أردوغان يطمئن "الاقتصاديين التقليديين" بوزير ماليّته الجديد

المدن - اقتصاد
السبت   2023/06/03
تفاؤل الأسواق التركيّة بتولي محمد شيمشك وزارة المالية (Getty)

في أبرز التطوّرات التي تلت الانتخابات الرئاسيّة التركيّة، سرّبت مصادر صحافيّة تركيّة اتّجاه أردوغان لتسليم محمّد شيمشك حقيبة وزارة الخزانة والماليّة، في أولى الحكومات التي سيشكّلها بعد الانتخابات. ومن المرتقب أن تؤدّي هذه الخطوة إلى طمأنة الأسواق والمستثمرين خلال الفترة المقبلة، بالنظر إلى خلفيّة شيمشك المؤيّدة للسياسات النقديّة والاقتصاديّة التقليديّة، والتي تختلف عن نهج أردوغان غير المألوف في إدارة الملفّات النقديّة.

السوق تهدأ بعد تقلّبات
وكانت الليرة التركيّة قد شهدت انخفاضات حادّة في قيمتها خلال شهر أيّار الماضي، بعدما فقدت 6% من قيمتها، ما رفع سعر صرف الدولار الأميركي إلى مستويات قياسيّة تتجاوز 20 ليرة تركيّة مقابل الدولار.

وجاءت هذه التقلّبات السريعة في سعر الصرف جرّاء خشية المستثمرين من فوز أردوغان بولاية جديدة، بالنظر إلى سياساته "غير التقليديّة" القائمة على خفض نسب الفوائد، بدل رفعها لضبط التضخّم وتدهور سعر الصرف. كما سادت خشية في السوق من إمكانيّة عودة أردوغان إلى التدخّل الفج بسياسات المصرف المركزي التركي وقراراته، لمنع رفع الفوائد.

إلا أنّ السوق سرعان ما تفاءلت يوم أمس بالأنباء التي تسرّبت عن الاتجاه لتعيين شيمشك في منصبه، إذ ارتفع مؤشّر أسهم المصارف في بورصة اسطنبول يوم أمس بنسبة 6.6% عند افتتاح السوق، كما انخفضت كلفة التأمين ضد تخلّف الدولة عن سداد سنداتها السياديّة، وانخفضت العوائد التي يطلبها المستثمرون مقابل مخاطر التوظيف في سندات الدين السيادي إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاثة أسابيع.

استراتيجي ومصرف تقليدي
ويبدو تفاؤل الأسواق التركيّة بشيمشك مفهومًا اليوم، بعد كل الاضطرابات التي شهدتها السوق بعد الانتخابات التركيّة. فشيمشك هو استراتيجي سابق في مصرف "ميريل لينش"، ويحظى باحترام المستثمرين لدفاعه الدائم عن السياسات التقليديّة، المعاكسة لنظريّات أردوغان في الشؤون النقديّة والماليّة، بالإضافة إلى خبرته الطويلة في أسواق النقد والمال العالميّة.

ومن المعلوم أن شيمشك ابتعد عن ممارسة أي دور في الشأن العام منذ العام 2018، بعد انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي الذي أعطى أردوغان صلاحيّات تنفيذيّة واسعة، فيما وجّه الرجل انتقادات علنيّة في مراحل سابقة لسياسات أردوغان النقديّة غير المألوفة، ولتدخلاته في السياسة النقديّة.

وأفادت المصادر الصحافيّة أن شيمشك اشترط إعادة الاستقلاليّة للسياسة النقديّة، قبل الموافقة على تبوء أي منصب في حكومة أردوغان الجديدة. كما يبدو أن حزب الحركة القوميّة، المتحالف مع أردوغان، والذي ساهم بتأمين الأغلبيّة للإئتلاف الحاكم في البرلمان، تمكّن من الضغط على الرئيس التركي للقبول بهذا الشروط.

ورغم ذلك، يشكك كثير من المحلّلين بقدرة شيمشك على فرض العودة إلى السياسات النقديّة التقليديّة التي يتبنّاها، ومنها رفع الفوائد لضبط التضخّم، بوجود الرئيس التركي الذي يصف نفسه كعدو لأسعار الفائدة المرتفعة.

تجارب سابقة لشيمشك
ولشيمشك تجارب سابقة في العمل في الشأن العام التركي، إذ شغل قبل العام 2018 منصبي وزير الماليّة ونائب رئيس مجلس الوزراء. وتمكّن شيمشك في تلك المرحلة من وضع سياسات ساهمت في نمو الاقتصاد التركي، مع معدّلات تضخّم "مقبولة" قياسًا بمعدّلات التضخّم الفاحشة التي شهدتها تركيا بعد مغادرة شيمشك التركيبة الحكوميّة. وغادر شيمشك منصبه لاحقًا نتيجة عوامل متعددة، منها تعارض توجهاته مع سياسات أردوغان النقديّة، بالإضافة إلى التعديلات الدستوريّة التي فرضت صلاحيّات واسعة جدًا للرئيس التركي.

ومن غير الواضح ما إذا اختيار شيمشك تراجعًا من قبل أردوغان عن السياسات النقديّة غير المألوفة، لاستيعاب تخبّط الأسواق، خصوصًا أن حملة أردوغان الانتخابيّة لم تقدّم أي وعد بهذا الخصوص، رغم رغبة المستثمرين الأتراك بسماع تطمينات من هذا النوع. وهذا ما يؤشّر إلى أنّ اختيار شيمشك قد يكون مجرّد خضوع من جانب أردوغان لحلفائه القوميين، الذين ازدادت قوّتهم التفاوضيّة مؤخّرًا داخل التحالف الحاكم في تركيا.