قضية الفيول المغشوش إلى الإقفال: سركيس حليس المذنب الوحيد؟

خضر حسان
الإثنين   2020/06/01
نفت بستاني مسؤولية وزارة الطاقة عن الفيول المغشوش (دالاتي ونهرا)
حظيت قضية الفيول المغشوش بمكانة مهمة في النقاش اليومي بين المواطنين والقوى السياسية، خصوصاً وأنها قضية متشعّبة تنطلق من تأمين الفيول لإمداد المعامل وتأمين الكهرباء المقنّنة أصلاً للمواطنين، وتنتهي عند المطامع السياسية لأقطاب السلطة. غير أن أخباراً أثقل وطأة كارتفاع أسعار الدولار وملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي وطرح ملف العفو العام، الذي يتضمّن إعادة العملاء الاسرائيليين إلى لبنان تحت شعار إعادة "المبعدين"، طغت على ملف الفيول المغشوش، من دون أن تُنهيه كلياً.

محاولة للفهم
أعادت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه تحريك المياه الراكدة في ملف الفيول المغشوش، من خلال جلستها المنعقدة يوم الاثنين 1 حزيران. تناولت اللجنة الملف من زاوية استهداف وزارة الطاقة وشركة سوناطراك الجزائرية التي تزوّد لبنان بالفيول، بحسب العقد الموقّع بين لبنان والجزائر.

حاول رئيس اللجنة النائب نزيه نجم إعادة خلط الأوراق، وكأن كل ما قيل سابقاً لم يحسم المسألة ويحدد المسؤوليات. فبرأي نجم، اجتمعت اللجنة "من أجل أن نفهم موضوع سوناطراك التي باتت أحجية، فقد سُجن أناس، ودخل آخرون إلى السجن وتم الحديث عن شركات لبنانية تصدر بضاعة إلى البلد، وإذا بنا لا نفهم من الموضوع سوى أننا كدولة وقعنا عقداً مع دولة الجزائر ومع سوناطراك ونشتري منها بضائع وفق مواصفات محددة في العقد".

ما تاه عن نجم، وجده النائب محمد الحجّار الذي حمّل المسؤولية الأساسية لوزارة الطاقة، متسائلاً عمّا إذا كانت إدارة وزارة الطاقة للملف بالمستوى المطلوب. وبرأي الحجّار، "لم تكن هذه الإدارة على المستوى المطلوب. وإذا أردت وضع سبب لهذا الأمر، فهو للأسف وزارة الطاقة".
وذهب الحجّار بعيداً في تحميل المسؤولية، إذ أعلن عن نيّته تقديم سؤال للحكومة عن تراجع دور الإدارة بفعل سياسة الإتيان بمجموعة من المستشارين مع كل تغيير لوزراء الطاقة، حين "يأتي الوزير بمستشارين يديرون الملفات ثم يغادرون، ويأتي مستشارون غيرهم ونبقى كما نحن، بينما وضع الإدارة يتراجع".

خلاصة اجتماع اللجنة كان واضحاً في ما يتعلّق بسوناطراك، فستحمّل الفيول المغشوش وتأتي بآخر مطابقاً للمواصفات المطلوبة. وبذلك، نكون أمام خطوة أولى للتخفيف من حدّة النقاش في الملف. فالإتيان بفيول مطابق للمواصفات، يُنهي النقاش التقني، لكنه يُبقي على السجال السياسي.

سلطة وزارة الطاقة
تبقى الكلمة الفصل لوزارة الطاقة، فمنها يبدأ الملف وإليها ينتهي، مروراً بسلسلة من المحطّات التي يسيطر وزير الطاقة على قراراتها. ومن هنا، يصبح واضحاً أن كميات الفيول المغشوش التي دخلت لبنان، لم تتخطَّ العقبات الإدارية والقانونية من دون فك شيفرة السلسلة التي عليها المرور بها، سواء في منشآت النفط أو مؤسسة كهرباء لبنان أو الإدارة العامة للنفط أو وزارة الطاقة نفسها، وهذا ما عناه النائب محمد الحجّار.

ومسؤولية الوزارة تعني مسؤولية الوزراء، وهُم ينتمون إلى التيار العوني، إذا ما لَحَظنا الانتماء السياسي للوزراء المتعاقبين منذ نحو 10 سنوات، ومنذ إعلان خطة الكهرباء التي من المفترض أن تقلب حال الكهرباء رأساً على عقب، وتأتي بتغذية بمعدّل 24 ساعة يومياً. وهذه المسؤولية، تحيل إلى تغطية الوزراء المتعاقبين إهمال الموظفين الرسميين المسؤولين عن حركة الفيول منذ ما قبل وصوله إلى لبنان، وحتى إحراقه في المعامل لتوليد الكهرباء.

هذه التغطية لم يتجاهلها الوزراء ولا الجهة السياسية الداعمة لهم. إذ لم يكن ممكناً فتح الملف بهذا الحجم، من دون توسيع قاعدة المتورّطين، وإن كان بعضهم ذا انتماءٍ أو حماية سياسية عونية، فذلك أيضاً، يُضفي بعضاً من المصداقية على مسرحية كشف الغش في الفيول، وكأن الغش لم يكن يحصل سابقاً، وهو ما حاولت وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني اشاعته، عبر التأكيد على أن مؤسسة كهرباء لبنان "لم تُخدَع سابقاً بالفيول المغشوش، فوزارة الطاقة بالمرصاد"، ملقية اللوم على الشركة الجزائرية التي "اختارت تزويد لبنان بالفيول عبر وسيط لبناني". أي أن الوزارة لا علاقة لها بالغش الذي مارسه طرف لا ينتمي إلى الوزارة، التي كانت بالمرصاد وكشفت الملف!

وسط ما يروّج له وزراء الطاقة، لم يعد خافياً أنهم يستهدفون مدير عام منشآت النفط سركيس حليس، حصراً. وعليه، اجتهد العونيون لإخراج كل من يدور في فلكهم، من دائرة المسؤولية، ليبقى حليس وحيداً. وكُللت العملية بالنجاح بعد تبييض صفحة المديرة العامة للنفط أورور فغالي التي حضرت اجتماع لجنة الاشغال.

في النتيجة، نجح العونيون في جعل وزراء الطاقة التابعين لهم، قوّة لا يُستهان بها. لم تتمكن أي قوة سياسية أخرى من تحميل الوزراء مسؤولية ما جرى، وإن لوّح الجميع بالمسؤولية عبر الخطابات لا أكثر. وتُرجِمَت القوة بمحافظة الحكومة على التعاقد مع الشركة الجزائرية وباخراج القضاء كل من يحظى بدعم عوني، من الواجهة، ليبقى حليس وحيداً، بانتظار أن تبرد الملفات الساخنة ذات الأهمية التي تفوق أهمية ملف الفيول المغشوش، ليصبح ممكناً شن الهجوم الأخير على حليس وإقفال الملف بتوريطه وحده.

أين حزب الله؟
حفاظ الحكومة على العقد مع سوناطراك، هو نقطة إيجابية لصالح حزب الله. إذ أن وزير الطاقة الأسبق محمد فنيش هو من وقّع العقد مع الشركة، وأكد أنه كان أفضل الممكن في حينها، وها هي الحكومة أقرّت بذلك. والتيار العوني أوقفَ تحميل فنيش مسؤولية التعاقد وأبقى المسؤولية على حليس. ومع أن الأخير محسوب على تيار المردة، أي على حليف حزب الله سليمان فرنجية، إلاّ أن الحزب ثمَّن موقف التيار العوني، ولم ينجرّ إلى رد ضده، وفضّل الحفاظ على تحالفه الاستراتيجي على حساب تحالفه مع المردة. وبالتالي، وافق ضمنياً على التضحية بحليس. وهذه التضحية لا تعني مظلومية حليس، بل هي مقدمة لمعرفة نهاية الملف الذي سيُقفَل على توريط حليس واخراج باقي المتورطين.
موقف حزب الله، الذي ظهر من خلال الممارسة لا الإعلان الرسمي، هو ورقة ضغط يستعملها التيار العوني لاستكمال خطّته القاضية بالتخلص من حليس وتوسيع سيطرة التيار داخل قطاع الطاقة، وهو أمر لا يمانعه حزب الله، وإن كان يعلم خفايا الارتكابات التي يقوم بها التيار.