بين التهريب وارتفاع الدولار: أدوية مفقودة وصيدليات مغلقة

عزة الحاج حسن
الثلاثاء   2020/06/30
تطالب الصيدليات برفع جعالتها (ريشار سمور)
لا يأبه المريض لكل ما يُحكى عن أسباب فقدان بعض أصناف الأدوية من السوق اللبنانية. ولا تعنيه آلية تأمين الدولارات لاستيراد الأدوية، وما إذا كانت الأخيرة تهّرب إلى سوريا أم لا. ولا يكترث بتلك التفاصيل، صحيحة كانت أو مضلّلة.. كل ما يعنيه هو تأمين الدواء في مواعيده المحدّدة، وبأسعار مقبولة، حفاظاً على صحته الجسدية، وصحة قدرته الشرائية.. فهل فعلاً هناك أصناف أدوية مفقودة من الصيدليات؟ وهل من بدائل؟ وما صحة تهريب الأدوية إلى سوريا؟

بات مؤكداً فقدان العديد من الأدوية من الأسواق. ولا تقتصر أزمة انقطاع الأدوية على تلك المرتبطة بالأمراض المزمنة، وأمراض القلب. بل وصلت إلى بعض الأصناف الخاصة بالأطفال، ما أثار الخوف في قلوب الكثيرين، ودفعهم إلى تموين الأدوية التي يصعب استبدالها.

ويعزو مستوردو الأدوية سبب انقطاع بعض الأصناف من الأسواق إلى الإجراءات المعقّدة، المفروضة عليهم من قبل مصرف لبنان، لتأمين 85 في المئة من حاجتهم للدولار وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة من جهة، وإلى صعوبة تأمين 15 في المئة من قيمة المستوردات بالدولار من الصرافين، في ظل شح العملة الصعبة في البلد.

ذريعة المستوردين لم تُقنع البعض. وقد حامت الشكوك حول احتمال استيراد الأدوية إلى لبنان بالدولار المدعوم، ومن ثم بيعها إلى الخارج أو تهريبها إلى سوريا. لاسيما في ظل تصاعد حدة أزمة تهريب المواد الأساسية إلى سوريا، من قمح ومحروقات ومواد غذائية وغير ذلك.

أزمة لا أزمة
تفجّرت ازمة انقطاع بعض الأدوية بعد فقدان دواء Lasix من الأسواق. ونظراً لكون الدواء المذكور ليس مستورداً، إنما هو صناعة لبنانية، أوضح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، في حديث إلى المدن"، أن لا علاقة للمستوردين بالأزمة. عازياً ما حصل إلى أن شحنة المواد الأولية الخاصة بالصناعة اللبنانية تأخرت. وبالتالي، فُقد الدواء من البلد، لافتاً إلى أن أزمة التأخير لم ترتبط فقط بالتحويلات المالية، إنما أيضاً بتأخر الإجراءات التقنية، بسبب أزمة كورونا. أضف إلى أن السبب الرئيس من الأزمة التي سببها دواء Lasix هو أنه يستحوذ على 80 في المئة من حجم استهلاك السوق. وبالتالي، مهما كان المخزون لأي دواء بديل عنه لا يمكن أن يغطي الحاجة إليه في البلد.

لم يجد جبارة من مشكلة في انقطاع بعض أصناف الأدوية. إذ وبحسب خبرته في سوق الأدوية، يقول أن هناك عدداً من الأدوية ينقطع لأسباب تقنية، ولا تتجاوز نسبتها 2 إلى 3 في المئة. واليوم، أُضيفت أسباب جديدة ترتبط بصعوبة التحويلات المالية وبالحصول على الدولار من السوق وأزمة كورونا... كل هذه العوامل جعلت بعض أصناف الأدوية تنقطع من السوق، بما يتجاوز قليلاّ المستويات الطبيعية أي أكثر من 2 أو 3 في المئة، إلا أن الموضوع لا يرقى وفق جبارة، إلى مستوى أزمة. لاسيما أن غالبية الأدوية التي تنقطع من السوق يتوفر لها بدائل من الأدوية الجنيسية أو الجنريك.

تبرير مستوردي الأدوية لانقطاع بعض الأصناف من السوق لم تُقنع رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، الذي تساءل في حديث إلى "المدن" عن موانع تقدّم المستوردين بطلبات استيراد إلى مصرف لبنان قبل المواعيد المحدّدة، تجنبّاً لوقوع عراقيل تقنية ومنعاً لنفاذ الأدوية؟

يرى عراجي أن انقطاع عدد من الأدوية يفتح الباب أمام عدة احتمالات، منها أن يعمد بعض المستوردين إلى استيراد أدوية مدعومة بدولار مصرف لبنان (1515 ليرة)، ثم إعادة بيعها إلى الخارج وتصديرها، لتحقيق أرباح. أو أن يعمد بعض التجار إلى تخزين الأدوية وعدم تسليمها، بغية انقطاعها وبيعها في السوق السوداء لاحقاً. هذه الاحتمالات تراود عراجي المتخوّف من ان يكون انقطاع دواء Lasix محاولة جس نبض للناس، وتحضيرها لأزمة أدوية مستقبلاً. ومن المتوقع انعقاد اجتماع صحي شامل للقطاع يوم الخميس المقبل، لتحديد المسؤوليات في أزمة انقطاع أدوية، رغم تعهّد وزير الصحة الإيعاز إلى التفتيش الصيدلي للتقصي في الأمر.

تهريب الأدوية
في نظر القيمين على القطاع تبقى التعقيدات المرتبطة بعملية استيراد الأدوية على رأس مسبّبات انقطاعها. وينتقد مصدر من نقابة الصيادلة تطبيق السياسة عينها على تأمين الدولار للدواء أو المواد الأولية لتصنيع الدواء في لبنان، كما غيره من المنتجات المستوردة. فالدواء وفق المصدر "لا يمكن تأخير استيراده أو تأخير تسليمه للمرضى. فالتأخير ستنتج عنه حكماً انعكاسات صحية خطرة كما حصل مع دواء Lasix وBurinex.

وعن احتمال تهريب الأدوية إلى الخارج، يكشف جبارة عن أرقام إحصائية لبيع الدواء في لبنان تعود لشركة IQVIA، تفيد بتراجع كميات الدواء المستورد إلى لبنان بنحو 10 في المئة، من شهر كانون الثاني ولغاية شهر أيار 2020. هذا التناقص في حجم سوق الدواء في لبنان يفسّره جبارة على أنه دليل على عدم تهريبه إلى الخارج. إلا أن عراجي الذي لا تعنيه تلك الأرقام، يرى أن من الملح التحقيق في الأمر وصولاً إلى وضع اليد على الجرح.

أزمة أخرى تترصّد المرضى اللبنانيين، هي توجه أصحاب الصيدليات إلى تنفيذ تحرّكات قد تصل إلى إقفال الصيدليات، للمطالبة برفع جعالتهم. وذلك بعد أن أقفلت أكثر من 200 صيدلية أبوابها بشكل نهائي، بسبب انهيار العملة الوطنية وتردّي الأوضاع الإقتصادية.

تطالب الصيدليات برفع جعالتها البالغة اليوم نحو 22.5 في المئة. قد يكون المطلب محقاّ، لو كانت الأوضاع الإقتصادية في البلد مستقرة. لكن زيادة جعالة الصيادلة على حساب المرضى فهو ما لا يمكن السكوت عنه. فالصيادلة تضرّروا من دون شك من انهيار الليرة اللبنانية. لكن الضرر لاحق كافة اللبنانيين من دون استثناء، خصوصاً الفقراء منهم. وتعليقاً على ما يتردّد عن توجه إلى رفع جعالة الصيادلة من 22.5 في المئة إلى 25 في المئة، يجزم مصدر من لجنة الصحة النيابية في حديث إلى "المدن"، أن قرار رفع الجعالة لن يمر. ولن تتم زيادة الأعباء على كاهل المواطن اللبناني من بوابة الدواء.