المستلزمات الطبية في قيد الصانعين

عصام الجردي
الإثنين   2020/03/16
الدول الأوروبية مصدر رئيسي للمستلزمات الطبية للبنان (Getty)
حالة طوارئ صحية وتعبئة عامة لمواجهة وباء فيروس كورونا قرر مجلس الوزراء في جلسته الأحد. بين القرارات، إعفاء استيراد المستلزمات الطبية والمخبرية من الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي ولمدة شهرين. وتكليف وزير الخارجية والمغتربين إجراء اتصالات لتزويد لبنان هبات لاستيراد المستلزمات أو المساعدات العينية.

هل تدرك الحكومة أن توفير التمويل اللازم من العملات الأجنبية لاستيراد المستلزمات الطبية والاستشفائية لم يعد كفيلًا بتأمين تلك المستلزمات من الخارج، في ضوء القيود على تصديرها من بلاد المنشأ لحماية مواطنيها بالأولوية من فيروس كورونا؟

قيود على التصدير
بينما الأنظار مركّزة الآن على مراكز البحوث الطبية وشركات الأدوية العالمية لاسيما الأميركية منها، لابتكار العلاجات لجبه الفيروس، وإقبال المستثمرين على شراء أسهم في الشركات التي يتردد إنها تقدّمت في بحوث العلاجات، بدا أن مستلزمات الحدّ من نتائج الفيروس على حياة المصابين به المتوفرة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، باتت تخضع لقيود في التصدير بقرارات حكومية. بما في ذلك إخلال المورّدين بعقود التصدير إلى الخارج. الأمر الذي يثير هلعًا كبيرًا خصوصًا في الدول الفقيرة والناشئة. الولايات المتحدة نفسها ليست بعيدة عن هذا الهلع. سياسة الرئيس دونالد ترمب الحمائية قبل انتشار الفيروس ضد الصين بفرض رسوم على وارداتها وعلى واردات من أوروبا تشمل المستلزمات الطبية، أسهمت هي الأخرى في شحّ واردات الولايات المتحدة من المستلزمات. وبحسب دراسة قامت بها جامعة سان غالنت السويسرية أعدها فريق Global Trade Alert ونشرت نتائجها في 11 آذار الجاري، فقد توقفت السلطات الألمانية عن تسليم 240 ألف قناع لشركة استيراد سويسرية، "مما دفع السلطات السويسرية إلى سجادة السفير الألماني في برن"! كما منعت Valmy SAS الفرنسية من تنفيذ عقد مع ادارة الخدمة الصحية الوطنية البريطانية لتزويدها الملايين من الأقنعة. وبالمثل، أفاد المشترون في أميركا الشمالية أن الصين تخلّفت عن تنفيذ اتفاقات شراء مستلزمات للمكافحة لمجرد بدء انتشار الفيروس التاجي في أراضيها.


وفقًا للدراسة نفسها، هناك 89 دولة تفرض رسومًا حمائية على وارداتها من المستلزمات الطبية. 100 دولة كانت فرضت رسومًا حمائية على مضادات الالتهابات الفيروسية ردًا على سياسة ترمب الحمائية قبل انتشار فيروس كورونا. لكن 24 دولة مصنعة المضادات والمستلزمات الطبية سارعت بعد انتشار الفيروس فيها إلى سياسة عكسية تمامًا. وقامت بفرض رسوم عالية على صادراتها من تلك المنتجات، أو منع تصديرها بالكامل. من بين 27 حالة من قيود الصادرات التي فرضتها هذه الدول الـ 24 منذ بداية العام، تم تنفيذ 16 حالة في الأيام العشرة الأولى من آذار الجاري. وتتوقع الدراسة أن يستمر حظر تصدير تلك المستلزمات نحو شهور ستة قابلة لاعادة النظر فيها تبعًا لتطور الوباء.

تلفت الدراسة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي هي المصدّر الرئيسي "لأنظمة التصوير المقطعي، ومعقمات اليد، ومراقبة المرضى وأجهزة قياس التأكسج النبضي، ومعدات الأشعة السينية وأقنعة التنفس الاصطناعي". القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي في 12 آذار الحالي وقضى بوقف شحنات التجارة والشحن من الاتحاد الأوروبي والصين ينذر بنقص في المعدات الطبية اللازمة لعلاجCOVID-19 . تقييد الصادرات الأميركية من المستلزمات قد يحمل الشركات الأميركية المصنّعة إلى خفض انتاجها وبالتالي سيولد نقصًا إضافيًا. إلّا إذا تكفلّت الحكومة بتعويض الشركات. منظمة الصحة العالمية حضّت الدول المتقدمة على تكثيف انتاجها لمواجهة الفيروس. بناء على طلب  AdvaMedمجموعة الضغط الصناعات الدوائية، قام ترمب بتعليق موقت لتعريفات الرسوم الحمائية بنسبة 7.5 في المئة موقتة على بعض المنتجات في 10 و12 آذار. في حين تم منح بعض الاستثناءات أيضًا لمنتجات أخرى في أواخر 2018 و2019، لم تمنع الانخفاض الكبير في الواردات من الصين في 2019. ومن المقرر أن تنتهي معظم الاستثناءات في عام 2020. وقد تكون فاعليتها في استعادة الواردات من الامدادات التي تشتد الحاجة اليها محدودة. الاستثناءات المؤقتة والجزئية ليست كافية.
إذا نشأ نقص على الصعيد العالمي، فإن نظام الاستثناءات الموقتة يخلق حوافز ضارة للموردين الطبيين الصينيين لجعل العملاء الأميركيين خيارهم الأخير. لا يهدد المشترون في كوريا الجنوبية وإيطاليا الصين بالتعريفات الجمركية. فالتعاقد على منتج بتاريخ تسليم لاحق غير جذاب إذا كانت هناك فرصة جيدة للعملاء الأميركيين لو قرروا أنهم لا يريدون السلعة أو التخلف عن الشراء. لأن ترمب أنهى استبعادًا موقتًا وزاد مرة أخرى سعر المنتج في أميركا 25 بالمئة.

مراقبة احتكارات المستوردين
الدول الأوروبية مصدر رئيسي للمستلزمات الطبية للبنان. وبحسب صحيفة "الغارديان" هناك 100 مليون أوروبي تحت الحجر الصحي. شكوى نقابة مستوردي المستلزات الطبية وأصحاب المستشفيات محصورة حتى الآن بعدم توفر تمويل اعتمادات الاستيراد من مصرف لبنان. والمصرف طلب إلى المصارف الاستجابة ولم نعرف النتائج. حكاية إبريق الزيت هي هي! هناك كلام الآن أن المستشفيات تكاد تفرغ من المستلزمات الطبية للقلب والسكري وأمراض مزمنة أخرى لا علاقة لها بفيروس كورونا. ما لم نعلمه لو توفّر التمويل، هل سلاسل التوريد الخارجية خصوصًا الأوروبية والأميركية جاهزة لتلبية الطلبات اللبنانية في ضوء القيود على تصدير المستلزمات الطبية؟ وكم سيستغرقه وصول الامدادات؟ علمًا، أن علينا التعامل مع واقع جديد فرضته التطورات المالية على علاقاتنا بالمصارف المراسلة التي لا بدّ إنها ستتشدّد في فتح اعتمادات الاستيراد بعد أن علّق لبنان سداد التزاماته من الديون السيادية. كما أن رصيد المصارف لدى المصارف المراسلة تراجع إلى حدّ كبير.

لافتًا كان موقف مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية. لم يظهروا أي بادرة لا نطلبها انسانية. بل بالحدّ الأدنى من الشعور بالمسؤولية تجاه عميل تجاري تربّحوا منه عقودًا من الزمن. هذا العميل "لبنان واللبنانيون". وكانت تجارتهم احتكارية بالوكالات التجارية الحصرية المحميّة بالقانون ومدعومة من الأوليغارشيا. وما تزال حتى الساعة. لو شاءت مجموعة من خمسة مستوردين أن توقف امدادات الأدوية والمستلزمات الطبية لوقع لبنان في ورطة. لذلك، فأي اعتمادات ستتوفّر لاستيراد المستلزمات والأدوية، يجب أن تكون تحت رقابة مشدّدة بالتنسيق بين وزارة الصحة وبين مصرف لبنان من جهة، وبين الأجهزة القضائية والأمنية من جهة ثانية، للتأكد من أن التمويل ضمن الهدف المحدّد.