وزراء فشلوا... فكوفئوا بالتوزير!

عزة الحاج حسن
الجمعة   2019/02/01
حكومة الى العمل عسى ألا تكون حكومة الى التعطيل (علي علوش)
بعيداً عن السياسة وسياسة التقسيم الطائفي والمذهبي، وبعد 9 أشهر من التجاذب و"التناتش" على الحصص، ومع تجاهل مطالبة خبراء وسياسيين بتشكيل حكومة تكنوقراط، أو أهل اختصاص، تجنب لبنان السقوط في الهاوية. جاءت الحكومة على شاكلة سابقتها التي أتت بـ"الشخص المناسب في المكان غير المناسب". فشهدنا في الحكومة السابقة تولي محام حقيبة وزارة المال، ومهندس اتصالات في وزارة السياحة، ومهندس معماري في وزارة الخارجية، وخبير في مجال التكنولوجيا في وزارة الصحة العامة، ومصرفي في وزارة الاتصالات، وغيرها من تنصيب أشخاص بغير أماكنهم المناسبة.

هكذا، لم يعد مستغرباً على لبنان إخفاقه في تشكيل حكومات فاعلة. إذ عكف على تشكيل حكومات تذخر بالمحازبين، وتفتقر لخبراء يتبوؤن وزارات تفتقر لخبراتهم.. ولكن أن تصل بنا الأمور الى التجديد لوزراء أخفقوا في تولي وزارات ذات حقائب وازنة "بالمقياس اللبناني" وإعادة تنصيبهم فيها، فذلك حتماً يشير الى تقدّم السياسة والمحاصصة الحزبية والطائفية دوماً على الاقتصاد والإنتاجية والكفاءة، وليس العكس كما يدّعون.

كيدانيان وزيراً للسياحة
لم ينس اللبنانيون إخفاقات وزير السياحة السابق والحالي، الأرمني الأصل، الذي يمثل حزب الطاشناق، أواديس كيدانيان، خلال توليه وزارة السياحة في الحكومة السابقة، فكثيراً ما أثارت مواقفه وتصريحاته غضباً شعبياً، إن بين اللبنانيين أو الأتراك او المصريين، وغالباً ما كانت مواقفة تشكل مادة للجدل في أوساط دول (ويا للمفارقة) تعد من بين شركاء لبنان السياحيين والتجاريين.

سبق لكيدانيان أن تهجّم على الحكومة التركية، وأعلن تفضيله أرمينيا على لبنان في برنامج تلفزيوني، فأي وزير سياحة يقول "أنا لا أمانع دخول الأتراك إلى لبنان لكني لا أستقبلهم على المطار"؟ وهل من شخص في موقع مسؤولية يعلن شماتته على الملأ من تدهور وضع تركيا الاقتصادي حين يقول "تركيا تعاني من مشاكل لسوء حظهم وحسن حظنا. وأنا شخصياً سعيد جداً بوضعهم".

كيدانيان عندما فضّل أرمنيته على لبنانيته، وانطلاقاً من ذلك أعلن عداءه لتركيا، برّر له البعض من الحريصين على حرية التعبير في لبنان، وإن كانت على حساب المصلحة العامة، لكن حين وقع مرة أخرة في شر مواقفة تبيّن للجميع أنه غير أهل لتبؤ منصب وزير سياحة.

فالدعسة الناقصة الثانية لكيدانيان، أتت حين أساء للمصريين بقوله "لا يوجد مكان أقذر من مصر، وإن أهلها يعيشون في قبور ورغم ذلك يستطيعون التسويق للسياحة ببلدهم"، في حين أن أزمة النفايات في لبنان كانت في ذروتها، ووزارة السياحة، التي يتربع على رأسها، لم تفلح يوماً بالتسويق للسياحة في لبنان كما ينبغي.

لطالما تغنّى كيدانيان بسعيه الى رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي للبنان من 10 في  المئة الى 20 في المئة، وكيف به ينجح بذلك، ويسوّق للبنان كما يلزم في حين يتسبب كل تصريح له بأزمة؟

أبي خليل باق في "الطاقة"
منذ ما قبل العام 2010 يتولى التيار الوطني الحر حقيبة الطاقة. ومنذ ذلك الوقت توضع الخطط وتُعلن المشاريع وتُرصد الموازنات وتُبرم الصفقات، ولا كهرباء حتى اليوم، ولا حتى تمكن الوزراء المتعاقبون من التيار نفسه من إحراز تقدم خطوة واحدة، في مسيرة إصلاح قطاع الكهرباء. لا بل زاد الملف فساداً وإهداراً للمال العام.

فكما تولى مستشار وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل، وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، حقيبة الطاقة، تولت ندى البستاني مستشارة أبي خليل الحقيبة نفسها، لتستمر إدارة الوزارة من قبل المستشارين بالذهنية نفسها والأسلوب نفسه، ما يبشر عملياً ببقاء سيزار أبي خليل في وزارة الطاقة، لا بل بقاء جبران باسيل في سدتها.

تكاد إخفاقات وزراء الطاقة "البرتقاليين"، لا تعد. ولعل ذكر بعضها يمهد لنا ما ينتظرنا من الوزيرة الجديدة، في العام 2010 تم إقرار ورقة سياسة قطاع الكهرباء، قدمها الوزير جبران باسيل. واستلزمت الخطة في انطلاقتها تأمين 1200 مليون دولار من خزينة الدولة، على أن يتم تأمين نحو 4.5 مليارات دولار من الصناديق والهيئات الإقليمية والدولية. وفي العام 2011 أصدر مجلس النواب قانوناً لتأمين التمويل من الدولة، واشترط تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، في فترة شهرين، وتعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء في فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، وكانت النتيجة أنه لم يتم تعيين مجلس إدارة، ولم يتم تعيين هيئة ناظمة، فيما أصر الوزير باسيل وفريق عمله على الحصول على الـ1200 مليون دولار، من دون أي التزامات لتنفيذ بنود القانون.

ولم يختلف عهد الوزير سيزار أبي خليل في وزارة الطاقة عن باسيل، فالخطط نفسها والحجج نفسها لعدم التنفيذ. وأكثر من ذلك، فقد استكمل أبي خليل سياسة باسيل "المؤقتة"، لجهة استجرار الطاقة من خلال البواخر التركية، التي تفوق تكلفة استئجارها أضعاف إنشاء معامل إنتاج للطاقة، ناهيك عن مخالفة عقود البواخر للأصول والقوانين، واحتكار شركة تركية واحدة بإصرار من وزراء التيار الوطني الحر. ولم يتردد أبي خليل بأن يختتم عهده في وزارة الطاقة بإبرام عقد مع شركة روسنفت الروسية  منذ أيام قليلة، يتعلق بتأجير سعة تخزينية في منشآت النفط في طرابلس، مخالف للقانون لعدم مروره بإدارة المناقصات.

سلوك أبي خليل، استدعى من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دعوة صريحة بـ"إقالته"، بعد أن نصح البنك الدولي لبنان بالتخلي عن البواخر التركية وبناء معامل، وبدل من الإقالة جيء بوزيرة للطاقة من داخل مكتبه، هي مستشارته الأولى ندى البستاني، التي من دون شك ستحوّل المؤقت الى دائم وترسّخ ممارسات أسلافها من الوزراء.

خليل والأرقام
ولا ننسى وزير المال، السابق والحالي، علي حسن خليل، الذي أخفق في احتساب تكلفة سلسلة الرتب والرواتب. كما أخفق في تقدير حجم العجز المتوقع في نهاية العام 2018. إذ أنه عندما تمّ إقرار موازنة العام 2018، كان متوقعاً ان يبلغ العجز فيها نحو 4.65 مليارات دولار، أي بتراجع طفيف عن العجز المسجّل في موازنة العام 2017 والمقدر بـ4.8 مليارات دولار.

موازنة 2018 بأرقامها التفاؤلية، التي تسلّح بها لبنان في مؤتمر "سيدر"، لم تكن أرقامها دقيقة، كما لم تكن واقعية. إذ أن العجز تجاوز خلال العام الفائت 6.5 ميلارات دولار. وهو رقم يفوق بكثير ما كان متوقعاً في موازنة العام 2018.

هذا نموذج عن بعض الوزراء. ولا ننسى انتصارات وزارة الخارجية "الوهمية" بالإضافة إلى استغلالها لأغراض انتخابية من قبل الوزير باسيل، الذي كوفئ باعادة تعيينه في الوزارة نفسها.