"كلنا إرادة" تعود للسياسات العامّة: أصول الدولة لكل اللبنانيين

علي نور الدين
الخميس   2022/06/09
تعود "كلنا إرادة" الى الدراسات ووضع الأوراق وفتح النقاشات وورش العمل (انترنت)
منذ تأسيس "كلنا إرادة" عام 2017، كان هدف هذه المنظمة الأساسي- كما تعلن عن ذلك على موقعها الإلكتروني- تكوين مجموعة ضغط "ملتزمة بالإصلاح السياسي"، عبر "رفع الوعي بالقضايا العامّة والعمل بنشاط وبشكل بنّاء لوضع الحلول". ولهذه الغاية كان النشاط السياسي الذي مارسته المنظّمة منذ نشأتها يتركّز على ورش العمل والندوات والأوراق البحثيّة، التي تطرّقت للسياسات العامّة المعتمدة والمقترحة، في ما يخص قضايا استراتيجيّة مثل قطاع الطاقة والنفط والغاز والاقتصاد والماليّة العامّة، واستقلاليّة القضاء والحوكمة الرشيدة وغيرها.

المناصرة والتغيير
بعد الثورة، وقبيل الانتخابات النيابيّة، اختارت المنظّمة التركيز على دور مختلف، بعدما فضّلت الابتعاد عن عمل المناصرة والضغط المتصل بمراكز القرار السياسي المُهيمَن عليه من قبل الاحزاب التقليديّة، فآثرت تحويل طاقاتها في اتجاه تقديم الدعم لمجموعة من المرشحّين "التغييريين" خلال الانتخابات النيابيّة.
تباين تقييم "التغييريين" دور المنظمة خلال الانتخابات، لكنّ صفحة الانتخابات انطوت في النهاية، ومعها انطوى السجال حول التحالفات والتصنيفات والأولويّات، وذهبت الأنظار إلى ما يمكن البناء عليه من نتائج الانتخابات.

في خلاصة الأمر، يبدو أن "كلنا إرادة" عادت سريعًا إلى دورها التقليدي، قبل دخولها في مهمّة دعم اللوائح والمرشّحين، وتحديدًا لجهة وضع تقارير وأوراق ومواقف ودراسات مرتبطة بالقضايا الأساسيّة المطروحة في كل مرحلة، والعمل على ورش العمل والندوات التي تستهدف الضغط باتجاه هذه المواقف. مع الإشارة إلى أنّ المنظمة لم تُخفِ منذ صدور نتائج الانتخابات النيابيّة نيّتها الصريحة: توجيه كل هذا العمل لدعم "النوّاب التغييريين" داخل المجلس النيابي، ما يشير إلى أنّ نوعيّة العمل للضغط والمناصرة الذي تقوم به المنظمة، سيتركّز على الاستفادة من وجود هؤلاء النوّاب.

ورقة لحماية أصول الدولة
طليعة هذا التوجّه، تمثّل يوم أمس الأربعاء 8 حزيران في الورقة التي نشرتها "كلنا إرادة"، في ما يخص "النقاش حول توزيع خسائر النظام المالي، الذي عاد إلى صلب النقاش اليوم"، بعدما عمدت شخصيّات فاعلة "في المنظومتين السياسيّة والماليّة إلى استعادة الضغط باتجاه استعمال أصول الدولة لتغطية الخسائر القائمة في النظام المصرفي". حسب الورقة، ستؤدّي هذه الأفكار في حال اعتمادها- حسب الصيغ المطروحة اليوم- إلى إفادة حلقة ضيّفة من أصحاب الأسهم في المصارف وكبار المودعين من الأصول العامّة، وبشكل حصري وغير عادل.

فوفقًا للأرقام، يتسم القطاع المصرفي اللبناني بتركّز شديد في ودائعه، بحيث يستحوذ 1 في المئة من المقيمين بالودائع الكبيرة التي تتخطى قيمتها 200 ألف دولار أميركي. وبالتالي، فأي استعمال لأصول الدولة لإطفاء الخسائر المصرفيّة، وتسديد الودائع، يعني- فضلًا عن تحييد أصحاب الرساميل عن الخسائر- تحويل الثروة المملوكة من الدولة باتجاه الحلقة الضيّقة الأثرى في المجتمع، ما يمثّل خطوة غير منصفة في بلد يتسم أساسًا بتركّز شديد للثروة. وتشير الورقة إلى أنّ أكثر من نصف المجتمع بات اليوم خارج النظام المصرفي، واستعمال أصول الدولة على هذا النحو يحرم الاقتصاد المحلّي من موارد شديدة الأهميّة، يُفترض أن يتم توظيفها لنهضة الاقتصاد ككل، لا حصر عوائدها بحلقة ضيّقة من المستفيدين.

رد على المغالطات
تبنّت حكومة ميقاتي مبدأ "الحد من استعمال الأصول العامّة" لإطفاء الخسائر. وهذا جاء متسقًا مع التفاهم المبدئي الذي تم عقده على مستوى الموظّفين مع صندوق النقد الدولي. وبمعزل عن جميع الضغوط التي جرت خلال الفترة الماضية، أصرّ كل من صندوق النقد الدولي والحكومة على رفض استعمال الأصول العامّة لإطفاء الخسائر، سواء عبر خصخصة هذه الأصول، أو استثمارها من صندوق لإدارة الأصول العامّة.

وهنا، تركّز الورقة على الرد على بعض المغالطات، التي تربط ما بين الخسائر ومسؤوليّة الحكومة عن التعويض على المصارف. فالخسائر المصرفيّة مرتبطة بغالبيّتها الساحقة بالعمليّات التي استهدفت تثبيت سعر الصرف. وهذا ما نتج عنه عجز كبير يُقدّر بنحو 60 مليار دولار. بمعنى آخر، تحاول الورقة هنا الفصل ما بين التزامات الحكومة اللبنانيّة، الناشئة عن الديون السياديّة التي سيتم إعادة هيكلتها، والخسائر المصرفيّة الناتجة عن عمليّات بينيّة، جرت بين مصرف لبنان والمصارف التجاريّة.

وفي كل الحالات، وللرد على المغالطات أيضًا، تشير الدراسة إلى أنّ قيمة الخسائر باتت تتجاوز اليوم حدود 70 مليار دولار، في حين أن كل أملاك الدولة الاستثماريّة والعقاريّة تتراوح قيمتها ما بين 11.6 و21.5 مليار. ولهذا السبب بالتحديد، لا يوجد سبب للتفاؤل بإمكانيّة سداد فجوة الخسائر المصرفيّة، عبر استخدام أصول الدولة على النحو المقترح اليوم.

الحلول المطروحة
الحلول المطروحة، تبدأ أولًا من احترام تراتبيّة توزيع الخسائر وفقًا للأصول المعترف بها عالميًّا، والتي تبدأ أولًّا بتحميل المساهمين في القطاع المصرفي الشريحة الأولى من الخسائر. ولهذا السبب، تطالب الورقة الحكومة بالالتزام بهذه التراتبيّة، وفق أي مسار يهدف إلى التعامل مع الخسائر القائمة في الميزانيّات. وبعد شطب الرساميل، يُفترض أن يتم فرز الودائع الموجودة وتصنيفها، قبل تحديد طريقة التعامل معها، وفق فئات تلحظ ودائع الأفراد والشركات، وودائع اللبنانيين والأجانب، وودائع الأفراد وصناديق التقاعد، وهكذا دواليك.

وبعد فرز الودائع على هذا النحو، يمكن الانطلاق بعمليّة ردم الفجوة، من خلال العودة لاسترجاع الأرباح الموزعة خلال المراحل السابقة، والفوائد الفاحشة التي تم دفعها سابقًا. كما يمكن إجراء عمليّات اقتصاص مباشرة من الشريحة الأكبر من أموال كبار المودعين، خصوصًا الذي ينتمون إلى فئة المساهمين في المصارف. كما تقترح الورقة إجراء عمليّات ليلرة (تحويل من الدولار إلى الليرة) محدودة النطاق لجزء من الودائع، إضافة إلى تحويل تقسيط بعض الودائع الأخرى بموجب سندات طويلة الأجل، وتحويل جزء من الودائع إلى أسهم في القطاع المصرفي بعد شطب الرساميل القائمة اليوم.

في مقابل توزيع الخسائر على هذا النحو، تفترض الورقة وجوب ضمان أموال صغار المودعين والصناديق التقاعديّة حتّى أقصى حد، انطلاقًا من الموارد المتوفّرة اليوم، مذكرةً بتصريحات نائب رئيس الحكومة الذي أعلن إمكانيّة ضمان كل وديعة إلى حدود 100 ألف دولار أميركي، بكلفة إجماليّة تبلغ 34 مليار دولار أميركي. أمّا أهم ما في الموضوع، فهو المحاسبة التي يُفترض أن تترافق مع أي عمليّة توزيع للخسائر، عبر إخضاع الودائع الكبيرة لعمليّات تدقيق تستهدف البحث عن مصدرها وإمكانيّة انطوائها على عمليّات تبييض أموال وكسب غير مشروع. كما تقترح الورقة إجراء عمليّة تدقيق شاملة للتحويلات التي جرت بعد 17 تشرين الأوّل، لتحديد المودعين النافذين الذي استفادوا من تحويلات استنسابيّة.

الدراسة