الكحول"ممنوعة"في طائرات الميدل إيست:المال وليس الدِّين

خضر حسان
الأربعاء   2022/08/03
الميدل إيست تكيل بمكيالين (Getty)
جذبت شركة طيران الشرق الأوسط (الميدل إيست) الأضواء نحوها منذ ما قبل بدء الأزمة في تشرين الأول 2019. وتزايد النقاش حولها في مختلف الميادين، مع تفشّي وباء كورونا واستمرار انهيار الليرة. وهذه الضغوط ساعدت القوى السياسية على إشعال خلافاتها حول السيطرة على إدارة هذه الشركة، وتحديداً التيار الوطني الحر الذي لا يترك مجالاً إلاّ ويخوضه، وإن وصل الأمر إلى استعمال الدِّين.

استعادة قضية الكحول
عادت قضية منع تقديم المشروبات الكحولية على متن طائرات الميدل إيست إلى الواجهة. فالقرار اتخذ العام الماضي عقب تفشي فيروس كورونا الذي ألزَمَ شركات الطيران حول العالم باتخاذ تدابير وقائية، منها وقف تقديم الكحول واعتماد آليات معينة لتقديم الأكل والشرب. والكحول كان على قائمة المنع بسبب اضطرار المضيفين والمضيفات للتنقّل باستمرار بين الركاب والاحتكاك بهم، على عكس تقديم وجبات الطعام التي تفترض التواجد بين الركاب في أوقات محددة ولفترة قصيرة.

ومع أن الاجراءات عالمية، ارتأى النائب العوني زياد أسود، أن يفسّر عدم تقديم الكحول على متن طائرات الميدل إيست، من منطلق ديني، معتبراً في العام الماضي، أن القرار هو اعتداء على حقوق الانسان، وفرض لعادات ورغبات فئة معينة من الناس، على فئة أخرى. متسائلاً "كيف تفرض هكذا تدابير على من لا يؤمن ولا يخضع لموانع دينية بهذا الأمر؟".
وبعد أقلّ من عام، استُعيد هذا الخطاب. ما اضطرّ المدير العام للميدل إيست، محمد الحوت، إلى التأكيد على أن موضوع الكحول "هو قرار يعود إلى أكثر من عام ونصف عام، منذ بدء جائحة كورونا". معتبراً أن "ما يُحكى حول الكحول، مبالغ فيه بشكل كبير". مستغرباً "إثارة الموضوع في هذا التوقيت".

استبدال محمد الحوت
يحكم قضية الميدل إيست عامل أساسي وهو الصراع حول رأس هرم إدارتها. وكل ما عدا ذلك، هو تفصيل. ويحاول التيار الوطني الحر تغيير محمد الحوت الذي يشغل منصبين هما رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للشركة. ويسعى العونيون منذ ما قبل تشرين الأول 2019، إلى الحصول على المنصبين، أو على أقل تقدير، الاستحواذ على رئاسة مجلس الإدارة، مع الإبقاء على الحوت مديراً عاماً، وهو ما لم ينجح به العونيون حتى اللحظة، لأن الحوت يدير الشركة بصورة ممتازة من ناحية تجارية بحتة، كما أنه يحظى بدعم من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن رئاسة مجلس الوزراء، وتحديداً الرئيس السابق سعد الحريري، بالإضافة إلى دعم رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وبالتالي، تتناقص حظوظ العونيين إلى حدّ التلاشي، ما يترك أمامهم خيار استغلال أي فرصة لاستهداف الحوت.

لا يعني الاستهداف أن ما تقوم به الشركة مثالي من وجهة نظر المسافرين. فالشركة سارعت منذ بداية الأزمة، لاعتماد الدولار بدل الليرة في تقاضي ثمن بطاقات السفر، في حين أن البلاد كانت تمرّ بمرحلة حرجة. فضلاً عن تقاضيها أسعار بطاقات مضاعفة حين "تبرَّعَت" لإعادة اللبنانيين في الخارج، مع تفشّي الوباء، وخصوصاً الطلاّب منهم. فدفع هؤلاء ثمن التذاكر بزيادة ضعفين إلى ثلاثة أضعاف. وبرَّرَ الحوت هذا الإجراء في العام الماضي، بأن الشركة اضطرت لتسيير رحلات بأقل من عدد الركّاب الكافي لتغطية نفقاتها، تأميناً للتباعد الجسدي المطلوب بين الركّاب. الأمر الذي رتَّبَ على المسافرين أكلافاً أعلى ممّا هي عليه مقارنة مع شركات طيران أخرى. لكن لم يكن مسموحاً حينها لأي شركة طيران بالتوجه إلى لبنان، إذ كان المطار مقفلاً.

مَن يدفع يشرب
سجال مَنع الكحول لأسباب دينية أو تماشياً مع إجراءات كورونا، غير دقيق في الحالتين. فالكحول مسموح لركّاب درجة رجال الأعمال (البزنس)، على متن طائرات الشركة نفسها، وممنوع على ركّاب الدرجة السياحية، وهذا ينفي الحجّة الدينية. أما ذريعة إجراءات الكورونا، فهي خُفِّضَت إلى حدّ التلاشي، فالاحتكاك الجسدي شبه عادي، والتنقّل بين الركاب قائم، والالتزام بالأقنعة الواقية غير صارم، وتقديم الطعام والشراب طبيعي. فهل يميّز الفيروس بين ركّاب الطائرة حسب نوع الحجز ومستوى التقديمات؟

ذريعة الحوت القائمة على قرار منع تقديم الكحول، يسقطها تقديمها لركاب درجة رجال الأعمال. وهنا، تقول مصادر متابعة للملف، في حديث لـ"المدن"، أن "مَن يدفع يشرب. والحديث يدور حول التكلفة التي تدفعها الشركة لقاء تقديم الكحول. ففي المبدأ، الكحول مجاني على الطائرة، ما يعني ان على الشركة تكبّد تكاليف وفّرتها في ظل قرار المنع، ولذلك قرّرت الاستمرار في تطبيق القرار، وإن بصورة مجتزأة، فركاب درجة رجال الأعمال يدفعون كلفة أعلى تغطي كلفة الكحول".

يميّز الحوت إذاً بين الركاب وفق امتلاكهم للمال، لا حسب اعتقادهم الديني. على أن ذريعة كورونا كان يمكن تفاديها بتقديم عبوات مشروب صغيرة. فغالبية أصناف المشروبات لديها أحجام مختلفة، كما تقدَّم المشروبات الغازية. أما ذريعة الكلفة المادية المرتفعة، فهي مردودة أيضاً، إذ أن أسعار الكحول بالدولار، انخفضت مقارنة عمّا كانت عليه قبل الأزمة. ومع ذلك، كان يمكن للشركة وضع أسعار معينة للكحول، وترك الخيار لمن يريد دفع ثمنها.
إن قرار حرمان بعض الركاب من حقّهم المدفوع ثمنه ضمنياً عبر كلفة بطاقات السفر، هو انتقاص من حقوقهم. في حين تلتزم بعض شركات الطيران العالمية قرار وقف تقديم الكحول، لكل الركاب، لا انتقاء ركاب يدفعون أكثر، مقابل ركاب يدفعون أقل. وهنا، يتفوّق المال مرة أخرى.