استمرار الحديث عن الـ"كابيتال كونترول": حماية للمودعين أم للمصارف؟

خضر حسان
الخميس   2020/12/03
أموال المودعين تبخَّرَت في المصارف (علي علوش)
شَبِعَ قانون الـ"كابيتال كونترول" Capital Control دراسة وتمحيصاً على مدى أكثر من عام، بين اللجان النيابية والقوى السياسية، وتنوَّعَت وجهات النَظَر حول آلية تكبيل حركة الودائع التي كانت المصارف قد بدأت بحَبسِها، بحمايةٍ مِن المصرف المركزي، إثر استفحال الأزمة النقدية وإصابة أموال صغار المودعين بنارها. ورغم دعوة السلطة السياسية والقطاع المصرفي ومصرف لبنان إلى قوننة الكابيتال كونترول، لم يبصر القانون النور، حتى بات الاستمرار في طرح الموضوع اليوم يُصطَحَبُ بسؤال عن مدى جدوى القوننة، ومَن يستفيد منها في حال إقرار القانون رسمياً.

الحاجة إلى غطاء
أقدّمّت المصارف على حبس أموال صغار المودعين من تلقاء نفسها، عبر تحديد سقوف للسحوبات. واستفادت من التحرّكات الشعبية التي انفجرت في 17 تشرين الأول 2019، لتُقفِل أبوابها وتمنع المودعين من المطالبة بحقوقهم من داخل فروع المصارف. ومع كل إقفال واضطراب، كانت السقوف تنخفض، ومصرف لبنان يصدر تعميماً تلو آخَر ويطلق بواسطته النار على الودائع، من غير إصابة أموال كبار المودعين التي أُخرِجَت مِن البلاد بكل سلاسة، كَمَن يمُرُّ بخطٍّ عسكريّ، من دون عوائق أو تدقيق.

بهذا الإجراء، طبَّقَت المصارف والمصرف المركزي عملية كابيتال كونترول من دون صدور قانون عن مجلس النواب، يشرِّع ويرعى العملية، بغضّ النظر عن الملاحظات حولها.
بعد أكثر من عام، لم تجد السلطة السياسية حرجاً في الاستمرار ببحث قوننة العملية، تحت زعم حماية أموال المودعين وتنظيم حركة الأموال وضبط خروج الدولارات وسحب الليرة، بصورة تضرّ بالقطاع المصرفي وبالاقتصاد، أو ما تبقّى منه. ويتزامن سعي السلطة مع دعوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى إقرار الكابيتال كونترول بهدف "وضع سياسة جديدة لتحديد سوق صرف الدولار بطريقة لا تؤثر على القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني".
مَن يسمع سلامة اليوم، يُخَيَّل إليه بأننا في بداية الأزمة، نَبحَث عن سبل تخفيف أضرارها بغية الخروج منها. لكن القليل من التدقيق يؤكّد أننا في عمق الأزمة، والمعطيات المتوفّرة عن أحوال البلاد سياسياً واقتصادياً ونقدياً، يشير إلى ضرورة اتّخاذ إجراءات أكثر صرامة وصعوبة من الكابيتال كونترول، غير أنَّ هذه الاجراءات تُهدِّد هيكل الاقتصاد. وبالتوازي، هيكل القطاع المصرفي، أي عَصَب النظام الاقتصادي. ومن هُنا، يصبح التساؤل حول جدوى قوننة الكابيتال كونترول كسبيل لتأمين غطاء للمصارف لإجراء المزيد من التضييق بحجّة القانون.

إن نَفَعَت الذكرى
ليس لبنان الدولة الأولى أو الأخيرة في العالم التي تطرح أو تطبّق الكابيتال كونترول. لكن الدواء يفيد عادةً عند بداية المَرَض وليس عند استفحاله، ففي هذه الحالة تصبح العمليات الجراحية ضرورية وبعدها البَتر وتالياً سيناريوهات أصعب. 

ذَكَّرّت بعض الأصوات المصرفية، حاكم المصرف المركزي، بضرورة تطويق الأزمة قبل استفحالها، عن طريق اتّخاذ سلسلة قرارات تعمل كضوابط تحكم حركة الأموال في الداخل والخارج. وهذه الضوابط لا تحتاج إلى إقرار قانون لتنفيذها، بل هي اجراءات إدارية من اختصاص المصرف المركزي، لكن سلامة تجاهَل الأصوات، ظنّاً منه بأن الأزمة ستنحسر ولن تتشعَّب، وبالتالي يمكن السيطرة عليها.
حَصَلَ ما لم يتوقّعه سلامة، لكن بعد فوات الأوان، وحين لم يعد للذِّكر نفعٌ ولا حاجة. إذ تشير مصادر مصرفية إلى أنّه "لم يعد هناك أموال لإجراء كابيتال كونترول عليها". وأضافت في حديث لـ"المدن"، أنّ الكابيتال كونترول "حَصَلَ فعلياً من دون الحاجة إلى قانون، واستمر التضييق على أموال الناس حتّى ضاعَت"، علماً أنّ سلامة يؤكّد وجود الودائع في المصارف، وما سُحِبَ منها "يقارب 30 مليار دولار". وهذا التأكيد، يبرِّر لسلامة إقرار الكابيتال كونترول على أموالٍ ما زالت موجودة.

وجهة نظر أخرى
في المقابل، ما زال هناك بعض التفاؤل في إمكانية فرملة الانهيار والحفاظ على الودائع. فبرأي رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، "لم يفت الأوان". وفي حديث لـ"المدن"، يرى غبريل أنّ "إقرار القانون هو خطوة باتجاه الخروج من الأزمة. مع أنّ الوقت الأنسب لإقراره كان في بداية الأزمة في أيلول من العام 2019".

ويضيف غبريل أن القانون "ليس فقط مطلباً لبنانياً داخلياً، بل إن صندوق النقد الدولي يطلبه ليضمن استدامة ديونه التي سيسلّفها للبنان. فعبر القانون، يتم تنظيم وضبط خروج الأموال، وبالتالي إبقاءها واستثمارها في لبنان، وبالتوازي تأمين حصة صندوق النقد منها". ويبدي غبريل تفاؤله بإقرار القانون بالاستناد إلى "الملاحظات التي وضعها بعض النواب على القانون، تمهيداً لاقراره".
في المقابل، لا ينطوي إقرار القانون على استعادة كامل المشهد السابق للأزمة، فـ"الودائع المصرفية تراجعت بمقدار 32 مليار دولار منذ بداية أيلول 2019 حتى نهاية أيلول 2020، وخرجت أرقام لا يستهان بها من الدولارات، وصُرِفَت بعض الودائع لقاء تسديد ديون داخلية وخارجية"، وعليه، من الضروري "النظر إلى وجود الودائع يجب ان يكون بعين مختلفة، وهذا لا يعني عدم القدرة على استخدام الأموال نهائياً، لكن هناك ضرورة للتصرّف بالأموال ببطء".

تأكيد عدم قدرة مصرف لبنان على تأمين الدولارات اللازمة لاستمرار دعم استيراد الدواء والمحروقات والقمح لما يزيد عن شهرين، ودعوة سلامة إلى قوننة الكابيتال كونترول، هو إقرار صريح بتدهور الوضع والحاجة إلى إطار قانوني يحمي المصارف ومصرف لبنان، حين يزيدون من الإجراءات المجحفة بحق صغار المودعين. فالمصارف ما عادت تختزن أي سيولة، والمركزي يلوّح بمد يده إلى الاحتياطي الإلزامي، أي إلى ما تبقّى من أموال للناس، ما يُبشّر بأن رؤوس الجميع باتت تحت المقصلة، بانتظار الشهرين المقبلين.