السياحة الشتوية والدولار: أين السائح الخليجي والاستراتيجية السياسية؟

بلقيس عبد الرضا
السبت   2021/12/04
هناك نحو ألفي غرفة مقفلة في الفنادق بعد انفجار 4 آب، ولا يقوى أصحابها على تشغيلها (علي علّوش)
كان من الطبيعي أن تحتل حملة وزارة السياحة اللبنانية "منحبك بجنونك"، أو كما تعرف باسم "الرزمة الشتوية"، حيزاً هاماً من اهتمام أصحاب الشأن، لأن الحملة تأتي في لحظة انهيار القطاعات الاقتصادية كافة، بما فيها القطاع السياحي. ولكن علامات استفهام تثار لدى أصحاب الشأن، حول مدى قدرة حملة الترويج السياحي هذه على إنعاش السوق السياحية اللبنانية، وإدخال الدولار إلى البلاد. 

تفاؤل حذر
وفق حسابات وزير السياحة وليد نصار، من المرجح أن تصل عائدات رزمة السياحة إلى نحو 60 مليون دولار، في خطوة لتحريك العجلة الاقتصادية، على اعتبار أن هناك ما يقارب من 280 رحلة قد تنقل نحو 40 ألف وافد. قد تكون تقديرات وزير السياحة متفائلة. ففي أفضل الأحوال قد يصل معدل إنفاق الزئر ما يقارب ألف دولار خلال فترة إقامته التي قد تتراوح من 3 إلى 5 أيام. أي قد تصل العائدات المالية إلى نحو 40 مليون دولار. وبغض النظر عن مدى دقة هذه التقديرات، يظل السؤال الرئيسي: هل تكفي هذه العائدات لتشغيل القطاع السياحي؟

أين السائح الخليجي؟
يرد نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر في حديثه إلى "المدن" على هذا السؤال بالقول: "الرزمة السياحية قد تساعد القطاعات الاقتصادية كلها في لبنان، وليس القطاع السياحي وحده. وقد تحدث نوعاً من المساهمة في تحريك القطاع على المدى القريب فقط. لكن من غير المرجح أن تحدث فرقاً شاسعاً على المدى المتوسط، لأن الخسائر التي مني بها القطاع السياحي في لبنان ضخمة جداً. ومن جهة أخرى، لأن العامل الرئيسي في تحريك القطاع السياحي لايزال غائباً: السائح الخليجي".

وحسب الأشقر، قد تكون الخطة التي وضعتها وزارة السياحية أداة ناجحة لتنشيط القطاع السياحي، لو طبقت الوزارة هذه الرزمة لفترة زمنية تمتد حتى نهاية العام. لكن المرجح أن ينتهي العمل بها في العاشر من كانون الأول الحالي. وهذا إجحاف في حق القطاع السياحي.

وهو يرى أن الجهود الوزارية غير كافية، نظراً لما يعيشه القطاع من واقع محبط. ويقول: "كأن هناك مؤامرة ضد القطاع السياحي في لبنان لتدميره".

تتميز الرزمة السياحية الشتوية التي أطلقت في بداية شهر تشرين الثاني، بتكلفة زهيدة نسبياً، إذ تبدأ من 300 دولار لتشمل تذكرة السفر، وإقامة لمدة ليال ثلاث في فندق مع فطور، وفحص PCR  خاص بفيروس كورونا. وتشمل هذه الرزمة مواطني ومقيمي 7 بلدان: العراق، الأردن، مصر، إيطاليا، إسبانيا، أرمينيا، واليونان. وهي الوجهات الأكثر استقطاباً للسياح إلى لبنان في هذا التوقيت.

أزمة المطاعم
لا يخفي رامي أيوب- وهو صاحب مطعم Chiken sub، واضطر إلى إقفال مطعمه جزئياً بعد ارتفاع أسعار الوقود-  مدى قلقه من ما وصلت إليه الأوضاع في لبنان. ويقول لـ "المدن" إنه اضطر إلى تشغيل مطعمه 8 ساعات يومياً، بدلاً من 12 ساعة، بسبب عدم قدرته على تأمين الكهرباء، ما أدى إلى تكبده خسائر تفوق 90 مليون ليرة شهرياً.

وفي الفترة الماضية، وصلت نسبة المطاعم والحانات التي أغلقت أبوابها حوالى 35 في المئة، حسب بيانات نشرتها نقابة أصحاب المطاعم، فيما يسعى نحو 40 في المئة إلى تشغيل مطاعمهم بدوام جزئي، كي يتمكنوا من تسديد النفقات الأساسية.

ويرى أيوب أن حملات الترويج السياحي قد تساعد في جذب الزوار، والحد من الخسائر، وإدخال عملات أجنبية إلى البلد. ولكن إمكان استفادة المطاعم من الدولار السياحي، قد يكون ضئيلاً نسبياً، لأن الأسعار فيها بالليرة اللبنانية.

معادلة مختلفة
ماذا لو جددت الوزارة "الرزمة الشتوية"، أو أطلقت برامج أخرى لجذب الزوار حتى نهاية شباط المقبل؟ فهل ستحدث تأثيرات واضحة؟

بالأرقام، وفي حال طبقت الوزارة برامج ترويجية أخرى، من المرجح أن يزور لبنان في أقل تقدير نحو 193 ألف وافد، قياساً للعدد الأخير الذي زار العاصمة في تشرين الأول الماضي، وفق بيانات مطار رفيق الحريري الدولي. وعلى افتراض أن الزوار قد ينفقون كمعدل وسطي، نحو ألف دولار خلال 5 أيام، فمن المرجح أن تصل العائدات في شهر كانون الأول وحتى شباط، إلى نحو نصف مليار دولار، تدخل مباشرة في دورة الاقتصاد اللبناني. وهذا رقم جيد نسبياً، ويحدث فرقاً في الموسم السياحي الشتوي، خصوصاً مع بدء موسم الثلوج.

بارقة الأمل هذه، يشير إليها رئيس نقابة أصحاب المؤسسات السياحية جان عبود جيدة، ويرى أن الترويج السياحي قد يساعد في إدخال الدولار إلى لبنان، ويمكن أن ينعكس إيجاباً على المؤسسات كافة: فنادق، مطاعم، وملاه، وحانات، وسواها. ويقول عبود: "تمكنت وزارة السياحة من المساعدة في وضع القطاع على الخارطة السياحية، ولكن يبقى الاستقرار السياسي، ووضع فيروس كورونا من العوامل الضاغطة على القطاع".

ولا يخالف الأشقر ما يبديه عبود، ويرى فعلاً أن الاستقرار السياسي، مفتاح تحريك العجلة الاقتصادية، خصوصاً قطاع الفنادق. فحتى الآن لايزال هناك نحو ألفي غرفة مقفلة بعد انفجار 4 آب 2020، ولا يقوى أصحاب الفنادق على تشغيلها.

وحسب الأشقر "لا يزال موضوع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية عامل ضغط، في ظل الانحدار شبه اليومي لسعر الليرة، إضافة إلى ارتفاع التكلفة الثابتة، أي أسعار الكهرباء، المياه، المازوت". ويضيف أن التكلفة الإجمالية على أصحاب المؤسسات السياحية زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف، مع فقدان أي استراتيجية سياسية أو اقتصادية واضحة. لذا ينتظر أصحاب المؤسسات السياحية في لبنان من الوزارة تقديم المزيد من العروض الترويجية، والقيام بحملة تسويق عالمية لجذب الزائر الأوروبي الذي لا يزال الخوف ينتابه من القدوم للبنان.