هكذا سنصل إلى عتمة 24/24: ولا تحلموا بالإنقاذ

خضر حسان
الخميس   2021/03/11
هامش الاصلاح بات ضيّقاً جداً وأغلب الحلول لم تعد متاحة (Getty)
تعيش مؤسسة كهرباء لبنان على السلفات المالية لتأمين حاجتها السنوية من الفيول اللازم لتشغيل المعامل وبواخر الطاقة. وتحتاج المؤسسة إلى نحو 1.2 مليار دولار سنوياً، تُقتَطَع من خزينة الدولة، وتذهب إلى المؤسسة بواسطة مصرف لبنان، من دون أن تتأكّد وزارة المالية من قدرة المؤسسة على إعادة السلفة، كَونَها مستقلة مالياً عن الدولة، وتأخذ السلفة بمثابة قرض. وعدم التأكد من إمكانية رد السلفة، هو أمر مخالف لقانون المحاسبة العمومية.

حالياً، تطلب وزارة الطاقة "مساهمة ماليّة وسلفة بقيمة 1500 مليار ليرة لاستيراد الفيول"، وفق ما صرَّحَ به وزير الطاقة ريمون غجر من قصر بعبدا، خلال زيارته لرئيس الجمهورية ميشال عون، اليوم الخميس: "لوضعه في جَوّ الضغط الذي نعمل به كي لا نصل إلى العتمة"، كما قال غجر الذي أشار إلى أن "نواب تكتّل لبنان القوي قدّموا قانوناً من أجل إعطاء سلفة ماليّة لشراء الفيول لإمداد المواطنين بالكهرباء".

القليل من الفيول
السلفة المطلوبة كانت تعادل قيمتها مليار دولار، حسب سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة، في حين يعادل المليار دولار اليوم حسب سعر صرف السوق السوداء نحو 10 آلاف و500 مليار ليرة، وهو مبلغ خيالي (10 تريليون ونصف ترليون ليرة). أما الاكتفاء بما تعادله قيمة السلفة بالليرة بحسب سعر السوق، فلا يشتري كمية الفيول المطلوبة.

وعليه، لا يمكن تجاهل المتغيّرات التي تُطلَب السلفة تحت مظلّتها. فحسب المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون "هناك أكثر من عامل يحدد قيمة ما نحتاجه من فيول، والمبلغ الذي نريده للشراء والنتيجة النهائية للشراء. فأولاً هناك سعر النفط عالمياً، وهو مرتفع حالياً، ما يعني أننا بحاجة لمبالغ مالية أكبر لتأمين حاجتنا من الفيول، إلاّ إن قرَّرَت وزارة الطاقة شراء فيول حسب ما يتوَفَّر من أموال، فحينها ستشتري كمية فيول أقل، أي سنشهد ساعات تقنين أكثر".

أمّا العامل الثاني وفق ما يقوله بيضون لـ"المدن"، فيتعلَّق بـ"سعر صرف الدولار وبما يمكن لمصرف لبنان تأمينه ومِن أين سيؤمَّن المبلغ المطلوب. ومن المعروف أن الدعم الذي يؤمّنه مصرف لبنان هو من أموال المودعين، يعني أن قيمة هذه السلفة ستشكّل عبئاً على المودعين الذين سيدفعونها من أموالهم". ويبقى العامل الثالث وهو "الهدر"، وهو سياسة مستمرّة منذ عقود. وأمام هذه العوامل يتساءَل بيضون عمّا إذا كان مجلس النواب "سيُجيز استمرار سياسة مدّ اليد إلى أموال الناس لتمويل نهج الفشل في هذا القطاع".

سياسة الابتزاز
لا يحمل فريقٌ سياسي واحد مسؤولية أزمة قطاع الكهرباء، بل هو مسؤولية مشتركة بين كل أركان المنظومة الحاكمة منذ العام 1990 حتى اليوم. إلاّ أن مراجعة مسار الانحدار، يوصل إلى تحوُّل عامودي سرَّعَ الانهيار وزاد معدَّل العجز في القطاع، ففي العام 2010 كان مستوى العجز في مؤسسة كهرباء لبنان نحو 13 مليار دولار، وتخطّى الـ40 مليار دولار في العام 2020. وخلال الـ10 أعوام تلك، كان فريق سياسي واحد يتحكّم بمفاصل قطاع الطاقة ويُهدِّد بالعتمة ويبتزّ كل من يعارض مشاريعه.

ومَع ذلك، حصل هذا الفريق على كافة التسهيلات القانونية اللازمة لتنفيذ مشاريعه التي وصفها بأنها الخطة الانقاذية لقطاع الطاقة، وتحديداً الكهرباء. فمنذ العام 2010، جرى تمرير ملف شركات مقدّمي الخدمات، وبواخر الطاقة ومشروع استقدام اليد العاملة الفنية، إلى جانب تمرير مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وجرى التغاضي عن إجراء المناقصات خارج إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، أي خارج أي رقابة عليها. بل جرت المناقصات في وزارة الطاقة ومنشآت النفط والمركز اللبناني لحفظ الطاقة، وهو جمعية خاصة لا علاقة لها بالدولة، وإنما تتبع للفريق السياسي المسيطر.
وفي السياق نفسه، جرى تمرير صفقة التعاقد مع شركة روسنفت الروسية لتأهيل خزّانات النفط وجرى تشريع استيراد وزارة الطاقة 10 بالمئة من حاجة السوق إلى البنزين، فضلاً عن تمرير دائم لمناقصات شراء الفيول وتجاوز رأي إدارة المناقصات.. والكثير من المخالفات التي لم تُسفِر إلاّ عن تدمير لقطاع الطاقة وارتفاع في معدّل التقنين الكهربائي. وما زال هذا الفريق يصرّ على ابتزاز شركائه وخصومه في المنظومة، لتشريع استنزاف مالية الدولة وأموال الناس، لتمويل صفقات الهدر المشبوهة، ومن دون تأمين الكهرباء.
وما تأكيد غجر على أننا "ذاهبون إلى العتمة، وأعتقد أنّ النواب لن يقبلوا أن يكونوا شاهدين على هذا الأمر، والحلّ بين أيديهم، ونحن قمنا بمسؤوليّاتنا، ويجب إيجاد مصدر لشراء الفيول. ونحن اليوم نستخدم وفر عام 2020 ونحتاج أموالاً في الموازنة الجديدة، وبحاجة إلى سلفة من أجل أن نستمر".. كل هذا ليس سوى دلالة صريحة على أن عدم الموافقة على السلفة يعني تحميل مجلس النواب مسؤولية العتمة، فيما فريق غجر السياسي استفاد ولم يفدنا طيلة 10 سنوات من التسهيلات والموافقات. وكان هو نفسه أحد المستشارين البارزين وواضعي الخطط والسياسات في وزارة الطاقة.

واقع مختلف
أضاعت المنظومة الحاكمة فرصة إصلاح قطاع الكهرباء يوم كانت تملك الإمكانيات والقرار الداخلي. واليوم، خرجت الأمور عن السيطرة وأصبحت مفاتيح الحل خارجية حصراً. إذ أن أي مساعدة مالية خارجية، لن تمر دون الحصول على موافقة صندوق النقد والبنك الدولي. فالمستثمرون وشركات النفط ينتظرون ثقة الصندوق والبنك بالدولة اللبنانية وقدرتها على الدفع وتأمين مناخ آمن للاستثمار، وهذا لم يحصل ولن يحصل في المستقبل القريب.

ويضغط شحّ الدولار في السوق على إمكانية الحصول على شحنات الفيول لتوليد الكهرباء. ولبنان "لن يرى فرنكاً من الخارج دون إصلاح في ملف الكهرباء"، على حد تعبير النائب ياسين جابر، الذي أكّد في حديث تلفزيوني على ان لبنان أضاع الفرص و"لا أحد يثق بلبنان ولا أحد يريد التعامل معه ومع مصارفه". كما أشار جابر إلى أنه "لا يمكن أن نستمرّ من دون خطة طريق، واذا استمرينا على هذا المنوال سيحصل كل ما نخاف منه، أكان بملف الكهرباء والوصول إلى العتمة أم بالملفات الأخرى".