سائق ومزارع ومياوم.. لا يستطيعون شراء الخبز والبيض

بلقيس عبد الرضا
الأحد   2021/08/22
تخلى عن الاشتراك بالمولد الكهربائي بعدما فاقت التعرفة الشهرية المليون ليرة (علي علّوش)
يخرج أبو حسن من منزله في الخامسة فجراً، لحجز دوره في طوابير محطات الوقود. رجل أربعيني، يجول في سيارته للأجرة في شوارع العاصمة، لتأمين مستلزمات عائلته المكونة من 4 أولاد.

ويعمل أبو حسن لأكثر من 12 ساعة يومياً، وقد تصل إلى 16، بعدما نجح في إبرام اتفاق مع أصحاب سيارات الأجرة من مطار رفيق الحريري ببيروت، يسمحون له بموجبه العمل هناك مرتين في الأسبوع، من السادسة مساء وحتى منتصف الليل.

وأبو حسن كغيره من اللبنانيين، يبدي رأيه في شؤون السياسة. فيطالب بلا تردد برفع الدعم عن سعر المحروقات. ويقول لـ "المدن": "ليرفعوا الدعم، وليصبح سعر صفيحة البنزين 350 الفاً". وبحسبه يخفف عنه رفع الدعم عناء ساعات الطوابير الطويلة لتعبئة الوقود.  فيهدر بذلك ما يقارب عمل أيام خمسة من أصل ثلاثين.

بنبرة لا تخلو من الحدة والحزن معاً، يرى أن ضياع الأيام الخمسة، تضيِّع عليه 800 ألف ليرة. أي نحو 40 دولاراً، كفيلة بدفع إيجار بيته. وهذا على اعتبار أنه ينقل يومياً ما بين 15 إلى 20 راكباً، بمعدل 8000 ليرة للراكب الواحد، أي ما يوازي 150 إلى 200 الف ليرة يومياً.

وأبو حسن - وعلى الرغم من مدخوله غير الثابت نسبياً، والذي يصل في أفضل الأحوال إلى 4 ملايين ليرة شهرياً، تقارب 200 دولار من دون احتساب تكاليف صيانة السيارة والمحروقات - لا يكفيه مدخوله هذا لشراء الاحتياجات الأساسية. ويقول: "تحتاج سيارة الأجرة لأكثر من مليون ليرة صيانة دورية، بلا احتساب تكاليف الأعطال الطارئة والتي من شأنها أن تجعلني مفلساً طوال الشهر".

وتخلى أبو حسن عن الاشتراك بالمولد الكهربائي بعدما وصلت التعرفة الشهرية إلى مليون ونصف المليون. ولم يعد باستطاعته شراء الكثير من الاحتياجات الأساسية، من لحوم ودجاج، بعدما وصلت أسعارها إلى ضعف إجرته اليومية.

وقصة أبو حسن، لا تختلف كثيراً عن قصص الوف المياومين. فالأزمة الاقتصادية، أفرزت أنماطاً مختلفة في أساليب حياة اللبنانيين. ولم يعد من خط فاصل أو واضح لتعريف الفقر، بل أصبح معظم اللبنانيين تحت خط الفقر، بسبب انهيار العملة اللبنانية.

المزارعون بلا أرباح
ليس عمال الزراعة بأفضل حال. أبو وليد مزارع يتقاضى مليون ليرة شهرياً (50 دولاراً) لقاء عمله اليومي. يقول لــ "المدن": "المبلغ الذي أتقاضاه لا يكفيني أبداً لشراء الخبز والماء طوال الشهر". وهو يعيش وعائلته المكونة من 6 أفراد في بيت صغير في إحدى قرى البقاع. ويعمل وزوجته في الزراعة منذ سنوات، على الرغم من الإهمال الذي يعاني منه قطاع الزراعة بحسبه. لكنه كان راضياً عن أسلوب حياته. ويعترف أن الأزمة الاقتصادية غيرت نمط حياته.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو) يعمل في القطاع الزراعي نحو 23 في المئة من سكان لبنان، وهم لا يحصلون على أي تغطية صحية أو اجتماعية.

ولا يختلف وضع حسين سلوم، الذي استأجر أرضاً زراعية، عن وضع عمال الزراعة. يؤكد لـ"المدن" أنه لم يتمكن من تسديد إيجار الأرض، والتي تبلغ 3000 دولار حتى الآن. وقد تكبد خسائر كبيرة، بعدما اشتري البذور ومبيدات الحشرات والأسمدة بالدولار. لكنه يضطر إلى بيع منتجاته الزراعية بالليرة اللبنانية. وحسب وصفه، هو لا يجني ربحاً ليتمكن من العيش.

ووفق سلوم الأزمة الحقيقة لم تبدأ بعد. ويتوقع أن تكون الأيام المقبلة أكثر وجعاً، نظراً لاقتراب فصلي الخريف والشتاء، وشح مازوت التدفئة، ولتشغيل المولد لري الأرض، التي ستصير قاحلة، بحسبه.

مهن أخرى
والعمال المياومون في مؤسسات رسمية كثيرة، ليسوا بأفضل حال. كثرة منهم - أكد رمزي دياب - عزفوا عن الذهاب إلى العمل، لأن تكاليف النقل باتت أعلى من أجرتهم اليومية. ويقول دياب: "عملت في السابق في موسسات رسمية عدة عاملاً مياوماً. كنت أتقاضى ما بين 20 إلى 30 ألفاً، أي نحو 30 دولاراً على سعر الصرف 1500 ليرة، ونحو دولار أو دولار ونصف على سعر السوق السوداء اليوم. فلم يعد هذا المبلغ يكفي لتسديد ثمن سيارة الأجرة، للوصول إلى العمل".

ولا يخفي دياب أن وضعه قبل الأزمة كان أفضل من كثرة من العمال. فالبعض منهم لم يكن يتقاضى أكثر من 5000 ليرة أو 10000 ليرة في اليوم الواحد، وهو رقم زهيد جداً. ولكن مع انهيار الليرة اللبنانية، بات جميع العمال تقريباً في الخندق نفسه. ويؤكد دياب أن ثلاجته فارغة من الطعام منذ أكثر من أسبوع، لأن سعر أي "طبق يومي" قد يصل إلى أكثر من 100 ألف، وهذا يساوي أجرة 10 أيام تقريباً.

ويعيش دياب ووالدته وأثنين من شقيقاته في ضواحي العاصمة. ويسعى أسبوعياً إلى زيارة إحدى المؤسسات الاجتماعية، للحصول على حصص غذائية.

قد لا تكون هذه الفئات الوحيدة المهمشة في لبنان. فالكثير من اللبنانيين صاروا مهمشين، لا يقدرون على تسديد ثمن الخبز والبيض لغذائهم اليومي. فثمن ربطة الخبز تخطى في الكثير من المحال التجارية عشرة الاف ليرة، فيما تجاوز سعر كرتونة البيض 50 الفاً.