"المدن" تحصل على خطة الكهرباء: زيادة البواخر ورفع التعرفة

عزة الحاج حسن
الجمعة   2019/03/22
الخلاف على إقرار خطة الكهرباء أمر وارد، لا بل مرجّح (تصوير: ريشار سمّور)
منذ نحو عشر سنوات وحتى اليوم، لم ينتج عن وزراء الطاقة المتعاقبين سوى الخطط والدراسات والوعود، من دون تحقيق أي نتيجة تذكر. فبعد خطة وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل عام 2010، وخطة وزير الطاقة السابق سيزار بو خليل، حان موعد خطة وزيرة الطاقة ندى البستاني، ليسجل لبنان بذلك رقماً قياسياً في إنجاز الخطط.. والخطط فقط.

قواسم مشتركة كثيرة بين خطط الكهرباء الثلاث، إلا أن أبرزها وأكثرها أهمية هي صفة الاستعجال التي تلازم كل خطة، لاسيما حينما يرتبط الاستعجال بإقرار الخطط، بظروف سياسية قائمة. ما يوحي بعدم مصداقية الخطط، واعترائها ثغرات والتباسات.

الخطة الراهنة للكهرباء، حصلت "المدن" على نسخة منها، وهي مؤلفة من نحو 290 صفحة مع ملحقاتها تكاد تكون متطابقة مع خطة العام 2010 التي وضعها باسيل. خطة الوزيرة البستاني مثلت يوم الخميس أمام مجلس الوزراء، ولم يتم إقرارها. فغالبية الفرقاء السياسيين أصروا على التريث بشأن إقرار الخطة، والإطلاع عليها بتأنٍ. وكان ما أرادوا. إذ سيتم تشكيل لجنة وزارية، مهمتها قراءة خطة الكهرباء، وإبداء الرأي بها، ضمن مهلة لا تزيد عن أسبوع واحد.

وانطلاقاً من أن أكثر من فريق سياسي لديه رؤيته الخاصة لأزمة قطاع الكهرباء، لاسيما حزب القوات اللبنانية، الذي وضع ورقة شاملة للقطاع، أصبح الخلاف على إقرار خطة الكهرباء أمراً وارداً، لا بل مرجّحاً، لاسيما أن رؤية القوات اللبنانية، في بعض مفاصلها، تكاد تكون متناقضة مع خطة ندى البستاني خصوصاً لجهة بواخر الطاقة.

من صفحات الخطة التي حازت عليها "المدن"







خطة البستاني
تمتد المدة الزمنية لخطة الكهرباء الجديدة (القديمة)، على المديين القصير والطويل، أي بين 6 أشهر و10 سنوات وربما أكثر. وهي إذ تهدف إلى تخفيف العجز المالي لكهرباء لبنان، وتحسين الخدمات الكهربائية ورفع التغذية، تنص على استقدام أو إنشاء معامل مؤقتة، ابتداء من العام 2020 ولفترة تتراوح بين 3 سنوات و5 سنوات، وبقدرة 1450 ميغاوات. وبالتوازي، سيتم إنشاء معامل دائمة، في كل من سلعاتا والزهراني والحريشة. بمعنى، أن وزارة الطاقة حسب خطة الكهرباء، لن تستغني عن خدمات البواخر، التي ستستمر بالإنتاج طيلة فترة إنشاء المعامل.

وحسب الخطة الجديدة، سوف يتم العمل بين عامي 2019 و2026، على تحصيل نحو 1200 مليار ليرة، من خلال خفض مجمل الهدر، من معدل 34 في المئة إلى ما دون 11 في المئة تقريباً. كما سيمكّن تفعيل أعمال الجباية من تحصيل نحو 555 مليار ليرة إضافية، علاوة عن نحو 444 مليار ليرة، عبارة عن مستحقات مترتبة على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ونحو 1820 مليار ليرة من مستحقات الإدارات العامة ومصالح المياه. وهنا، لا بد من سؤال وزارة الطاقة عن الآلية التي يتم فيها جباية فواتير الكهرباء من المخيمات الفلسطينية؟ وكيف يمكن جباية فواتير من عائلات ممنوع عليها - بموجب القانون اللبناني- العمل في البلد؟

ووفق الخطة، فإن تنفيذ كل المشاريع، في ظل التعرفة الحالية للكهرباء، سيؤدي إلى زيادة العجز المالي للمؤسسة. لذلك أصبح من الضروري زيادة المعدل الوسطي للتعرفة من 138 ليرة للكيلوواط / ساعة، ليصبح ابتداء من أول العام 2020 نحو 217 ليرة. وحسب الخطة، سيكون لهذه الزيادة أثر ضئيل، على مجمل فاتورة الكهرباء التي يدفعها المواطن، في ظل الانخفاض المتوقع لفاتورة المولدات الخاصة.

ترى وزيرة الطاقة أن زيادة التعرفة الكهربائية بأكثر من 57 في المئة، لن يُحدث فارقاً لدى المواطن اللبناني. وكأن جميع المواطنين، من دون استثناء، يشتركون بخدمة المولدات الخاصة، علماً ان المولدات الخاصة لن يتم الإستغناء عنها قبل مطلع العام 2020 (موعد زيادة التعرفة). والسبب، عدم تأمين حاجة الإستهلاك من الكهرباء.

وبالعودة إلى الخطة، فإنها تشمل أيضاً إجراء حملة لقمع المخالفات والتعديات على الشبكة، في مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصاً الأقل جباية، بمؤازرة قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني إن لزم الأمر، كما تشمل الخطة تركيب عدادات ذكية. وهذه العبارات لم تتغير منذ العام 2010 وحتى اليوم، كما لم يتم تنفيذها أيضاً.

تفويض مطلق الصلاحيات
الخطة الجديدة للكهرباء لم تقدم أي جديد عن خطة باسيل 2010، سوى تكريس مفهوم السيطرة التامة على قطاع الكهرباء، من قبل فريق التيار الوطني الحر، من دون تحقيق أي تقدم يُذكر على صعيد الخدمات. من هنا، يرى مصدر رفيع في وزارة الطاقة، في حديث إلى "المدن"، بعد اطلاعه على خطة الكهرباء، أنها ليست سوى تفويض بتسليم القطاع وفق صلاحيات مطلقة، "كلها غش.. وأرقام غير دقيقة، وتحريف".

وينتقد المصدر عدم وضوح العديد من البنود، لاسيما البند المتعلق ببواخر الطاقة. فبدل تسميتها بشكل واضح، جاء في الخطة عبارة "استقدام / إنشاء" معامل مؤقتة. كما أن رفع التعرفة سيتم فوراً مع بداية العام 2020، دون ربطه بزيادة التغذية. والسؤال في حال عرقلة بعض بنود الخطة، أو عدم الإلتزام بتنفيذها، كما هو الحال منذ العام 2010، وبالتالي عدم زيادة التغذية، هل سيتم رفع التعرفة أيضاً؟ الجواب هو نعم.

وإذ يوجز المصدر خطة الكهرباء بأنها "إعادة هيكلة لخطة باسيل، مع الإحتفاظ بالبنود العريضة، من تركيب عدادات ذكية، مروراً بشركات مقدمي الخدمات، ووصولاً إلى الإبقاء على بواخر الطاقة" يقول: جميع خطط الكهرباء من باسيل إلى بو خليل إلى البستاني لا تتعدى "العجقة والضجة لا أكثر".

رؤية "القوات"
تشمل رؤية القوات اللبنانية لحل معضلة الكهرباء في لبنان، العديد من المشاريع والتفاصيل المتقاطعة مع خطة البستاني. لكن يقع الإختلاف في نقطتين جوهريتين، قد يشكلان سبباً لرفض القوات اللبنانية خطة البستاني، وعدم الموافقة عليها في مجلس الوزراء لاحقاً، وترتبط نقطتي الخلاف ببواخر الطاقة والتعرفة الكهربائية.

وأبرز ما ورد في ورقة القوات كحلول لأزمة الكهرباء الآتي:

-عدم التأخر في إطلاق دفاتر الشروط لبناء معامل دائمة، على أن تشتمل العروض المقدمة من قبل العارضين على حلول مؤقتة ودائمة، في آنٍ معاً.

-اعتماد الشراكة مع القطاع الخاص.

-الاعتماد المؤقت في الإنتاج على الفيول أويل، والدفع فوراً باتجاه الإنتاج على الغاز.

-إطلاق العمل بإعادة تأهيل المعامل القديمة، حسب الجداول الزمنية الموضوعة من مؤسسة كهرباء لبنان. ولكن فقط في تلك المعامل التي تأمن تمويلها، وتم اعتماد المقاولين لها.

- البدء، في هذه الأثناء، بإعادة النظر في نظام التقنين، بالتناسب مع نسب الجباية في المناطق.

- رفع التعرفة عند زيادة ساعات التغذية. والالتزام بالإجراءات القانونية.

والخلاصة أن سياسة استئجار البواخر أمر غير ذي جدوى، و"محاولة الإيحاء بأن الحلول المؤقتة أوفر على الخزينة هي محاولة مضللة". كما أن رفع التعرفة يجب ربطه بشكل واضح بزيادة ساعات التغذية.