياسي. "هي ضرورة لحماية الأطفال على أبواب الشتاء"، في حين "يختبئ المقاتلون في أنفاقهم"، كما يقول ناشطون.

"تويتر"، كما "فايسبوك"، يضج بالمأساة. هي "تكرار للحرب الأخيرة". ربما صدى لها. وأولى تداعياتها الإنسانية على سكان القطاع. يعلن الغزيون عن وجعهم. يشاركهم فيها مئات المغردين والمتعاطفين. لكن الجميع يحتمي تحت سقف منزله، دافئاً ينعم بنعمة البُعد. ربما لم يتحسس المطر في الشارع، خلافاً لسكان القطاع. ولولا مجموعة من الصور الموحدة، ومقاطع فيديو تصور النزيف المستمر لأبشع تداعيات الحرب الإسرائيلية، لما تحسس أحد ذلك الوجع.. ولو افتراضياً.

ترد المعاناة في منشورات قليلة من وسائل الإعلام العربية. أما في الخارج، فلا إشارة للمأساة في كبرى وسائل الإعلام الغربية، على الرغم من خروج صور مؤثرة في وكالات أجنبية، بينها "رويترز". ربما تتعاطي وسائل أخرى مع الصورة، بشكلها الحدثي بدلاً من صور عارضات الأزياء والممثلات على الصفحات الأخيرة. وبعد... لا شيء يخفف عن هؤلاء الأطفال وجع البرد. لا خبر يصل رحلة الصيف برحلة الشتاء.

غزة، في صورها العارية، وأجساد أطفالها في العراء، لازمة جديدة للمعاناة، تتطلب حملات على أوسع في مواقع التواصل، علّها تخفف عن الأطفال عبئ الشتاء وضراوة عواصفه. وحتى تتحرك المنظمات الدولية، يختبئ السكان بين ركام وحطام. مصطلحان لا يختصران مأساة الحرب، بل يؤكدان قسوة تداعياتها.