البنك الدولي يعلّق قرض الكهرباء: نلتقي بعد الانتخابات..والإصلاح الشامل

علي نور الدين
السبت   2022/04/23
يربط البنك الدولي حاليًّا بين خطة الكهرباء التي قدمتها وزارة الطاقة وبين خطة التعافي المالي (Getty)
يوم الجمعة الماضي، 22 نيسان الجاري، عقد المجلس التنفيذي للبنك الدولي اجتماعًا مخصصًا للشأن اللبناني، انتظر منه وزير الطاقة موافقة البنك على عقد قرض الكهرباء، الذي يجري التفاوض عليه منذ أشهر. من الناحية العمليّة، تمثّل مصادقة البنك على هذا العقد "عنق الزجاجة" بالنسبة إلى مسار استفادة لبنان من الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة. ومن المعلوم أن جميع مراحل هذا المشروع المتبقية تنتظر إنجاز الصيغة النهائيّة من عقد القرض والمشروع، وحسب ملاحظات البنك الدولي. فعلى سبيل المثال، تنتظر الإعفاءات الخطيّة من عقوبات قانون قيصر، التي تطلب مصر أن يستحصل عليها لبنان بشكل مكتوب من الأميركيين، إنجاز الصيغة النهائيّة من عقد القرض والمشروع، حسب موافقات البنك الدولي، حيث تشترط مصر ربط الإعفاءات الخطيّة بالعقد النهائي، لا أن تقتصر الإعفاءات على كتاب عمومي وفضفاض، كما حاول لبنان سابقًا أن يفعل.

لكن مساعي الوزير لتحقيق إنجاز ما قبل دخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، ذهبت أدراج الريح، بعدما تبلّغ الجانب اللبناني أن موافقة البنك الدولي متعذّرة في الوقت الراهن، بانتظار إعادة درس البنك الدولي المشروع بأسره، ومطابقة أهدافه وتفاصيله مع الشروط التي يضعها البنك للإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة في لبنان. وبخلاف ما سربته وسائل إعلام عدة، لم تكن هذه الشروط ذات طابع سياسي، بما يرتبط بنتائج الانتخابات النيابيّة أو السلطة التي ستنبثق عنها، بل ارتبطت بتقدّم بعض الإصلاحات الماليّة المطلوبة، للتمكّن من تنفيذ خطة الكهرباء التي يطلب على أساسها لبنان القرض.

خطة الكهرباء مرتبطة بخطة التعافي المالي
عمليًّا، يربط البنك الدولي حاليًّا بين خطة الكهرباء التي قدمتها وزارة الطاقة والمياه، والتي على أساسها طُلب القرض، وبين خطة التعافي المالي الأشمل، والتي يطلب لبنان الدخول على أساسها في برنامج قرض صندوق النقد الدولي. فعلى سبيل المثال، تحتاج عمليّة تأمين العملة الصعبة المطلوبة لسداد دفعات القرض لاحقًا، إلى آليّة واضحة تستحصل من خلالها الدولة اللبنانيّة على العملة الصعبة من مصرف لبنان، وحسب سعر صرف عائم وواضح وموحّد. كما تحتاج عمليّة تلزيم بعض أجزاء المشروع للقطاع الخاص، ومنها تلك التي تتصل بالجباية والإنتاج، إلى الحد الأدنى من الاستقرار النقدي على مستوى سعر الصرف، والاستقرار المالي على مستوى الميزانيّة العامّة. وعلى هذا النحو، لا يمكن لجميع أجزاء المشروع أن تدخل حيّز التنفيذ، بغياب ضمانات تؤكّد دخول البلاد مسار التعافي المالي.

على هذا الأساس، لم يكن بإمكان البنك الدولي السير قدمًا بقرض الكهرباء، كما تطرحه وزارة الطاقة، ولو كانت تفاصيل خطة الكهرباء قد وُضعت في ضوء المباحثات التقنيّة مع البنك نفسه. وطالما أن دخول مسار خطّة التعافي المالي، وتثبيت دخول لبنان في برنامج صندوق النقد، قد تم إرجاؤهما إلى ما بعد الانتخابات النيابيّة في انتظار القيام بإصلاحات محددة، فلا معنى اليوم لأن يثبت البنك الدولي قرض الكهرباء، في ظل ارتباط خطة الكهرباء نفسها بخطة التعافي المالي.

بهذا المعنى، يسعى البنك الدولي إلى وضع سلّة متكاملة أمام السلطة اللبنانيّة، وفق المعادلة التالية: تنفيذ الإصلاحات الماليّة والنقديّة لم يعد مطلوبًا للاستفادة من قرض صندوق النقد وحده، بل للاستفادة من أي تسهيلات وازنة وفي أي قطاع، بما فيها قرض الكهرباء الذي انتظره لبنان من البنك الدولي. وفي النتيجة، لن يبادر المجتمع الدولي إلى تمويل الإفلاس اللبناني، عبر تمويل مشاريع كالغاز المصري، إذا لم تنطلق الدولة اللبنانيّة باتجاه تنفيذ الإصلاحات الموجعة التي يطلبها صندوق النقد.

قرض النقل العام أيضًا
ما جرى لقرض الكهرباء، كان قد حصل بالطريقة نفسها في ملف القرض الخاص بخطة النقل لبيروت وضواحيها، الذي علّقه البنك الدولي في بدايات الشهر الحالي، بسبب "عدم تنفيذ الدولة اللبنانيّة شروط العقد منذ العام 2018". في ذلك الوقت، وبمعزل عن الأسباب المعلنة لتعليق العمل بالقرض، تبلّغ لبنان بشكل غير رسمي من قبل المنسّق الفرنسي لبرنامج المساعدات الدوليّة بيار دوكان، أن حصول لبنان على أي مساعدات دوليّة أو قروض دسمة، متعذر قبل إبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد، بما فيها تلك التي يراهن لبنان الحصول عليها من البنك الدولي.

بمعنى آخر، ما شهده لبنان في حالة القرضين، لم يكن مجرّد قرارات مرتبطة بطريقة تعامل السلطة السياسيّة مع هذه الملفّات، أو بالخطط المطروحة لقطاعي النقل والكهرباء، بل بات سياسة عامّة ينتهجها البنك الدولي في جميع الملفّات الأساسيّة. ولن يحصل لبنان على قروض تُنعش قطاعات معيّنة بالمفرّق، بمعزل عن التزام السلطة السياسيّة الإصلاحات التي يتطلّبها الانطلاق بمسار التعافي المالي.

تداعيات تعليق البت بقرض الكهرباء
في انتظار بت البنك الدولي عقد قرض الكهرباء، لن تتمكّن حكومة ميقاتي، أو الحكومة المقبلة بعد الانتخابات النيابيّة، من السير قدمًا بأي من الخطوات المرتبطة بتنفيذ المشروع. فالجانب المصري أبلغ وزارة الطاقة اللبنانيّة أن الإعفاءات الخطيّة من عقوبات قانون قيصر، التي تطلبها مصر حاليًّا، يفترض أن تأتي على أساس العقد الخاص بالمشروع، وبحسب الموافقة التي سترد من البنك الدولي. مع الإشارة إلى أن مصر تربط الإعفاءات المكتوبة بصيغة العقد النهائي، لربط أي إدارة أميركيّة مقبلة بهذه الإعفاءات، وبحسب صيغة المشروع التي يفصّلها العقد، بدل أن تأتي الإعفاءات بموجب كتاب فضفاض، يمكن تأويله بأشكال مختلفة. ولذلك، وحتّى في ما يتعلّق بتذليل العقبات المتعلّقة بقانون قيصر، لن يتمكن لبنان من التقدّم بأي خطوة إلى الأمام قبل صدور الموافقة النهائيّة من البنك الدولي.

في النتيجة، بات من الواضح أن حكومة ميقاتي تسرّعت حين أطلقت الوعود المتكررة بقرب الوصول إلى معدّل تغذية يقارب 8-10 ساعات في اليوم، بالرهان على مشروع الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة. ولسان حال البنك الدولي يقول اليوم: نلقاكم، نحن وصندوق النقد الدولي، بعد الانتخابات.