المصارف تحشد للمواجهة: الاستيلاء على أملاك الدولة

عزة الحاج حسن
السبت   2022/05/21
"شرعة المودعين" لمواجهة خطة المصارف (مصطفى جمال الدين)
طُويت صفحة الانتخابات النيابية وانطلقت معركة إدارة الأزمات المالية، النقدية والمصرفية. وتلك ستشهد من دون شك أشرس المعارك. وما المعارك التنافسية التي دارت في البلد في 15 أيار للدخول إلى الندوة البرلمانية سوى محاولة لبعض المرشّحين المدافعين عن سياسة القطاع المصرفي، لحجز أماكن لهم في مجلسٍ يتحضّر لاتخاذ جملة قرارات مصيرية بحق المصارف ومودعيها، وبحق الدولة برمّتها وبأملاكها ومؤسساتها وحتى ثرواتها.

وعلى الرغم من تلقي القطاع المصرفي "صفعة" مدوّية بخسارة بعض مرشّحيه للمجلس النيابي من بينهم مروان خير الدين وإيلي الفرزلي، غير أنه عزم على الدخول في المواجهة مع الدولة، لدفعها في نهاية المطاف إلى بيع أملاكها بشكل أو بآخر بهدف إطفاء خسائر القطاع المصرفي تحت سقف الصندوق السيادي.

"جبهة" المصارف
باشرت المصارف بحشد مؤيّدين لرؤيتها حيال مسألة توزيع الخسائر، وتحميل الدولة اللبنانية والمودعين الثقل الأكبر منها، ولم تتردّد في بث سمومها في الجامعات والنقابات ووسائل الإعلام. ففي خلال أيام قليلة عقب الانتخابات النيابية، تحوّلت المصارف وهي المختلسة لمليارات الدولارات من أموال المودعين والمتهرّبة من تطبيق القوانين والتعاميم إلى "الطرف الاضعف"، بنظر كثر وعلى ألسنة اقتصاديين وأساتذة جامعيين ووسائل إعلام. وعليه، تروّج المصارف لنظرية تحميل الخسائر للدولة بالدرجة الأولى، وتحشد المؤيّدين في المجلس النيابي وخارجه لمواجهة الفريق الذي صرف الأموال، أي الدولة.

نظرية المواجهة مع الدولة وتحميلها الثقل الأكبر من الخسائر، وتصوير الأمر على أنه عملية آمنة للخروج من الأزمة المصرفية، واستعادة أموال المودعين والنقابات، حملها رئيس جمعية المصارف سليم صفير، وحاول حصد تأييد لها بين نقباء المهن الحرة في بيروت وطرابلس الذي اجتمع معهم مؤخراً. وقد نجح صفير -حسب المعطيات- إلى حد ما في استقطاب بعض النقباء وليس جميعهم، حول فكرة أن المصارف والمودعين في قارب واحد، وعلى الطرفين مواجهة الدولة لتحميلها خسائر مصرف لبنان، وتالياً استعادة أموال المودعين.

ثمن المغامرات
ولم يتردّد صفير، وبتأييد عدد من نقباء المهن الحرة بـ"التكشير" عن أنيابه والتصويب مباشرة على أملاك وثروات الدولة، لاسيما الثروة النفطية التي حسب ادعائه تقدّر بقيمة 354 مليار دولار. وهي قيمة قادرة على تغطية كل الودائع ولو بعد سنوات. ما يسعى إليه صفير باسم المصارف وكل من يدور في فلكها، هو إطفاء خسائر القطاع المصرفي من الثروة العامة، أي المال العام. بمعنى آخر، يسعى فريق المصارف وداعميهم إلى إلزام الدولة بتغطية ثمن مغامرات القطاع المصرفي التي كبّدته المليارات من جيب المودعين وعموم المواطنين.

وكما يتسلّل صفير إلى نقابات المهن الحرة لحشد تأييدهم لخطة الإنقضاض على أملاك الدولة وثرواتها، كذلك شركائه في القطاع المصرفي، ومن بينهم وزير الاقتصاد الأسبق رائد خوري الذي اعتلى منصة كلية الإدارة والأعمال في جامعة الحكمة، ليبشّر المودعين باستحالة استعادتهم ودائعهم ما لم تعترف الدولة بخسائرها. أما مفهوم اعتراف الدولة بخسائرها فيعتمد على تحمّلها -بنظر خوري والنائب المنتخب نعمة افرام وغيرهم كثر- الثقل الأكبر من خسائر القطاع المصرفي، ومن بعدها يتحمّل مصرف لبنان ما تبقى من الخسائر، ليأتي بالدرجة الأخيرة القطاع المصرفي والمودعون، فيتحملان الجزء الأقل من الخسائر وبالتساوي.

"جبهة" المودعين
أمام هجمة المصارف وكل من يشد على يدها من سياسيين ونافذين، لتحميل الدولة الخسائر، عبر طرح تسييل أملاكها العامة عبر صندوق سيادي، هناك من ناضل للوصول إلى الندوة البرلمانية للوقوف في وجه هذا المشروع على وجه التحديد. فكثر من النواب الجدد وليس جميعهم بالطبع، يحملون لواء الدفاع عن أموال المودعين، ويتبنّون مهمّة مواجهة تأسيس صندوق سيادي لتسييل ممتلكات الدولة ومؤسساتها لصالح إطفاء خسائر القطاع المصرفي.

ولا تقتصر تحرّكات النواب الجدد على إعلان مواقف واضحة وصريحة من خطة توزيع الخسائر، وكيفية حماية أموال المودعين. بل إن عدداً منهم أعلن جهاراً محاربة ومواجهة خطة المصارف لتحميل الدولة والمودعين الجزء الأكبر من الخسائر، معلنين الالتزام بحماية أصحاب الودائع لاسيما الصغيرة والمتوسّطة منها، ومتعهّدين بالنضال لعدم تحميل المجتمع كلفة الانهيار المالي. وقدّ وقّع غالبية النواب الجدُد والمتحدّرين من ساحات ثورة 17 تشرين، "شرعة المودعين"، التي أطلقتها رابطة المودعين. وتستهدف من خلالها صوغ خطة عادلة لتوزيع الخسائر وحفظ حق المودع.

وحسب معلومات "المدن"، تعمل رابطة المودعين وبالتنسيق مع النواب الجدد الموقّعين على "شرعة المودعين" لعقد لقاء موسّع الأسبوع المقبل لإطلاق خطة المواجهة القضائية والسياسية من داخل وخارج مجلس النواب، لمواجهة خطة إطلاق صندوق سيادي لبيع أملاك الدولة وإطفاء خسائر المصارف.

وتتضمن "شرعة المودعين" بنوداً أساسية في عملية توزيع الخسائر بشكل عادل، وإنعاش الإقتصاد وإطلاق سراح الودائع المحتجزة منذ أكثر من عامين. ولعل أبرز البنود "توزيع الخسائر والـBail in، عبر اعتماد شروط عادلة في عملية الإنقاذ وفقاً للمعايير الدولية، بما في ذلك القضاء على نسب المساهمين الحاليين، تغيير إدارات المصارف، والحوكمة الداخلية، وكذلك تنفيذ مبادئ توزيع الخسارة العرفية ضمن مبادئ TLAC العالمية" إلى جانب مبدأ "الحماية والتعويض، أي حماية صغار المودعين حتى 250 ألف دولار أميركي. ويقترن ذلك بعملية إنقاذ تدريجي للمودعين الأكبر"، كما اقترحت الرابطة إمكان إنقاذ بعض كبار المودعين، وذلك من خلال توزيع الأرباح والتعويضات الإدارية، والأرباح المصرفية المستقبلية، بشرط تلبية شروط استرداد الأموال أو جلب استثمارات جديدة، وأخرى مشروطة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية.

صندوق النقد لا المصارف
وإذا كانت دول العالم التي تستعين بخطط صندوق النقد الدولي تعاني شعوبها من خططه القاسية، فإن الأمر في لبنان مختلف تماماً. إذ أن الصندوق يرى أنه لا بد من تحميل المصارف وإداراتها مسؤولية عبء الخسائر في مقابل حماية صغار المودعين، في حين تصرّ المصارف وشريحة واسعة من أصحاب السلطة في لبنان على تأسيس صندوق سيادي مهمته بيع واستخدام أصول الدولة لإنقاذ القطاع المصرفي.

ملف الصندوق السيادي استحضر حرباً طبقيّة، شنتها الطبقة السياسية المتضامنة والمتشاركة مع المصارف على المودعين لاسيما الصغار منهم، هذه الحرب ستفرز في المرحلة المقبلة جبهتين في لبنان، جبهة ملتزمة قضية المودعين والدفاع عن مصالحهم وتحميل الخسائر للمصارف التي راكمت ارباحاً بالمليارات من الفوائد العالية والهندسات المالية واحتجزت وهرّبت الأموال، في مقابل جبهة أخرى متمسّكة بإطفاء خسائر المصارف واستعادة أرباحها المحقّقة على مدار سنوات عبر تسييل ما يمكن من أصول الدولة ومؤسساتها.