العسكريون يرفضون حفظ أمن الانتخابات بـ"تراب المصاري"

محمد زهوة
الإثنين   2022/04/25
الدولة تتكل على قاعدة "عسكري دبّر راسك" (Getty)
رغم كل التصريحات الرسمية التي تؤكد الاستعداد لإنجازها على كافة الصّعد، تلوح في الأفق، يوماً بعد يوم، عقبات جديدة ومسامير عالقة في عجلة الانتخابات النيابية، ما يعزّز من فرضية تأجيلها التي تتردّد أصداؤها في الأوساط السياسية والشعبية، وآخر المعضلات التي يُفترض أن تكون محسوبة ومُتوقعة، عدم جهوزية القوى العسكرية للقيام بمهام حفظ أمن الاستحقاق المرتقب في 15 أيار.

مسؤوليات أمنية في الانتخابات
في البداية، يشرح مصدر أمني طبيعة مهام ومسؤوليات الأسلاك العسكرية التي تنتظرها في 15 أيار، فيقول لـ"المدن" إن قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني هما المؤسستان العسكريتان الأساسيتان المولجتان حماية الانتخابات بالدرجة الأولى، قوى الأمن تقوم بحماية مراكز الاقتراع من الداخل فيما يتولى الجيش مهمة حمايتها من الخارج وعلى مستوى محيط كل مركز وقضاء، ويضيف: "يُحجز عناصر الدرك والجيش قبل يوم من الانتخابات، وينطلقون ظهر السبت 14 أيار باتجاه كل المحافظات والأقضية اللبنانية كي يتوزّعوا على أقلام الاقتراع حسب عملية التقسيم والتنظيم التي تحدّدها مديرية كل سلك".

عند وصول العناصر إلى نقاطهم، يتولّون السهر على تأمين أمن مراكز الاقتراع ومحيطها، يشير المصدر، ويضيف: "في يوم الاقتراع، يقوم عناصر الجيش حصرًا بتسهيل وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع، والتأكد من سلامة الطرق المؤدية إليها، كذلك القيام بتفتيش دقيق لكل الداخلين إلى أقلام الاقتراع بغية حمايتها من أي مخطّط أمني أو محاولة تشويش على الانتخابات، منع حصول الإشكالات أو الاعتداء على الناخبين أو المرشحين، إضافة إلى تنظيم الحشود أمام المباني التي تقع فيها أقلام الاقتراع".

بالنسبة إلى عناصر قوى الأمن الداخلي، يلفت المصدر الأمني إلى أنهم "سيشرفون على سير العملية الأمنية داخل الأقلام، لمنع أي خلل تجاوز أو إشكال أو تهديد أمني أو خلل بالنظام، وهي أمور يُتوقع دائمًا حصولها بالقرب من صناديق الاقتراع، خصوصاً في الأقلام التي تقع في دوائر تشهد سخونة في معاركها الانتخابية وشرخ بين ناخبيها".

اعتكاف العسكر
لم يعد خافيًا على أحد أن عناصر القوى العسكرية هم أكثر من سحقتهم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ ثلاث سنوات، إذ أصبح متوسط راتب العسكري يوازي 50 دولارًا، قد يكون أقل أو أكثر حسب الرّتبة وعدد سنوات الخدمة، ما أفقده القدرة الشرائية وجعله عاجزًا عن تأمين أبسط مقومات العيش الكريم. فما بالكم بتأمين سلامة يومين متتاليين للانتخابات ببدل مالي لا يزيد عن المليوني ليرة؟

نعم. مليونا ليرة فقط لكل عنصر من أجل حفظ أمن الانتخابات على مدى يومين، تكشف مصادر عسكرية لـ"المدن"، وتؤكد أن المؤسسات العسكرية عاجزة عن تأمين نقل كامل العناصر إلى نقاطهم، بسبب عدم توفّر الآليات الكافية لتغطية كل المناطق اللبنانية. وبالتالي، فإن نسبة 60 في المئة من العسكريين عليها تحمّل مسؤولية الوصول إلى مراكزها أينما كانت، وأكثر من ذلك، فإن الدولة لا تخصص أماكن للنوم ليلة الانتخابات على قاعدة "عسكري دبّر راسك"، وبالتالي، فإن مبلغ المليوني ليرة لكل عسكري، "بالقوّة" و"غصبٍ عن الطبيعة"، يجب أن يكفي العنصر تنقّلًا ومنامةً وحتى طعامًا، "الأمر الذي يتطلب 4 ملايين ليرة لكل عسكري بالحد الأدنى".

على أثر ذلك، حالة من الامتعاض والغضب تسود العسكريين المولجين حماية الانتخابات، وفصول من التمرّد تحصل من قبل العناصر والضبّاط حيال قياداتهم الأمنية العليا، وصلت إلى حد تهديد العسكر بعدم الذهاب إلى نقاطهم عشية الانتخابات، إذا لم يتم تعديل البدل المادّي للخدمة، كما تفصح المصادر، وتتابع: "بعد الضغوط التي تعرضت لها القيادات العسكرية، تدرس الأخيرة حلًّا تسوويًّا يقضي بتوزيع العناصر على نقاط تقع في النطاق الجغرافي لكل منهم، الأمر الذي تعتبره المصادر غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع بسبب غياب التوازن في عدد العناصر إزاء مناطق سكنهم، فإذا كان مجديًا لعدد منهم، هو بالتأكيد لن يصلح للسواد الأعظم".

تخشى المصادر من خطورة عدم إيجاد حل لهذه المعضلة على سير الانتخابات، معتبرة أنه لغاية هذه اللحظة لم يتمخّض عن الاجتماعات والمفاوضات أي حلول واقعية، فيما ترتفع الصرخة يومًا بعد يوم، الأمر الذي يهدّد سير الاستحقاق المرتقب، ويحدث سابقة من نوعها في العالم، في عدم حصول انتخابات جرّاء اعتكاف العسكر لرفضهم القيام بواجب حفظ الأمن بـ"تراب المصاري".

نيّة لعرقلة الانتخابات
وفي ظل الاجتماعات المكثفة بين القوى العسكرية للبتّ في خطة الإدارة الأمنية للانتخابات، يسرّب مصدر مواكب لها، اقتراحًا طُلب درسه ويقضي بتكليف وحدات الجيش اللبناني بنقل صناديق الاقتراع إلى مراكز الفرز، على غير العادة، علمًا أن هذه المهمّة من ضمن مسؤوليات قوى الأمن الداخلي، وذلك بسبب النقص الحاد في الآليات، والشّح في الوقود. إذ أن الباخرة الناقلة لم يتم إفراغها بسبب عدم فتح اعتمادات لها.

وإذ يؤكد المصدر أنه تم الاتفاق على صرف اعتماد لتفريغ مئة ألف ليتر بنزين في المحطات العسكرية، يشير إلى أن هذه الكمية لا تكفي السّيارات العسكرية، المعطّلة أساسًا وتحتاج إلى صيانة وقطع غيار بتكلفة مرتفعة، رغم قيام قوى الأمن بشراء سيارات جديدة، لكنها أيضًا لا تغطّي حاجة 14 و15 أيار، ما قد يعكس نيّة لتطيير الاستحقاق بحجّة صعوبة نقل صناديق الاقتراع، في حين السواد الأعظم من العسكريين يتّجه إلى عدم المشاركة في الانتخابات لعدم تأمين مقوّمات واحتياجات الخدمة المطلوبة.

لا إمكانية لزيادة الرواتب
المتخصصة في العلوم الاقتصادية والاجتماعية د. نسرين نجم تعتبر أن بضع عشرات من الدولارات شهريًّأ تتراوح بين 40 و70 دولارًا، لا تكفي في الوقت الراهن لتغطية تنقلات العسكري التي تكبّده حوالى المليون ونصف المليون ليرة، وإذا كان مركز خدمته في منطقة بعيدة عن مكان إقامته، يمكن أن يصبح الرقم ثلاثة ملايين وأكثر، وهنا لم نتطرق بعد إلى الأعباء الإضافية على كاهله، كإيجار المنزل الذي يبلغ متوسطه اليوم في الأحياء الشعبية مئة دولار، مصاريف الطعام والشراب الأساسية كالخبز والخضر والمياه فقط من دون إدخال أي من أنواع اللحوم عليها حيث تُقدّر بـ4 مليون ليرة شهريًّا بالحد الأدنى، ولن نزيد على اللائحة أكلاف الطبابة والاستشفاء والأدوية وحليب الأطفال والحفاضات، إضافة إلى الكثير من الكماليّات.

وتلفت نجم في حديثها لـ"المدن" إلى أنه تماهيًا مع غلاء المعيشة والمتغيرات الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع سعر صرف الدولار، لا يمكن أن تستقر أحوال العسكريين -استقرارًا لا تحسّنًا- إلا إذا أُقرّت زيادة رواتبهم إلى حدّ لا يقل عن سبعة ملايين ليرة شهريًّا. وهذا ما لن يحصل بسبب إفلاس الدولة. وبالتالي، كل نيّة لزيادة هذه الرواتب لا يمكن أن تتم إلا عبر منح ومساعدات وهبات خارجية.