إذا كان الرِماةُ رِماة سوءٍ!

عصام الجردي
الأحد   2019/02/17
من دون الإصلاح، سنكون في وضع لا يؤهلنا للحصول حتى على ديون سيدر وزكاة المحسنين (دالاتي ونهرا)

أعددنا موازنة 2018 بعجالة، لأننا كنا نستعد لمؤتمر سيدر في باريس. فكان بداهة ألاّ نذهب بلا موازنة، إلى مؤتمر سيعقد كل تعهداته بشروط إصلاحات مالية واقتصادية وقطاعية. أن يأتي البلد المعني بلا موازنة خرَفٌ وسخرية.

الموازنة والإجراءات
ذهبنا وحصلنا على نحو 11 مليار دولار أميركي بينها 860 مليوناً هبات. تبين في نهاية 2018، أن العجز الذي كان مقدراً 8 في المئة إلى الناتج شارف 11 في المئة. كي نباشر الإجراءات اللوجستية تمهيداً لتحريك تعهدات سيدر، استؤخر تأليف الحكومة شهوراً ثمانية. الدواعي يعلمها اللبنانيون، وأكثر من 48 دولة، ووكالة دولية وعربية في مؤتمر سيدر. بعد تأليف الحكومة، ننتظر مساراً على خط واحد بين موازنة 2019، وبين استكمال الإجراءات اللوجستية خلال شباط الجاري، في شأن آلية التنسيق مع مؤتمر سيدر. ستتولى فرنسا الدور الرئيسي في هذا المجال، والمصرف الدولي، لمتابعة الآلية مع الحكومة، لبدء المرحلة الأولى من تنفيذ التعهدات.

الطريف، أن ما اصطُلح على تسميته "دول العون" في مؤتمر سيدر، جاهزة لإطلاق قطار التعهدات. البلد المتلقّي لم يجهز بعد. وربما لو كان في جهوزية كاملة، لم يضطر من الأصل إلى طلب القروض والدعم. ولنا في ذلك أمران.

الدولة والسلاح
أما الأول، فنستهله من الآخر توكيداً. هذا نظام سياسي لا يَصلَح، ولا يُصلِح ولا يُستصلَح. لذلك نقول، إن ما يعوزنا قبل سيدر وتعهداته، وقبل العون والقروض، هو التعهد باستعادة الدولة، وإعمال الدستور والمؤسسات الشرعية، وحقوق المواطنة والإنسان، والعدالة الاقتصادية والاجتماعية. وفرض سيادة الدولة على كل أراضيها. وتحصين الوطن والشعب لدرء أي عدوان من الكيان الصهيوني وغيره. نعم، "حزب الله" استحق شرف قتال العدو، كما استحقته المقاومة الوطنية قبله. لكن حان وقت بناء الدولة، لتكون "المقاومة الإسلامية" وسلاحها ركيزة من ركائز استراتيجيا دفاعية، تُحشد لها كل الطاقات، وتقودها الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية والاقتصادية. ما قاله نائب عن الحزب في مجلس النواب، وعادت كتلة الحزب وصحّحته باعتذار، خطير جداً. ليست وظيفة سلاح الحزب صناعة رؤساء للبنان وحكومات. ولا التأثير في مسار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمدنية في لبنان. وجمهور الحزب ومؤيدوه جزء من ذلك المسار وفاعلٌ. ويريد كما كل الشعب اللبناني، الحرية، والحياة المدنية، والتنوع في المعتقدات والأفكار. ويريد كما كل اللبنانيين فرصة العمل، والعيش بكرامة، وسقف المنزل، وحبة الدواء والرفاه الاجتماعي. هذا ما يريده الشعب اللبناني قبل تعهدات سيدر وغيرها. وخلاف ذلك، نحن في وضع لا يؤهلنا للحصول حتى على ديون سيدر وزكاة المحسنين. أن يُشطب كلام نائب "حزب الله" من محضر جلسة مجلس النواب، فالواقعة لن تُشطب من التاريخ. وستُسجّل مع التصحيح والاعتذار.

إيران وحزب الله
بلى، لبنان في حاجة إلى المعونة والدعم. بما في ذلك من إيران. لكن لماذا المواربة هنا؟ "حزب الله" يعلم أن وضع إيران المالي والاقتصادي لا يتيح لها تقديم عون سخيّ للبنان. وخصوم الحزب السياسيون لا يريدون الدعم من إيران، حتى لو على شكل هبات. لكن هناك مشكلة العقوبات الأميركية على طهران. أي نوع من المشاريع والدعم والتبادل التجاري، يحتاج إلى عملة وشباّك مصرفي. مشاريع الطاقة الكهربائية وغيرها من المجالات الناجحة في إيران، ليست مجرد "تجارة شنطة". المصارف اللبنانية تعيش حالة رعب حقيقي تجاه أي خطل مع إيران ومع غيرها. هذا هو الواقع. لترشدنا إيران إلى المخرج لو وُجد.

أكبر خدمة يقدمها "حزب الله" للبنان واللبنانيين وجمهوره، بعد تأليف الحكومة، استخدام نفوذه السياسي في عملية الإصلاح المالي والإداري. تأخر الحزب كثيراً في الملف الاقتصادي والاجتماعي. يستلحق نفسه الآن. مع حلفائه من حركة "أمل" و"التيار الوطني الحرّ"، يشكل القوة النيابية الأكبر في مجلس النواب والحكومة. وهو حليف رئيس الجمهورية. في العمل المؤسسي والدستوري يحوز كل الشروط لمكافحة الفساد. لحظنا أن نواب الحزب الذين يتحدثون بحماسة عن ملف الفساد، لم يفتحوا الملف. ونحسب إنهم وغيرهم من النواب الآخرين لن يفعلوا، لدواعي سياسية تتصل بحلفائهم وتحالفاتهم السياسية. كيف يمكن التصدي للفساد من دون تسمية الأشياء بأسمائها؟ المواطن لا يريد "أكل العنب" وحسب. بل و"عقاب الناطور" أيضاً. لأن الشفافية طردية في هذا الميدان ولازمة. "النواطير" كانوا فاسدين. وما زالوا في السلطة والمؤسسات. أما لو أُدخل الملف في الغائية والإنتقائية السياسية والمحسوبيات، فهذه الوصفة الفضلى للفساد والفاسدين.

الحسابات المالية
وأما الأمر الثاني، فالسلف المالية لكهرباء لبنان، وقانونا موازنة 2017 و2018، والأرجح 2019 مخالفة للدستور. وتشرّع استثناء. وحسابات المالية العامة غير منجزة سنوات عدة. جزء منها قطوع حسابات الموازنات. يتردد اليوم أنها أُنجزت باستئخار سنتين. الحكومة في سياق عملها على موازنة 2019، وخفض العجز ومكافحة الفساد، تحتاج إلى حسابات المالية العامة لنشرها وإعلانها على الملأ. ففيها الكثير من الإجابات عمّا تردد في شأن مليارات الدولار الأميركي غير موجودة، أو لا قيود لها. هبات لم تسجل ولم تنفق حسب الأصول. وسلفات خزانة وشؤون أخرى. ومجلس النواب بقي سنوات خارج الخدمة بعد 2006. وكان الإنفاق من خارج القوانين لديمومة الدولة. الحسابات المالية ليست ملك هذه الكتلة النيابية أو تلك، لتسجيل بطولات وكسب سياسي في المكان الغلط والوقت الغلط. ورقّاص الساعة يعمل بالمقلوب وضد مصلحة لبنان. يجب بيان الحقيقة في هذه القضية التي استغرقت سنوات من المماحكة السياسية والمزايدات، لبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وهي ضرورة للانطلاق إذا كانت هناك إرادة فعلية للإصلاح المالي والاداري، للحصول على تعهدات سيدر والبدء بورشة إعمار البنى التحتية.

سلفة الكهرباء
مفارقة سقيمة، أن يعقد مجلس الوزراء جلسته الأولى، وفي رأس اهتماماته، بالقوة القاهرة، قضية سلفة خزانة لمؤسسة كهرباء لبنان بواقع 400 مليار ليرة لبنانية لتمويل شحنات الوقود. بواخر ثلاث أو أربع تنتظر، وتُجزينا نحو 25 ألف دولار أميركي غرامة تأخير كل يوم. يضحك المؤتمرون في سيدر إذ يعلمون، أن قرار الحكومة اللبنانية الأول بعد تأليفها كان لتمويل علّة الكهرباء، وليس اجتثاثها من أساسها. ولعِلم الرأي العام، أن الخزانة اللبنانية ستكون فارغة حين يلتئم مجلس الوزراء. وأن سلفة الخزانة تعطى لإدارة لا ترد الدين. ومخالفة لقانون المحاسبة العمومية. ولا تنطبق عليها شروط الإنفاق من خلال القاعدة الإثنتي عشرية (مخالفة دستورية أيضاً). ولا تُعرف حساباتها. ولا تُراقب. تستدين في دولة "لبنان القوي". قبِلنا. أين الكهرباء؟ قصدهم شوقي إذ قال:

إذا كانَ الرِماةُ رِماةَ سوءٍ    أَحَلّوا غَيرَ مَرماها السِهاما.