معادلة "الانتاج لا الريع": إنقلاب فاشل على الحريرية الاقتصادية؟

خضر حسان
السبت   2020/06/06
السلطة تطرح خلط الأوراق الاقتصادية من دون المس بالشكل السياسي للنظام (getty)
تجاهل لبنان المتغيّرات الداخلية والعالمية، حتى سقط في أزمة اقتصادية ونقدية أدّت إلى ترنّحه. وجاء انتشار فيروس كورونا ليسدد ضربة قاضية، كشفت زيف ادّعاءات الطبقة السياسية التي تدير البلاد. فسارعت لطرح معادلة تحويل الاقتصاد إلى نموذج انتاجي لا ريعي.

تنسيق جماعي
جرياً على عادتها، تختار السلطة شعاراتها بما يتناسب مع رغبات الجمهور، وكأن سياساتها تقوم وفق مبدأ "ما يطلبه المستمعون"، لا وفق المبادىء الاقتصادية العلمية. وطرح الشعارات يتم بصورة توحي بأن تنسيقاً يومياً يحصل بين قوى السلطة. وحالياً، الجميع متّفق على "تفعيل الانتاج"!

فاكتشف رئيس الجمهورية ميشال عون، ضرورة "العمل بسرعة لاعتماد الاقتصاد المنتج بدل الريعي. لأنه لا يمكن دعم العملة الوطنية بالديون بل بالإنتاج، وبتشجيع الزراعة والصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبدعم الشباب للعمل في كل الحقول من دون تمييز بين عمل وآخر".

وتلقّى عون دعماً من وزير الصناعة عماد حب الله، الذي أعطى شهادة إيجابية للصناعة الوطنية. فبرأيه "لبنان يستطيع أن يصنع وينافس ويوقف الاستيراد ويصدّر إلى دول العالم بجودة عالية، ومسؤوليتنا التوجيه وتحرير السيولة". أما النائبة عناية عز الدين، فرأت أن "المطلوب هو تغيير ثقافة الإنتاج وتغيير الثقافة التربوية"، مؤكّدة أن جنوب لبنان يتوجّه "نحو الاقتصاد المنتج".

هو فريق سياسي واحد يلوّح بالاقتصاد المنتج. يحمل ذلك في طيّاته انقلاباً على النظام الاقتصادي الذي أرساه رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والذي استفاد منه بعض مَن يريد تغييره الآن، فيما البعض الآخر لا يهمّه شكل النظام الاقتصادي لأن دورته الاقتصادية تتبع دولة أخرى. وعليه، لا فرق بين نظام اقتصادي وآخر، طالما أن النظام السياسي يضمن حرية تحرّك السلاح.

لا نملك الإمكانيات
الانقلاب معركة. والمعركة تحتاج سلاحاً، والسلاح الاقتصادي المطلوب لإرساء نظام إنتاجي، غير متوفّر. فمرتكزات الاقتصاد الإنتاجي المنشود تنطلق من دعم الدولة للقطاعين الزراعي والصناعي بمسارين متوازيين داخلياً وخارجياً.

في الداخل، على الدولة تأمين البنى التحتية القادرة على تحمّل زيادة الحركة الزراعية والصناعية، بالإضافة إلى تشجيع المزارعين والصناعيين، عبر سلّة من التقديمات والإعفاءات التي لا تقتصر على القطاع العام، بل تتعدّاه إلى القطاع الخاص، وتحديداً القطاع المصرفي الذي يُفترض به تقديم القروض الميسّرة وتسهيلات مصرفية أخرى للمنتجين. وحسب الظروف الراهنة، لا الدولة ولا المصارف يستطيعان تقديم تنازلات وتسهيلات.

خارجياً، على الدولة إعادة النظر بالاتفاقيات التجارية التي تسمح بدخول البضائع الأجنبية ومنافسة البضائع المحلية. وهذا الإجراء يستتبع إعادة النظر في العلاقات مع الكثير من الدول. إذ يستورد لبنان تقريباً كل احتياجاته من الخارج. ناهيك بضرورة إجراء سياسات تسويقية عالمية للمنتجات اللبنانية. ومن هنا، يُحال الانقلاب الاقتصادي إلى انقلاب سياسي، لأن تغيير المعادلة الاقتصادية سيخلق توترات جديدة يحاول لبنان تجنّبها في ظروفه الحالية.

بالتوازي، يسلتزم الاقتصاد الإنتاجي إلغاء الاحتكارات، ما يعني تعديل آلية توزيع الحصص بين أقطاب السلطة ومجموعة رجال الأعمال المرتبطين بهم. وهذه الخطوة إشكالية يصعب تدوير زواياها. إذ يستدعي إخراج طرف من لعبة الاحتكارات أو تقليص استفادته منها، التعويض له في مشاريع أخرى.

خدعة لا أكثر
الاقتصاد الانتاجي ضرورة. لكن الحديث عنه اليوم ليس سوى حصان طروادة تريد السلطة التخفّي داخله، لخداع اللبنانيين والمجتمع الدولي المصرّ على الإصلاح، وإن من وجهة نظره. وبالتالي، ليس هناك انقلاب اقتصادي لأن جميع القوى السياسية مستفيدة من النظام الريعي، وتعمل على صيانته.

قد تكون القوى السياسية في طور التحضير لطريقة تتقاسم بها المغانم في الاقتصاد الإنتاجي المطروح، لكن فاقد الشيء لا يعطيه. فالجميع لا يملك شيئاً في الوقت الراهن، سوى انتظار حكم المجتمع الدولي. وبالتالي، الرهان على خداع المجتمع الدولي خاسر. والوحيدون الذين قد تنطلي عليهم الخدعة، هُم جمهور السلطة الجاهز مسبقاً للموافقة. وهؤلاء لا يكترثون لشكل النظام الاقتصادي، فهم وافقوا على النظام الريعي يوم كان زعماؤهم يتقاسمون المشاريع مع الحريري، وبعضهم انتفع من تقديماته وفتاته، تحت مظلّة الحكم المخابراتي البعثي.

وللمفارقة، من يريد الانقلاب الاقتصادي، يتبنّى حالياً خطة حكومة سعد الحريري. ما يعني أن مرتكزات التغيير هي نفسها مرتكزات الحكومة السابقة التي فشلت في تحقيق أي إنجاز فعلي. وكأن من يمسك بالسلطة اليوم، يريد القيام بتجربة جديدة، بالأدوات السابقة ذاتها، وفي ظل متغيّرات أكثر سلبية.. ومع ذلك، يرجو نتائج أفضل!

في المحصّلة، السلطة تطرح خلط الأوراق الاقتصادية من دون المس بالشكل السياسي للنظام، والذي يُعتبَر سبباً أساسياً للأزمة. ويأتي الطرح في ظل تنامي معدلات الفقر والبطالة، التي من شانها الإطاحة بأي مسعى إنقاذي في ظل ظروفٍ طبيعية، فكيف بتلك التي نعيشها؟ فقد بلغ اللبنانيون الذين يعيشون تحت خط الفقر، نسبة 45 بالمئة، فيما نسبة العاطلين عن العمل ارتفعت من نحو 25 بالمئة إلى نحو 32 بالمئة، مع زيادة معدلات إقفال المؤسسات جراء انتشار فيروس كورونا. ومن المرجّح، حسب شركة "الدولية للمعلومات"، وصول نسبة العاطلين عن العمل إلى نحو 65 بالمئة في الأشهر المقبلة.