أسعار الزجاج والألمنيوم: الكارثة فرصة للتجار

خضر حسان
السبت   2020/08/15
إقبال كبير على الزجاج والألمينيوم ، ومساعداتها تذهب إلى المعامل وتخوّف من الاحتكار (Getty)
ظنّ بعض اللبنانيين لبرهة، أن مشاهد جريمة تفجير بيروت قد تودي بنظام الصفقات القائم منذ مئة سنة. فتفجير بهذا الحجم لا بدّ أن يغيّر طريقة إدارة البلاد.

لكن، لا شيء في بيروت، سوى صدى التفجير وقرقعة الزجاج المحطّم تحت أقدام المذهولين الباحثين عن تفسيرٍ لما حصل.
لا تفسير لما يحصل، سوى أن زمرة أفرَغَت الهواء من رئة البلاد حتّى أطبَقَتها، وتركت أهلها يلملمون وحدهم ما استطاعوا من بقايا حياتهم وركام منازلهم. أما كلفة الإعمار والتصليحات التي نجمت عن أضرار التفجير، فتقدّر حسب بورصة الدولار وأهواء المتحكّمين بها.

التنصّل من المسؤولية
أصوات الزجاج المحطّم وأجزاؤه المتناثرة تضع في أذهان أصحاب الممتلكات المدمّرة، حجم الفاتورة الهائلة التي تُحستب بالدولار. وتسارعت إلى الأذهان صورة احتجاز المصارف أموال المودعين، بغطاء من السلطة السياسية. وبالتالي، على الناس تحمّل كلفة إصلاح الأضرار، فيما أموالهم محتجزة، وجزءٌ منهم بات بلا عمل، بسبب ما نجم عن تحكّم الزمرة الحاكمة.

هذه المرّة، لا يمكن التذرّع بأن ما حصل بسيط. حديد بحديد، أو "شويّة زجاج". فالكلفة ليست بسيطة، ولا يمكن التعويل على إدارة الدولة التي أعلنت أنها ستعوّض عن الأضرار لاحقاً. وإلى حينه، على المتضرّرين إجراء ما يلزم وتقديم الفواتير إلى الجهات المعنية، وانتظار التعويض عليهم.

تعوّل السلطة على المساعدات الخارجية لتتنصّل من مسؤوليّتها. وهي اعتادت على التجوّل للحصول عليها وضمّها إلى مكاسبها، بعد إشهارها المظلومية الزائفة. ومع معرفة المجتمع الدولي بزيف المظلومية، لم تتأخّر مساعداته الإنسانية بالوصول، دون أنّ تؤتمن عليها السلطات الحاكمة، بل منظمات المجتمع المدني والجيش، بلا تدخل الطبقة الحاكمة.

وبفعل كثافة تضرّر الزجاج في المناطق التي طالها التفجير، قدّمت جهات دولية عديدة كميات من الزجاج، ومنها المبادرة المصرية التي أعلنها السفير المصري في لبنان ياسر علوي. فأكّد الأخير وصول سفينة محمّلة بالزجاج ومواد إعادة الإعمار، الأسبوع المقبل. أمّا مساهمات المغتربين، فلم تغب أيضاً، إذ قدّم مجلس العمل اللبناني في أبوظبي، 138 طناً من الزجاج.

تجّار الأزمات
ومع الإعلان عن المساعدات، سارعت وزارة الصناعة إلى وضع بصمتها التي تطرح العديد من علامات استفهام. فالوزارة أعلنت أنها ستوزّع المساعدات على مصانع الزجاج بسعر الكلفة. ما يعني أن المصانع ستستلم كميّات "مدعومة" من الزجاج. لكن الوزارة لم تحدّد هوية  هذه المصانع، ولا نصيب كل مصنع من الزجاج المدعون. ومَن يضمن شفافية التوزيع؟ والأهم مَن يضمن بيع الزجاج للمتضرّرين بأسعار منخفضة؟

لا أحد يمكنه الإجابة على تلك التساؤلات وغيرها. فوزارة الاقتصاد التي تناط بها مسؤولية مراقبة الأسعار، غائبة منذ ما قبل التفجير. وكلّ تاجر يسعّر الدولار على هواه ووفق مصالحه.

وفي الأزمات ترتفع أسهم الاستفادة، على قاعدة "اغتنام الفرصة". وليس ثمة من فرصة أفضل لمشهد التحطّم العام للزجاج. فانفتحت شهية تجّار الأزمات. الكل مجبر على الترميم، الآن قبل الغد، استباقاً لموسم الأمطار في شهر أيلول. وبما أن الدولار يمرح بلا ضوابط، يخاف المتضررون من ارتفاع اضافي للأسعار مستقبلاً، فيسارعون للاستفادة من الفرص المتاحة. وهذا بدوره يغري التجّار لرفع الأسعار، بذريعة سوق العرض والطلب. وهو ما بدأت تشهده بعض المناطق المتضررة في بيروت، إذ تسجّل ارتفاعاً في أسعار الزجاج والألمنيوم بفعل زيادة الطلب.

محاولات لتخفيف الأزمة
حتّى اللحظة "ليس هناك ارتفاعاً ملموساً للأسعار"، يقول أحد أصحاب محال الألمنيوم، في حديث لـ"المدن". لكن هدوء الأسعار "غير مضمون، فالتخوّف من الارتفاع قائم".

والأسعار حالياً تتراوح "بين 100 و120 دولاراً للمتر الواحد من الألمنيوم والزجاج المشغول والجاهز للتركيب. ويختلف السعر بحسب الأنواع والأحجام والزخارف المطلوبة".
أسعار الزجاج بلا الألمنيوم، لديها سوقها وأسعارها أيضاً، وتتجاوز أسعار بعض الأنواع، الـ100 دولار. لكن في معدّل عام، يتراوح سعر متر الزجاج بسماكة 6 ملم، بين 60 و80 دولاراً، على حد تعبير سارة عيط، مساعدة ربيع حزوري، صاحب شركة "غولدن غايت" للزجاج.
وتؤكّد عيط لـ"المدن"، أن "المبادرات الفردية تساهم في تخفيف حدّة الأزمة على المتضرّرين، حيث تلجأ بعض المؤسسات، ومنها غولدن غايت، إلى تخفيض أسعارها لتمكين المتضرّرين من شراء الزجاج لمنازلهم".

والشركة، بحسب عيط، "تبيع الزجاج بنصف كلفته. فسعر متر زجاج السيكوريت بسماكة 6 ملم، يبلغ 35 دولاراً، فيما سعر متر الزجاج العادي 20 دولاراً". وتلفت عيط إلى أن البيع يتم بسعر الدولار أو بسعر صرف السوق السوداء، لأن المؤسسات تستورد بضائعها بالدولار.

مع ذلك، تقول عيط، إن هناك متضرّرين يؤكدون عدم قدرتهم على دفع ثمن الزجاج، على الرغم من تخفيض سعره. فتحيلهم الشركة إلى بعض الجمعيات التي قد تقدّم المساعدة.
وتأمل عيط انتهاء الأزمة بأسرع وقت، لكنها تتخوّف من عدم القدرة على تلبية حاجة السوق، في خال تأزّم الوضع أكثر. لكن حتى اللحظة، كل شيء تحت السيطرة.

ثمة إقبال كبير على الزجاج والألمنيوم، وقد لا يستطيع التجّار تأمين كمياته المطلوبة دفعة واحدة، خصوصاً أن الطلب بعد التفجير، زاد أربعة أضعاف عن حال الطلب في الأحوال العادية. والحاجة الطارئة تحرّك غريزة الاستفادة لدى البعض الذي يبيع بضاعته اليوم وفق سعر صرف يتراوح بين 8 آلاف إلى 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، فيما سعر الصرف في السوق السوداء لا يتجاوز 7500 ليرة للمبيع.