مصرفيون عن المافيا الطائفية: نحن خائفون.. يمكنهم أن يقتلونا

سامي خليفة
الجمعة   2021/06/25
عمل المصرفيين الآن أصبح "قذراً للغاية" (علي علّوش)

صُعق القطاع المصرفي اللبناني العام الماضي بجريمة قتل مدير الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال لمجموعة بنك "بيبلوس "، أنطوان داغر، طعناً بالسكاكين داخل سيارته، في موقف السيارات في المبنى الذي يقطنه في الحازمية. ومع الانهيار الذي تشهده المصارف اللبنانية التي كانت محركاً للاقتصاد ذات يوم، عبر استقطاب ودائع بمليارات الدولارات من الخارج، والتي تقوم اليوم بخفض الوظائف، وتشهد انكماشاً في دفاتر القروض، وتلاحق السيولة حتى تظل قيد النشاط.. عادت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية لفتح ملف تصفية داغر انطلاقاً من الواقع المزري الذي تعيشه المصارف اللبنانية.

المنفذ ما زال مجهولاً
ما أن انكشفت الجريمة، رجّحت التكهنات أن تكون مرتبطة بأحد الملفات الحساسة التي عمل عليها داغر. ورغم أننا ما زلنا ننتظر جلاء ملابساتها حتى تاريخه، نفيد بأنه تسرّبت معلومات حينها عن أن زملاء داغر كانوا قلقين عليه ويخشون تعرّضه لأي أذى بسبب دقّة الملفات التي كان يتابعها.

وبعد مرور عامٍ كامل، أصبحت جريمة قتل أب لطفلين هي السمة التي تميّز القطاع المصرفي اللبناني، الذي كان يُعتبر مثالاً للصمود والمناعة. وحتى يومنا هذا، ما زال المخطط والمنفذ مجهول الهوية. إذ تذكر "فاينانشال تايمز" أنها اطلعت على تقرير قوى الأمن الداخلي، ذكر فيه المحققون إن شيئاً لم يُسرق من داغر،من دون تحديد أي دافع أو اتهام أحد.

ما الدافع وراء الجريمة؟
مع عدم توفر إجابات واضحة على تصفية داغر، توصل العديد من المصرفيين إلى ما يرون أنه نتيجة حتمية، معتبرين أن مقتله يتعلق بطبيعة عمله. وقد وصف أحد زملاء داغر السابقين هذه الواقعة المأساوية بالقول "كان الأمر مرعباً وصادماً. وحتى الآن، لم نفهم شيئاً عن مبررات ما حدث".

قبل أن يتقلد منصب مدير الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال لمجموعة بنك "بيبلوس"، ترأس داغر قسم الالتزام ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك ذاته بين عاميّ 2001 و2013، وكانت مهمته تتمثل في ضمان التزام أصحاب المصرف بالقواعد المحلية والدولية المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وهذا ما يعتقد البعض أنه الدافع وراء الجريمة. إذ يقول مسؤول مصرفي سابق عمل في الامتثال للأنظمة والإجراءات والممارسات الدولية، للصحيفة البريطانية: "الامتثال عمل محفوف بالمخاطر، خصوصاً إذا قمت به بشكل صحيح. والمخاطر كبيرة بما أن لديكَ حزب الله الذي يُعد جماعة شبه عسكرية وحزب سياسي تصنفه الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، ولديكَ سياسيون وعائلاتهم، وإدارة بنوك فاسدة".

إسمنا في الأرض!
وحسب الصحيفة البريطانية، تزامنت تصفية داغر مع انهيارٍ غير مسبوق في لبنان، وتخلف الدولة عن سداد ديونها، واضطرار المصارف منذ ذلك الحين إلى تسريح الموظفين ضمن عمليات إعادة الهيكلة الشاملة. ونتيجةً لذلك، انكمش الناتج المحلي الإجمالي للبنان بأكثر من الخمس منذ بدء الأزمة، وتحول اقتصاده إلى الاقتصاد النقدي أو ما يُعرف باقتصاد "الكاش".

وفي هذا الصدد، يقول مصرفي لبناني بارز للصحيفة "هذا ليس عملاً مصرفياً عادياً. نحن نتعامل مع الأزمة والجنون. لقد دُمرت سمعة القطاع". وأضاف "كان المصرفي اللبناني سلعة ثمينة. ولكن بعد مرور عامين على الانهيار، أصبح الآن اسمنا في الأرض".

ولفّت المصرفي الذي يواجه العملاء الراغبين في سحب أموالهم، إن عمل المصرفيين الآن أصبح "قذراً للغاية". لكنه أوضح أن الموظفين في المصارف ليس لديهم خيار للاحتفاظ بوظائفهم والحفاظ على سلامتهم، بقوله "نحن خائفون، بتنا نعيش في بلدٍ لا يوجد فيه أمن، يمكنهم ببساطة أن يقتلونا".

خوف المصرفيين ينبع، كما تعلل الصحيفة، من ثقافة الإفلات من العقاب في لبنان. فتصفية داغر ليست الأولى من نوعها. وقد شهدت البلاد عشرات الاغتيالات السياسية التي بقيت من دون عقاب في السنوات الأخيرة. من هنا، تقول آية مجذوب، وهي باحثة لبنانية في "هيومن رايتس ووتش"، إن عدم قدرة القضاء والأمن على حل جرائم القتل أدت بالفعل إلى فقدان ثقة الجمهور بقدراتهما على توفير الحماية.

وبينما اكتفى "بنك بيبلوس" بالقول إنه تعاون مع التحقيق الرسمي في مقتل داغر، ممتنعاً عن الإجابة على أي أسئلة أخرى. قال أربعة مصرفيين إن داغر كان رجلاً ذا شعبية ومعروفاً باللياقة والاجتهاد. في حين وصفه زميل سابق له قائلاً "لقد كان الشخص الأكثر أخلاقية في المصرف"، مضيفاً: "كلي ثقة بأنه لو استطاع رؤية ما يحصل حالياً في القطاع، لكان استقال من منصبه".

العقوبات مجدداً
وعطفاً على الإذلال البشع الذي يتعرّض له الشعب اللبناني، وضربه موعداً يومياً مع المعاناة، في مختلف تفاصيل حياته من طوابير الانتظار الطويلة للحصول على أبسط الحاجات الرئيسية كالمحروقات والسلع الغذائية والخبز اليومي، إلى رحلات البحث المضنية عن الأدوية المفقودة، ناقش المعلق في صحيفة فايننشال تايمز ديفيد غاردنر، في موضوعٍ منفصل، أهمية فرض أوروبا والولايات المتحدة عقوبات على لبنان حتى تستفيق طبقته السياسية للواقع الصعب.

ورأى غاردنر أن العقوبات قد تجبر ساسة لبنان على التنازل، في حين أن أحداً لا يعرف متى ستصل أزمة لبنان إلى القاع، فهي مشكلة مرّكبة، وصفها البنك الدولي هذا الشهر بأنها واحدة من أكبر ثلاث مشاكل كساد مرت على العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ونقل عن مراقب معروف للشأن اللبناني قوله: "من الواضح عدم وجود حوافز تدفع الطبقة السياسية للتعاون وتقديم مصلحة البلد أولاً. لقد قاموا بخنق الاقتصاد".

لا حل في الأفق
وشرح غاردنر أن المافيا الطائفية محصنة بملياراتها، التي حصلت عليها بطرق غير مشروعة، على حساب البؤس والجوع الذي يعاني منه الفقراء أو الطبقة المتوسطة الغارقة، التي صودرت ودائعها في المصارف. وعلى المقلب الآخر، زادت ثروة المصرفيين والسياسيين المرتبطين بكل المصارف الكبرى. وهذا راجع إلى سعر الفائدة الذي ارتفع بمعدلات فلكية. ففي الوقت الذي تقوم فيه المصارف حول العالم بحل معدلات الفائدة السلبية، يقوم المصرفيون في لبنان بالحصول على أرباح مشكوك فيها.

وينقل المعلق البريطاني عن دبلوماسيين وعارفين بمجريات الأمور أنه لا يوجد حديث الآن حول الأزمة، فالكل يركز على الانتخابات المقبلة وإطالة حكمه. وهناك اعتقاد متزايد داخل وخارج لبنان أن النخبة ستُجبر على المقايضة لو فُرضت العقوبات على حساباتها وأرصدتها الموجودة بمعظمها في الخارج، ولو مُنع أفرادها من السفر.

وعن دور رياض سلامة، قال غاردنر أن الولايات المتحدة مترددة في موضوع حاكم البنك المركزي، الذي كان يُنظر إليه كدعامة استقرار. ونقل عن مسؤول أميركي "لا نعرف إن كان سلامة زر أمان أو قنبلة موقوتة على الطاولة".