هذه أسباب فشل البطاقة التمويلية بشكلها الحالي

عزة الحاج حسن
الأحد   2021/07/18
يؤدي سوء المراقبة والإشراف على البرنامج إلى تفشي الفساد والاستغلال (getty)
لم تُقدم السلطة في لبنان على صوغ أي حلول لأزمة اقتصادية ومالية صُنفت بين أشد عشر أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. كل ما خرجت به السلطات منذ بداية الأزمة التي رفعت نسبة الفقر بين اللبنانيين لأكثر من 50 في المئة وأفقدت العملة الوطنية أكثر من 90 في المئة من قيمتها، هو إقرار قانون البطاقة التمويلية التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ وقد لا تجده على الإطلاق.

واكتفت السلطة بإقرار قانون البطاقة التمويلية في مجلس النواب، عارياً من أي تصوّر أو خطة لآلية التوزيع أو التمويل. فالحل المقترح من الحكومة للحد من الفقر ومساعدة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، أي البطاقة التمويلية، تشوبه الكثير من الثغرات التي قد تحول دون تنفيذه. وهذا ما دفع مركز ترشيد السياسات في الجامعة الاميركية K2P إلى إجراء دراسة تفصيلية تستهدف تقديم الدعم للجنة الوزارية المولجة بعملية تصميم وتنفيذ برنامج البطاقة التمويلية في لبنان.

حل الحكومة المقترح
وفق مقترح الحكومة لبرنامج البطاقة التمويلية تم تقدير تكلفة البرنامج بحوالي 556 مليون دولار لمدة عام واحد، مع تأمين نحو 360 مليون دولار من مصادر داخلية كالبنك المركزي ويمكن استبدالها بمصادر تمويل خارجية عند توفرها، وفقاً لما جاء في القانون.

ويتفاوت مبلغ التحويل النقدي بين 93 و 126 دولاراً شهرياً لمدة عام واحد بحسب حجم الأسرة. ويستهدف البرنامج نحو 500 ألف أسرة. أما المعايير التي يجب اعتمادها لاختيار المستفيدين ومصادر تمويل البرنامج، فلا تزال المناقشات حولها جارية. وهذا ما يثير المخاوف بحسب دراسة K2P، وهي ترى أنه يجب تصميم المراسيم التنفيذية التي ستصدر عن اللجنة الوزارية بدقة عالية، لضمان تقديم المساعدة للأشخاص الذين يستحقونها وضمان أن قيمة المساعدة مناسبة وكافية ومستدامة.

التنظيم الخاطئ
وللاستهداف الخاطئ للمستفيدين من البطاقة التمويلية، حسب الباحثة من مركز ترشيد السياسات في الجامعة الاميركية لما أبو كرّوم، في حديث إلى "المدن"، مخاطر كبيرة، خصوصاً أنه من الممكن أن يخلق توتراً في المجتمع وأزمات تُضاف إلى تلك القائمة حالياً. لذلك لا بد لقانون البطاقة التمويلية أن يلحظ وبوضوح آلية شفافة للعائلات المُستهدفة وآلية التمويل واستدامته، ومن دون ذلك لا يمكن وصف قانون البطاقة التمويلية سوى بـ"الفاشل"، تقول أبو كرّوم. فالدعم العشوائي والموقت وضبابية التمويل، من شأنهما إفشال مبادرة البطاقة التمويلية من دون شك.

ونظراً إلى الوضع اللبناني حسب الدراسة، فإن التصميم الخاطئ للبطاقة التمويلية كما هو حاصل اليوم، يمكن أن يؤدي إلى تضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية أكثر. وهذا ما قد يقلل من النفقات، ويجعل من الصعب على الأسر تلبية احتياجاتها الإستهلاكية، خصوصاً في حال كان المبلغ مدفوعاً بالليرة اللبنانية. أضف إلى أن عدم انتظام التحويل والتأخر بالدفع قد يؤثران سلباً على فاعلية البطاقة التمويلية، ويعيقان تحقيق هدف التخفيف من حدة الفقر، كما يمكن أن يؤدي سوء المراقبة والإشراف على البرنامج إلى تفشي الفساد والإستغلال.

التصميم الناجح أو الفشل
وفيما لو أرادت اللجنة الوزارية المعنية إنجاح قانون البطاقة التمويلية، عليها الأخذ في الاعتبار مجموعة عناصر ومتطلبات قبل وضع المراسيم التنفيذية للقانون، منها على سبيل المثال تخصيص ميزانية لإدارة البرنامج، ومراقبة التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية لتجنب انخفاض القيمة الحقيقية للبطاقة التمويلية، وتنفيذ تدابير لتجنب سوء الإدارة المالية والاستغلال والفساد، مثل العقوبات الجنائية، وضمان المساءلة والشفافية من خلال تطوير آليات واضحة لتقديم الشكاوى وأساليب استهداف المستفيدين ومعالجة أي عملية احتيال أو فساد بشفافية. كما يجب ضمان التحويلات منتظمة وفي الوقت المناسب وتحديد مبلغ الدفع بناء على معدلات التضخم وتقلبات الأسعار وحجم الأسرة وأسعار سلة السلع الأساسية، وغير ذلك من العوامل التي تحفظ للمستفيدين قيمة المساعدات.

وبحسب الدراسة التي تورد 17 بنداً لضمان حُسن تخطيط وتنفيذ البطاقة التمويلية، يتعيّن على اللجنة الوزارة المعنية بإقرار مراسيمها التنفيذية، تأمين التمويل الكافي للبطاقة واستخدام طرق دقيقة لتحديد واستهداف المستفيدين منها، وتحديد الجهات المنفذة التي يجب أن تتمتع بالمؤهلات المناسبة لتكون مسؤولة عن التنسيق مع مقدمي الخدمات، وإنشاء ومراقبة عملية التحويل النقدي، ووضع خطة للرصد والتقييم تشمل مراقبة عملية التحويل النقدي، بدءاً من دراسة الطلب وحتى تقييم نفقات البرنامج. وأخيراً وضع خطة انتقالية يمكن للحكومة اللبنانية من خلالها تطوير خطة انتقال من البطاقة التمويلية إلى برامج حماية اجتماعية وطنية مستدامة أو غيرها من برامج التنمية الطويلة الأمد.

الجديّة أو الفشل
ومن خلال مشروع البطاقة التمويلية بشكله الحالي لا يمكن التماس الجدّية بالتعاطي معه. فالقانون يفتقد إلى الكثير من الجدية، خصوصاً لجهة تحديد آلية التمويل للبطاقة والعائلات المستفيدة منها كما يفتقد إلى رؤية مستدامة للدعم الإجتماعي. من هنا تصف أبو كرّوم المشروع الحالي بغير المكتمل. فهو ما لم يأخذ بالاعتبار العناصر الأساسية لإنجاحه - وهي تحديد آلية واضحة لتمويل البطاقة وتحديد العائلات المستهدفة وتأمين التمويل والدعم الإجتماعي بشكل طويل الأمد ومستدام وليس قصير الأمد، وغير ذلك من المعايير التصويبية لبرنامج البطاقة التمويلية - فإن مصيره سيكون الفشل.