جولة صندوق النقد في لبنان: ثلاثة أحجار تُرهِق الحكومة

خضر حسان
الثلاثاء   2021/10/19
حكومة ميقاتي لا تملك الوقت (علي علوش)
تواجه حكومة نجيب ميقاتي عقبة تلو الأخرى، تجعل الوقت أضيَق والملفّات التي تحتاج الحل، أثقَل، وعلى رأسها الملفات الثلاث: التفاوض مع صندوق النقد، والكهرباء، وسعر صرف الدولار. وعوضَ التحرّك للأمام، تدفع الأحداث في الشارع والتناحر السياسي، عمل الحكومة، نحو الوراء.

جولة استكشاف
لم يُحرِز ملفّ التفاوض مع صندوق النقد سوى الوعود، منذ امتناع لبنان عن دفع سندات اليوروبوند لمستحقيها، في آذار من العام 2020، ووعود حكومة حسان دياب إيجاد صيغة للدفع، بالتعاون مع صندوق النقد الذي سيساعد أيضاً في فتح الأبواب على المستثمرين، وبالتالي المساعدة في وضع لبنان على طريق التعافي. وحال حكومة ميقاتي ليس أفضل، بل معقّد أكثر لأن البلاد لا تملك متّسعاً من الوقت.

بدوره، ينتظر الصندوق المبادرة من الحكومة. ولا مبادرة حالياً. لكن الصندوق يريد الوقوف على "أجواء الحكومة وبرنامجها للتعافي الاقتصادي"، وفق ما تؤكّده مصادر متابعة للملف، خلال حديث لـ"المدن". ولهذا الغَرَض، يُجري المدير التنفيذي للصندوق محمود محيي الدين، جولة على الرؤساء الثلاثة وعلى وزراء المالية يوسف الخليل، والاقتصاد أمين سلام، والطاقة وليد فياض، ورئيس لجنة التفاوض مع صندوق النقد الدولي سعادة الشامي، بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
الجولة التي انطلقت يوم أمس، واستُكمِلَت اليوم الثلاثاء 19 تشرين الأول، "لا تعني بأن الصندوق سيعطي قراراً بشأن التفاوض، فمحيي الدين ليس مسؤولاً عن التفاوض، وإنما هو في لبنان ليرى في أي اتجاه يمكن أن يذهب قرار لبنان، وعلى ضوئه قرار الصندوق". على أن هذا الاتجاه، يحدده وجود حكومة كاملة الصلاحيات ولديها القدرة والقرار بالبدء بالإصلاحات، وذلك "شرط أساسي لبدء المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد"، برأي محيي الدين الذي أشار إلى أن "التوصل لاتفاق بين الدولة اللبنانية والصندوق يعني حصول لبنان على تمويل، كما يفتح الباب للحصول على تمويل آخر من جهات ومؤسسات دولية، ويعيد الثقة في الاقتصاد اللبناني وقدرته على التحرك، ويفتح المجال للاستثمار والتجارة بشكل منتظم والتشغيل للمتعثرين".

التحديات أكبر
الجولة التي يقوم بها صندوق النقد، تقابلها تحديات فرضها الشارع عقب أحداث عين الرمانة. وتلك التحديات تصعّب عمل الحكومة التي قد لا تجتمع قبل حل معضلة تحقيقات المرفأ والقاضي طارق البيطار وإزالة آثار أحداث عين الرمانة.

"فرمَلَ الجوّ العام إنطلاقة حكومة ميقاتي، وبات عملها أصعب. لكن هذا لا يبرر عدم التقدّم بشيء"، وفق ما يقوله لـ"المدن"، الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، والذي يضيف أن عدم رؤية تقدّم، يراكم التحديات. وبالنسبة إليه "يجب أن تتقدم الحكومة بعض الخطوات إلى الأمام، حتى لو كان 10 خطوات، وليس 100 أو ألفاً".
وتزيد التحديات مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وهذا يعني طي صفحة التحضير للتفاوض، إلى ما بعد الانتخابات. ومع ذلك، تبقى الكرة في ملعب الحكومة التي عليها أن تنجز حصّتها من التحضير للتفاوض "وخلال أسابيع قليلة يمكن للصندوق وضع خطة للمساعدة والمباشرة في تطبيقها. لكن هل هناك قرار سياسي بالوصول إلى حل؟ هنا التساؤل الأبرز والتحدي الأكبر".
لا يبدو القرار السياسي جاهزاً بعد. وعليه، لا تفاوض قريباً مع الصندوق، خاصة وأن الملفات المرتبطة بالتفاوض لم تُنجَز، وعلى رأسها إصلاح قطاع الطاقة، وضبط سعر الصرف، فضلاً عن حل معضلة دعم الأسر الأكثر فقراً، وبالتوازي، اتخاذ قرار جدّي حيال القطاع المصرفي.

الكهرباء والدولار
الملفان الأكثر سخونة وارتباطاً بيوميات الناس، هما الكهرباء والدولار. في الأول، يَعِدُ ميقاتي بزيادة التغذية إلى ما بين 10 و12 ساعة يومياً، بُعَيدَ رأس السنة. أي أن ميقاتي يراهن على استجرار الكهرباء من الأردن، والذي يفترض بأن يُنَفَّذ بفترة رأس السنة.

لكن لا شيء مؤكّداً، فالتمويل ينتظر البنك الدولي، إذ أن لبنان يفتقد السيولة، وعبَّر ميقاتي عن ذلك بقوله "لا سيولة معنا بتاتاً ونسعى باللحم الحيّ لتأمين حاجات المواطنين". غير أن اللحم الحيّ، لا يؤمّن تلك الحاجات، وإنما الدولار يؤمّنها، بدءاً من الفيول لمعامل إنتاج الكهرباء، مروراً بشراء المحروقات. ولبنان الذي يحتاج سنوياً إلى نحو 3 مليون طن متري من الفيول للكهرباء، خسر التغذية التي كانت تقدمها باخرتي الطاقة التركيّتين، وهي بقدرة 380 ميغاوات، ما رفع الحاجة للفيول للمعامل لتغذية نقص الإنتاج، وهو أمر غير ممكن حالياً، حتى مع الفيول العراقي. وبما أن استمرارية تأمين الفيول، غير مضمونة، فلا زيادة لساعات الكهرباء، حتى بعد رأس السنة.
لا سيولة إذاً لدى الدولة. أي أنها غير قادرة على ضخ الدولار في السوق لتخفيف الطلب عليه. وبالتالي، الارتفاع سيستمر، ومعه ستصعد أسعار الدولار كلّما شحَّ السوق.

حكومة ميقاتي في موقف لا تُحسَد عليه. فالملفات الثلاثة مرهقة جداً، وصندوق النقد لا يعمل بالنوايا، بل بالوقائع والأرقام والمعطيات، وهو ما يجب أن توفّره الحكومة.