الكارثة الاقتصادية ورمضان: العائلات الصائمة كأنها لا تفطر

بلقيس عبد الرضا
الجمعة   2023/03/24
الطبقة السياسة والاقتصادية عازمة على تدمير البلد، وتجويع الناس (المدن)

بدّلت الأزمة الحالية عادات الصائمين. ولم يعد الحديث عن ارتفاع أسعار مكونات طبق الفتوش ذات أهمية، بعدما تم استبعاده عن المائدة الرمضانية بطبق من سطة الخيار والبندورة، الأمر لم يعد محصوراً باستبعاد المقبلات وحسب، بل تعدى ذلك إلى الأطباق الرئيسية، في ظل ارتفاع سعر طن اللحم لأكثر من 400 دولار.

مائدة فقيرة
للسنة الثالثة على التوالي، يطل شهر رمضان المبارك وسط انحدار غير مسبوق في الليرة اللبنانية، بعد تخطي سعر الصرف أمام الدولار حاجز 145 ألف ليرة قبل أيام، وهو ما انعكس بشكل مباشر على  أسعار مختلف السلع في لبنان، التي شهدت تغييرات على مدار الساعة.

تسعى هنادي طه (43 عاماً) تدبير شؤون مائدتها الرمضانية بأبسط التكاليف. استغنت عن العديد من السلع الأساسية. تتقاضى نحو 250 دولاراً و10 ملايين ليرة لبنانية، فيما يتقاضى زوجها 8 ملايين ليرة. تقول لـ"المدن": "انعكس تغير سعر الصرف في الأيام الماضية بشكل كارثي على أسعار السلع، وهو ما يعني أن العديد من السلع الرمضانية ستكون غائبة هذا العام".

تضيف: "استبدلت طبق الفتوش والتي تصل تكاليفه إلى ما لايقل عن 500 ألف ليرة، بطبق من سلطة الخس مع الخيار والبندورة بتكلفة لا تتخطى 150 ألف ليرة، أما فيما يتعلق بطبق الشوربة، الذي يعد أساسياً على المائدة الرمضانية، فسيتم الاستغناء عنه، نظراً لارتفاع مكوناته، وقد يتم استبداله بطبق من الماء المغلي مع البهارات والقليل من الندورة".

تستبعد طه من مائدتها اللحوم الحمراء، وتستعين بدلاً من ذلك بالدجاج، نظراً لانخفاض أسعاره، إذ يصل سعر الكيلوغرام من الدجاج إلى ما يقارب 240 ألف ليرة، مقارنة مع اللحوم التي تتخطى حاجز 600 ألف ليرة.

تقليص النفقات
قلصت نادية زيتون (ربة أسرة) من نفقات الطعام والشراب منذ بداية العام، ومع بدء شهر رمضان، تؤكد أن خياراتها لإعداد المائدة باتت شبه محدودة، وتقتصر المائدة على طبق من الخضار وإضافة الأرز المصري أو الإيطالي، بعد استبعاد الأرز البسمتي الذي اعتادت عليه في السنوان الماضية. في الأسواق التجارية، يباع الكيلوغرام من الأرز المصري أو الإيطالي بنحو 160 ألف ليرة، فيما يصل سعر البسمتي إلى نحو 500 ألف ليرة، وهو ما جعل العائلات تحجم  عن شراء الأصناف الغالية واستبدالها بأصناف أرخص.

وتشير زيتون إلى أنها لجأت إلى استخدام أسلوب "التوفير" نتيجة الانفلات الحاصل في السوق. فقد استغنت زيتون أيضاً عن شراء ظروف الشوربة الجاهزة، والتي تعد جزءاً من المائدة الرمضانية، بعدما وصل سعرها إلى 61 ألف ليرة، واستعاضت عن ذلك بغلي الماء مع بعض التوابل وإضافة البندورة، وتقديمها كبديل غذائي عن طبق الشوربة.

انتقادات بالجملة
غاب التمر أيضاً عن المائدة الرمضانية، إذ وصل سعر الكيلوغرام من التمر إلى  نحو مليون و400 ألف ليرة، أي نصف الحد الأدنى للرواتب في القطاع العام، البالغ مليونين ونصف المليون تقريباً.

انتقد رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برو  النظام الاقتصادي القائم، وحمل أعباء ما يحصل من تردي للأوضاع المعيشية إلى وزارة الاقتصاد. يقول لـ"المدن": يتحكم التجار بلقمة عيش اللبنانيين، فقد أظهرت القرارات  الأخيرة بتسعير السلع بالدولار، أن الطبقة السياسة والاقتصادية عازمة على تدمير البلد، وتجويع الناس، خصوصاً وأن أكثر من 70 في المئة من اللبنانيين لا يتقاضون رواتبهم إلا بالليرة اللبنانية، ما يجعل من الصعب والمستحيل شراء السلة الغذائية".

ارتفاع أسعار السلع الغذائية حرم العديد من العائلات اللبنانية من العادات الغذائية التي تصاحب الشهر الفضيل. تؤكد كل من زيتون وطه، بإنهما عجزتا منذ رمضان الماضي عن شراء شراب الجلاب، أو حتى الحلويات الرمضانية، لأن تكاليف هذه الأطباق والمشروبات ليوم واحد كافية لإطعام العائلة لعدة أيام.

تكاليف مرتفعة
تصل تكاليف المائدة الرمضانية المعتادة لنحو 4 أشخاص الى ما يقارب من  35 دولاراً يومياً، أي نحو 1050 دولاراً خلال شهر كامل، وهو رقم مرتفع مقارنة مع تكاليف أشهر رمضان السابقة. بين رمضان 2022 و2023، ارتفعت نسبة التضخم بأكثر من 500 في المئة. في العام الماضي لم يكن سعر الدولار يتخطى 21 ألف ليرة، فيما وصل في الوقت الحالي إلى ما يقارب 110 ألف ليرة، بعدما قفز  إلى أكثر من 140 ألف ليرة، وبذلك ارتفع سعر الدولار لأكثر من 523 في المئة، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على أسعار السلع الغذائية.

الحلويات الرمضانية
باتت الحلويات الرمضانية حكراً على الفئات المقتدرة في لبنان،  حتى الأشخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي تبدلت عاداتهم الشرائية.  نضال فارس (32 عاماً) تتقاضى ما يقارب من 1200 دولار أميركي أي نحو  132 مليون ليرة، حسب سعر السوق (110 ألف ليرة لكل دولار)، ورغم ذلك، تشير الى أنها خفضت من ميزانية الحلويات، واستبدلتها بأطباق منزلية الصنع، على غرار المهلبية والأرز بالحليب. مع بداية شهر رمضان، ارتفعت أسعار الحلويات لأكثر من 30 في المئة. يصل سعر كيلوغرام العثملية إلى 18 دولاراً، فيما تباع دزينة (12 حبة) من الكلّاج بنحو 16 دولاراً.  تقول فارس: "على الرغم من أن الراتب بالدولار، لكن الأسعار مرتفعة جداً، إن أردات عائلتي شراء حلويات رمضانية كالسابق، ستخصص ميزانية لا تقل عن 450 دولاراً، أي نصف الراتب تقريباً".