قرض البنك الدولي للفقراء: تفاصيل محاولات سرقته

بلقيس عبد الرضا
الجمعة   2021/03/19
قيمة الأموال التي ستدفع للعائلات الأكثر فقراً فقدت نصف قيمتها سلفاً (مصطفى جمال الدين)

لا يمكن لأي أحد من أركان السلطة في لبنان، أن يُفوت فرصة أو مناسبة، يستطيع من خلالها سرقة الأموال، أو الهبات والقروض، من دون القيام بذلك. ببساطة، لأنها سياسة أصيلة عند الطبقة السياسية، سمحت لهم بإيصال لبنان إلى قعر الانهيار المالي والاقتصادي ومعه المعيشي الذي نعيشه اليوم. المنظومة الفاسدة التي اعتادت السطو على أموال اللبنانيين، وجدت في قرض البنك الدولي المخصص أصلاً للأسر الأكثر فقراً، والبالغ 246 مليون دولار، باباً أو منفذاً للسطو على جزء من هذه الأموال، تارة من خلال مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون في السادس عشر من آذار، بتخصيص جزء من القرض، لتمويل إزالة حاويات متروكة في مرفأ بيروت، تحتوي مواد كيميائية خطرة، قادرة على إحداث تفجير كالذي شهده المرفأ في 4 آب من العام 2020، بعدما أبدى رئيس الجمهورية نيته سحب مليوني دولار لدفع نفقات الشركة الألمانية المولجة ما يسمى "تنظيف المرفأ" من أي مواد مشتعلة.. وطوراً آخر، من خلال توزيع أموال البنك الدولي على الفقراء بالليرة اللبنانية، وبسعر أقره مجلس النواب عند 6240 ليرة، وهو سعر آخر يضاف إلى مجموعة أسعار صرف الدولار، التي لا مرجعية قانونية أو أساس اقتصادياً لها.

أين أموال الأسر الفقيرة؟
السؤال الأبرز الذي يمكن طرحه، هل يمكن التصرف بأموال القرض؟ بمعنى، هل يمكن التصرف بأموال القرض لتسديد نفقات عامة، أو دفع مستحقات على الدولة، كما طلب الرئيس ميشال عون؟ وألا يُعتبر ذلك مخالفة؟ يجيب عاصم أبي علي، مستشار وزارة الشؤون الاجتماعية، بأنه وحسب القانون الذي شرعه مجلس النواب لتوزيع وصرف أموال القرض، لا يمكن لأي جهة كانت، أن تقتطع أو تجتزئ من القرض لتسديد نفقات عامة، أو دفع مستحقات على الدولة. وهو أمر في حال حدوثه، سيكون مخالفاً للقوانين والتشريعات، لأن الأموال باتت اليوم مقننة بتشريع داخلي. ويقول أبي علي لـ"المدن" إن توزيع أموال القرض تخضع لمجموعة من الشروط الدولية، والداخلية. فالبنك الدولي، وبموافقته على دفع القرض، حدد الجهة المستفيدة، وحصرها بالعائلات الأكثر فقراً. وبالتالي، أي مخالفة في توجيهات البنك الدولي، تدخل في إطار التعدي على الجهة المانحة. ويضيف: "من جهة ثانية، فإن محاولة رئيس الجمهورية أو أي جهة أخرى نافذة في لبنان للتصرف بالأموال بغير الوجهة المقررة، تعد مخالفة دستورية. وبالتالي، فإن الحديث عن اقتطاع جزء من القرض، هو مجرد كلام، لا أساس قانونياً له".

إن كان قرض البنك الدولي، مبني على أساس توزيعه للعائلات الأكثر فقراً، فلماذا يلجأ رئيس الجمهورية أو أي جهة أخرى ربما مستقبلاً إلى الحديث عن إمكانية اقتطاع نسبة منه؟ حسب مصدر خاص، فإن رئيس الجمهورية ربما سعى إما إلى جس نبض مجلس النواب، ووزارة الشؤون الاجتماعية، أو أن هناك قرض أخر، تسعى المؤسسات المانحة لتقديمه للبنانيين، خصوصاً في ظل الانهيار الأخير. ويحاول رئيس الجمهورية أن يستبق عملية تشريع القرض الجديد، لسد نفقات معينة. لكن المصدر يحذر من أن مجرد اقتطاع جزء من أموال القروض الدولية، سيفتح المجال أمام توقف دفع الأموال، أو حتى اتهام السلطة أو أي جهة استفادت من القرض بطريقة غير شرعية، ومحاسبتها.

على أي سعر صرف؟
الإشكالية الثانية التي يواجهها القرض، تتعلق بالسؤال عن أي سعر صرف سيتم احتساب المبالغ وتوزيعه. فقد قرر مجلس النواب اعتماد سعر صرف 6240 ليرة. وهو سعر يراه الخبير الاقتصادي غالب أبو مصلح، بأنه لا يستند لأي قاعدة اقتصادية، ولا يعلم أحد من أين جاء هذا الرقم، بحسب وصف أبو مصلح في حديثه لـ"المدن".

والمشكلة اليوم لم تعد تتعلق بـ"اختراع" مجلس النواب لسعر الصرف هذا، وبالمدى الذي وصل إليه سعر صرف الدولار، والذي سيصل إليه مستقبلاً. فقد هبطت قيمة العملة اللبنانية خلال أسبوعين نحو 50 في المئة إضافية، بعدما سجل سعر الصرف 10000 ليرة مطلع شهر أذار، وصل السعر منتصف آذار إلى 15 ألف ليرة، وهو مرجح للارتفاع، لماذا؟ ببساطة لأن لا قاعدة تحكم هذا الارتفاع.

وعليه، فإن قيمة الأموال التي ستدفع للعائلات الأكثر فقراً، ستكون قد فقدت أكثر من 50 في المئة من قيمتها.
لم يتم الاتفاق بعد لا على كيفية توزيع الأموال ولا على عدد الأسر. لكن مبدئياً، ستحصل كل عائلة على مبلغ ثابت بقيمة 200000 ليرة، و100000 ليرة (أو 16 دولاراً حسب سعر 6240 ليرة) لكل فرد في العائلة، شرط ألا يتجاوز سقف المساعدات المالية لكل عائلة الـ800000 ليرة. ونظرياً ستنال كل عائلة حوالى 130 دولاراً. لكن الدفع بالليرة اللبنانية سيطيح بقيمة المبلغ، مع حسبان أن الدولار يفوق سعره الفعلي اليوم عشرة آلاف ليرة. والفارق سيكون "سرقة" من قبل الدولة.
ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وشحها، سيصبح القرض لا قيمة له. إلا أن أبي علي يرجّح في ظل التلاعب بأسعار الصرف، ومع الاتجاه التصاعدي في سعر الدولار، وعدم وجود أي اتجاه لتحديده أو لضبطه، أن يتم توزيع الأموال الخاصة بالقرض بالدولار وليس بالليرة (ربما بضغط من البنك الدولي). لكن هذا الترجيح، سيحرم خزينة الدولة الفارق الذي تسعى إلى كسبه، على اعتبار أن سعر الدولار في الأسواق تخطى 15 ألف ليرة، ما يوازي ضعف السعر الذي وضعه مجلس النواب. فهل فعلاً يمكن للسلطات اللبنانية، أن تتنازل عن مكاسبها ويتم توزيع القرض بالدولار، أو أنها ستقوم بصرفه على سعر 6240 ليرة، فيصبح القرض لا قيمة له، أسوة بالكثير من القروض.

وهنا لابد من الإشارة، إلى أن هذه السيناريوهات لاتزال في إطار الترجيحات، سواء تم تسديد القرض بالدولار أو بالليرة، ولكن هناك تلميحاً بأن البنك الدولي يسعى إلى الضغط على السلطات اللبنانية، لدفع قيمة القرض بالدولار، وليس بالليرة اللبنانية.