حسان دياب أحرَقَ نفسه: الأسوأ ابتدأ الآن

خضر حسان
الأحد   2020/03/08
مَن طوَّر الفساد هو نقسه من عيّن دياب رئيساً للحكومة (عباس سلمان)
يحاول رئيس الحكومة حسان دياب منذ تسميته لتشكيل الحكومة، التماهي مع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وتقديم نفسه على أنه رئيس حكومة تمثّل مرحلة مختلفة عمّا كان سائداً لثلاثة عقود. لكن القوى السياسية التي اختارته ضمن لعبة متكاملة، حددت له المسموح والممنوع، وتحديداً في ما يتعلّق بمكافحة الفساد. فعبّرت القوى السياسية الداعمة للحكومة عن أن المولود الجديد ليس على قدر التطلعات والتوقعات، لكنه أفضل الممكن في هذه الظروف. وما اختيار وزراء ينتمون لأحزاب السلطة أو يدورون في فلكها، سوى قرار من الأحزاب بعدم التنازل عن العرش، وكلمة سر لدياب تُنبئه بأنه مقيَّد.

وعليه، افتتح دياب كلمته مساء السبت 7 آذار، بوابل من كلام إنشائي لا طائل منه، في حين كان بالامكان اختصار الكلمة بعبارة بسيطة وسريعة، تقول بأن الحكومة "قررت تعليق سداد استحقاق 9 آذار"، فقط لا غير. ولو فعل دياب ذلك، لكسب الوقت في محاولة إقناع الناس بأن حكومته قادرة على اجتراح المعجزات. لكنه فضّل حرق المراحل وحرق حكومته.

حكومة الخلاص
عَرَضَ دياب واقع الحال الذي يعيشه اللبنانيون، ونَسَبَه لسياسات "أورثتنا بلداً مثقلاً بالأعباء الكثيرة، ومن بين أهمها تراكم الديون وفوائدها". وأضاف دياب أن الدين "أصبح أكبر من قدرة لبنان على تحمله، وأكبر من قدرة اللبنانيين على تسديد فوائده. كل الاقتصاد اللبناني بات أسير تلك السياسات، وأصبح قائماً على فلسفة الاستدانة التي تراكمت مع الفوائد، من دون أي أفق لكيفية الخروج من هذا النفق الذي قضى على القطاعات الانتاجية في الاقتصاد الوطني. وقد تخطى مجموع الدين العام 90 مليار دولار، بما يشكل نحو 170 بالمئة من الناتج المحلي".


وانتقد دياب "النموذج الاقتصادي الذي أرسته السياسات السابقة"، لأنه "أثبت عجزه، خصوصاً لجهة عدم قدرته على تحفيز الاستثمار، وخلق فرص عمل، فآثر قسم من اللبنانيين الريع على الانتاج. فمن بين كل ألف ليرة مودعة في المصارف، يتم استثمار حوالي 300 ليرة في الاقتصاد الحقيقي". وخلص الى أن "الاقتصاد اللبناني غير منتج بشكل كاف، ما يدفعه لاستيراد 80 بالمئة من السلع والخدمات التي يستهلكها، وبالتالي نحن نواصل إنفاق الدولارات أكثر من جذبها".

بعد التوصيف، صوَّر دياب حكومته بأنها المخلّص، حيث "انصرفت منذ لحظة تأليفها، إلى دراسة الأوضاع المالية للدولة، والخيارات المتاحة لمعالجة الازمة العميقة التي يمثلها الدين العام، ووصلت الليل بالنهار لتحديد مكامن الخلل وأسس المعالجة".

بانتظار المعجزة
انتهت الدراسة إلى اجتراح معجزة عدم الدفع، والسعي لإعادة هيكلة ديون الدولة "بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسنة النية، مع الدائنين كافة، تلتزم المعايير العالمية المثلى". 

وضمن المعجزة، يريد دياب "إعادة التوازن إلى المالية العامة، فإذا أردنا تحرير أنفسنا من عبء الدين، لا يجوز أن ننفق أكثر مما نجني". ولخفض الانفاق، رأى دياب أن لبنان "سينجح في خفض الانفاق عبر إجراءات طال انتظارها، منها الاصلاح في قطاع الكهرباء. وستحقق خطة التغويز التي اعتمدتها حكومتنا وفراً يصل إلى أكثر من 350 مليون دولار في العام".

ولمكافحة الفساد حصة في مسيرة الاصلاحات، فقد "باشرنا بإعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد. وقريباً، ستبصر اللجنة المختصة النور، وستكون مزودة بالصلاحيات والاستقلالية اللازمة للقيام بمهامها. وبما أن الشفافية هي الطريقة الفضلى لمكافحة الفساد، فقد تقدمت هذه الحكومة، بعد ثلاثة أسابيع فقط من نيلها الثقة، بمشروع قانون يرمي إلى رفع السرية المصرفية عن كل من تولى ويتولى الشأن العام".

المصارف بريئة
حضرت المصارف في كلمة دياب، لكنه حاذّر تحميلها جزءاً من مسؤولية ما وصلنا إليه، بفعل شراكتها مع الزعامات السياسية. فاقتصرت مقاربة دياب للقطاع المصرفي من ناحية "التحول عن دوره الأساسي كمؤثّر وممول في الدورة الاقتصادية، إلى وسيط يعمل من جهة على استقطاب الودائع بفائدة مرتفعة تجاوزت على الدولار 5 الى 10 أضعاف ما تقدمه المصارف الأخرى في العالم، ومن جهة أخرى يقرض الدولة بسعر فائدة أعلى". وعزا دياب التحوّل إلى "النموذج الاقتصادي الذي أرسته السياسات السابقة"، من دون أن يحدد من المسؤول عن النموذج الاقتصادي. علماً أن أحداً لم ينتظر من دياب التحديد، وكيف يفعل فيما المصارف تحكم البلد فعلياً، وجزء من أصحابها هُم من اتى بدياب رئيساً للحكومة؟ وعليه، برَّأ دياب المصارف التي كانت تموّل الدولة ومشاريعها وزعاماتها، مع علمها بعدم قدرة الدولة على الدفع، وعلمها بأن النموذج الاقتصادي القائم على الريع، لا يخدم الصالح العام.

وتحت مظلة القطاع المصرفي، لم يذكر دياب مسؤولية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الضالع الأبرز في رسم السياسات المصرفية التي ينتقدها دياب، والمسؤول المباشر عن رفع معدلات الفوائد، وبالتالي التأسيس للاقتصاد الريعي. والمسؤول عن "تدني مستوى الاحتياطي بالعملة الصعبة"، ما أدى إلى "مزيد من الضغوط على العملة الوطنية. مما حدّ من إمكانية حصول اللبنانيين على ودائعهم بالعملة الاجنبية، بينما تنامى سوق موازٍ لسعر صرف الدولار بالعملة الوطنية". ناهيك عن دولرة الاقتصاد.

وبما أن دياب ابتعد عن تحديد مكمن الخلل، فإن إجراءات حكومته لن تساعد على الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، كما قال. ولو كان في بال الحكومة تغيير شكل الاقتصاد والحد من سلطة المصارف، لكانت ضغطت لمنع سطوتها على أموال الناس. ودياب نفسه لم يوجّه انتقاداً واحداً لجمعية المصارف، يذكّرها بعدم قانونية إجراءاتها.

يعلم دياب، كما كل مَن في هذه الجمهورية المتهالكة، أن مَن طوَّر الفساد من مرحلة الخجل إلى الجرأة ثم الوقاحة وبعدها الفجور، ومَن جعله "جزءاً رئيساً من مكونات الدولة والسلطة والمجتمع"، هو نفسه مَن عرَّض "أكثر من 40 بالمئة من السكان" لخطر النزول الى تحت خط الفقر، وهو نفسه من عيّن دياب رئيساً للحكومة، وهو مَن اختار وزراءها. فهل سيدعها تقضي على الفساد وتكشف منابعه؟.

الجواب "لا". لذلك، لن تكون الحكومة الجديدة سوى حكومة استمرار الأزمة، لأن أسباب الأزمة أعمق من أن تُحَل بشعارات، حتى وإن نبعت من حسن نية. فالأزمة أصبحت مرتبطة بالمجتمع الدولي ومؤسسات التصنيف وحاملي سندات الدين.. وغيرهم ممن لا يثق بقدرة لبنان على الاصلاح ودفع الديون والتشبّه بالدول التي عانت الأزمة نفسها وخرجت بفعل جدية الاصلاحات.

فهل سيقنعنا دياب، بأن منظومة مترابطة لم تستطع التضحية بمحاسبة بضع موظفين فاسدين (كي لا نقول سياسيين من الصفّ الأول)، ستعرّض نفسها للخطر والمحاسبة وإعادة كل ما سُرِقَ خلال 30 عاماً؟.