التراجع عن الرسوم النوعية: ماذا في الكواليس؟

خضر حسان
الأحد   2019/06/23
التجار يعارضون فرض رسوم على أي سلعة تدخل إلى لبنان (ريشار سمور)
قيل أن مشروع موازنة العام 2019 حمل في طياته خطوات قد تشكّل مدخلاً لحماية الصناعات والمنتجات اللبنانية. ومن هذه الخطوات فرض رسوم مقطوعة بنسبة 2 في المئة على كل المستوردات، باستثناء تلك التي تدخل في التصنيع مثل الأدوات والمواد الأولية. كما أقرّ مجلس الوزراء فرض رسوم نوعية على 20 سلعة. ما يعني أن تلك السلع المستوردة ستواجه برسوم ترفع من سعرها وتخفّض من قدرتها التنافسية أمام المنتجات اللبنانية المشابهة. غير أن هذا القرار يواجه خطر الإلغاء خلف الكواليس، وسط معارضة من قِبَل وزير الصناعة وائل أبو فاعور.

حماية الإنتاج المحلي
تهدف الرسوم النوعية المفروضة على سلع لـ20 قطاعاً إنتاجياً إلى المساهمة "بشكل كبير في حماية الصناعة اللبنانية وتخفيف العجز بالميزان التجاري وإعادة استنهاض عدد كبير من الصناعات التي كادت أن تندثر"، على حد تعبير أبو فاعور، الذي وصف قرار الرسوم النوعية بأنه "إستراتيجي وغير إعتيادي". ويشمل القرار قطاعات الرخام والغرانيت، وصناعة كرتون صواني البيض، والبسكويت والويفر و"الكورنفليكس"، والنسيج والملبوسات، وقطاع ورق التخديد والتسليف، ومواد التنظيف، والبرغل والطحين، وأنابيب الحديد، والألومينيوم، والأدوات الصحية، والمفروشات، والبرادات والمجمدات والأفران والغسالات، وصناعة المحارم المعطرة والمأكولات المعلبة والورق الصحي، والأحذية والمصنوعات الجلدية ومستلزماتها، وقطاع الألبان والأجبان البيضاء، وصناديق الشاحنات.

ويتكامل القرار مع رسم الـ2 في المئة، من حيث النتائج، وفق ما يراه رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل، الذي ينفي "الآثار التضخمية لرسم الـ2 في المئة على الإستيراد"، ويعتبر أن "التخويف من حصول زيادة في الأسعار على المستهلك ليس في محله".
كما أن وزير الإقتصاد منصور بطيش رحّب بالقرار، معتبراً أن الرسوم النوعية بمثابة "حوافز جديدة من خلال دعمها (للسلع) بزيادة رسم على مثيلاتها المستوردة، من دون أن يؤثر ذلك على المستهلك اللبناني، وبما يؤمن إيرادات للخزينة ويساعد الإنتاج الوطني في أن يكون أكثر فعالية".

ضغوط التجّار
ما أُقرّ في العلن، تم الإلتفاف عليه خلف الكواليس. فالرسوم النوعية التي رحّبت بها الخطابات ووصلت الى آذان المواطنين، وجدت من يعارضها من المستفيدين من إستيراد السلع الأجنبية. ومارس هؤلاء ضغوطاً على بعض السياسيين لإلغاء الرسوم النوعية، فيما يغرق الوزير بطيش بصمت مطبق.
يواجه قرار فرض رسوم على بعض السلع المستوردة خطر الإلغاء الضمني. ورغم أن هذا الأمر لم يُتّخذ صراحة في مجلس الوزراء بعد، لكن يجري الحديث عنه بكثافة، تمهيداً لإيجاد صيغة نهائية لإلغائه"، بحسب ما أكّدت مصادر متابعة لـ"المدن". وأشارت إلى أن "التجّار مارسوا ضغوطاً لإلغاء قرار الحكومة، ليصار إلى البحث عن بديل للرسوم النوعية".
لكن وجهة نظر التجار ترفض توصيف الأمر بالضغوط. بل ينبع رفضهم للرسوم النوعية من أن حماية الإنتاج المحلي يبدأ من مكان آخر. وهنا، يرى رئيس لجنة التجارة في غرفة بيروت وجبل لبنان، جاك حكيم أن "خدمة الصناعة اللبنانية لا تعني تحميل العبء للتجار". ووفق ما قاله لـ"المدن"، فإن خدمة الإنتاج المحلي "تبدأ بتخفيض الرسوم والضرائب على الكهرباء، وبتخفيض فاتورة الإشتراك بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وبتوفير قروض مصرفية منخفضة الفوائد... وما إلى ذلك من سياسات الدعم التي لا ترتكز على الإضرار بقطاعات أخرى".
ويعود حكيم إلى تاريخ الفينيقيين الذاخر بالتجارة، ليعلل وجهة نظره. "فنحن في الأساس شعب تاجر، والصناعة أتت لاحقاً، ونحن في لبنان لم نعطها حقّها". ويضيف "نحن كتجّار نؤمن بأن الصناعة اللبنانية جيدة، لكننا لا نملك صناعية إنتاجية لكفاية السوق الوطني". ويخلص حكيم إلى "أننا ضد فرض رسوم على أي سلعة تدخل إلى لبنان"، مدعّماً أفكاره بالتذكير أن التجّار رفضوا إقرار سلسلة الرتب والرواتب، "لأنه كان لدينا حسابات صحيحة، وكنا نرى إلى أين ستؤول النتيجة. واليوم نعارض الرسوم النوعية ونرى النتيجة المستقبلية لذلك".


غياب القرار الرسمي
لا تستند القرارات الرسمية، سواء تلك الصادرة عن الحكومة أو مجلس النواب، إلى أسس علمية واضحة، بل إلى قرارات عشوائية ذات طابع سياسي إنتخابي شعبوي. وجلّ ما أرادته الطبقة السياسية من مشروع الموازنة هو تقديم فروض الطاعة للمجتمع الدولي الملتحف برداء مؤتمر "سيدر"، الذي يخفي وراءه نيّة رفع كل أشكال الدعم عن الإنتاج الوطني والمؤسسات الرسمية، ليخلي الساحة للمنافسة التي لا يستفيد منها سوى أصحاب الوكالات الخاصة وكبار التجّار القادرين على إستيراد مواد أجنبية لا تستطيع المنتجات المحلية الصمود أمام نوعيتها وأسعارها التنافسية. والطبقة السياسية التي تمارس اليوم أوضح أشكال النفاق السياسي من خلال معارضة نوابها لبعض ما إتفق عليه زملاؤهم الوزراء، لا تسعى لدعم الإنتاج المحلي بواسطة سياسات حمائية فعّالة، تبدأ من الرسوم على السلع المشابهة، وتمر بتقديمات وتسهيلات للمنتجين، خاصة الصغار منهم، بل تسعى السلطة إلى إنجاز مسرحية تنقيح مشروع الموازنة الذي أقرّته حكومة تمثلها الأحزاب نفسها الممثلة في مجلس النواب. وبالتالي فإن الأحزاب إياها، تعارض نفسها، بحجة حماية مالية الدولة وإنتاجها.