رياض سلامة.. "تعلَم ما لا يُعلم"!

عصام الجردي
الجمعة   2019/12/27
يعرف كل الحكاية بدايةً وخواتيم (علي فواز)

"ما حدا بيعرف" قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ردًا على سؤال عن سعر صرف الدولار الأميركي. بعد وقت قصير أوضح بيان صادر عن مصرف لبنان أن كلام الحاكم "لا يعني إطلاقًا أي تغيير في سعر صرف الليرة الرسمي والمحدد بـ1507.5 ليرات لبنانية. وإنما جاء ردًا على سؤال عن سعر الصرف لدى الصرافين". قال سلامة أيضًا، إنه سيقوم "بكل ما يسمح به القانون لمعرفة التحويلات" التي حصلت إلى الخارج. ومن أين حُولت.

صحيح. لا يعرف حاكم مصرف لبنان سعر صرف الدولار الأميركي إلى أين لدى الصيارفة. والأصحّ، إنه يعرف أن سعر الصرف الرسمي ليس نافذًا الآن، إلّا بين مصرف لبنان وبين المصارف. ويعرف كل الحكاية بدايةً وخواتيم. كل مليارات الدولار الأميركي التي عُبئت وتمّ تعقيمها لدى مصرف لبنان، واقتُطعت من وجه الاقتصاد والاستثمار وفرص العمل، بالمباشر وبالفوائد الخيالية، وبالهندسات المالية باتت في خبر كان. لا اقتصاد، ولا نمو، ولا استقرار نقدي (مطلوبٌ دائمًا) ولا فرص عمل.

التحويلات تفتح نوافذ
أمّا التحويلات إلى الخارج، ومعرفة ما يسمح به القانون، فكلام لمزيد من اللبس. لكن كانت لافتة إشارة سلامة إلى ضرورة معرفة من أين تم تحويل الأموال. هناك معلومات عن تحويلات مباشرة من حسابات المصارف لدى المصارف المراسلة في الخارج. تخرج من حساب وتدخل إلى آخر من دون عناء. المعلومات نفسها تفيد أن ودائع المصارف لدى المراسلين تراجعت حدة. لا أحد يعلم هذه المسألة بمقدار حاكم مصرف لبنان. القوانين تسمح بالتحويلات المالية السليمة إلى الخارج. هذا شأن واضح. فإذا كان المقصود تحويلات حصلت من أموال لا يملكها محوّلوها، وتندرج في جرم تبييض الأموال أو إساءة الأمانة فالهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الأموال معنية مباشرة. وحاكم مصرف لبنان هو رئيس الهيئة. وقانون العقوبات فيه روادع أيضًا في حالات سوء الأمانة والائتمان. وحاكم مصرف لبنان هو رئيس المجلس المركزي للمصرف الشاغر بلا نواب حاكم لعلة في "ميثاقية" جبران باسيل. وحاكم مصرف لبنان رئيس الهيئة المصرفية العليا. المحكمة المصرفية من غرفة واحدة بأحكام مبرمة لا تقبل النقض. هل فعلًا يحتاج سلامة إلى التحقيق بعمليات تحويل أموال مشتبهة (أو سليمة) بعد شهور من حصولها؟ ونسأل، آلاف مؤلفة من المودعين الذين سحبوا ودائعهم بالدولار الأميركي أوان استحقاقها من بعض المصارف حصلوا على شيكات مسحوبة على مصرف لبنان من حسابات المصارف لديه. هل حصلت استثناءات لبعض المودعين وسُمح بتحويلها إلى الخارج؟ هل سُمح لبعض المصارف بتحويلات مباشرة لعملائها من حساباتها في مصرف لبنان، بما في ذلك لمودعين غير لبنانيين؟ هل حصلت تحويلات بأسماء وهمية من غير أصحاب الحق الاقتصادي لإخفاء صاحب الحق؟ هل هناك واجهات من موظفين ومديرين مقربين في "بيوت المال" لإخفاء ثروات وملكيات في جرائم تبييض الأموال؟ وبعض هؤلاء محسوب على رأس الهرم، وتدرّج بسرعة لافتة في السلّم الوظيفي. نزعم أن  التحقيق في التحويلات إلى الخارج قضية كبيرة جدًا ستفتح نوافذ كانت مقفلة بإحكام، ولا تتصل بالتحويلات المصرفية فحسب. خصوصًا أن جرائم تبييض الأموال وإساءة الأمانة ليست مشمولة بمرور الزمن. نثق بالقضاء أن يفتح هذه الملفات يومًا ليس بعيدًا. وبات على رأس مجلس القضاء الأعلى رجل من الثقاة، لا نحسبه يستعطي سلطته من نظام سياسي فاسد. بل من الدستور. القضاء سلطة مستقلة. والدستور يقول بفصل السلطات وكفى. لم يعد ثمة سلطة فوق سلطة القاضي المقدام. ما لا نثق به ولا الشعب يثق، سلطة سياسية ونظام سياسي زبائني عاطل من العمل إلّا عن تخريب لبنان، وانهياره، وإفقار شعبه واستصناع الفتن.

نجح "التيار الوطني الحرّ" بـ"كيدية ميثاقية" في لعبة الحكومة. وفي انتظار الدكتور حسّان دياب تأليف حكومته، وبيان الثقة بها من مجلس النواب، لنا أن نعتقد في صعوبة مهمّة الحكومة الجديدة لتحدث اختراقًا في جدار الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية عمومًا. أولًا، لأن لبنان يحتاج إلى مساعدات مالية – نقدية على وجه السرعة لوقف الانهيار. ثانيًا، الحاجة الماسّة إلى موقف حكومي يشرح  للبنانيين حقيقة الوضع المصرفي والنقدي، وكيفية علاجه، والإجراءات المقرّر اتخاذها وكم ستستغرق من سنوات. ثالثًا، وضع حدٍ بسرعة للفوضى المتفشية بين المتعاقدين وأصحاب الحقوق المتبادلة واشتباك الذمم المالية من دون غطاء قانوني. موافقة لجنة المال والموازنة أمس على بند في مشروع قانون موازنة 2020 لتعليق المهل خطوة إيجابية. لكنها ستنتظر صدور القانون. وتحتاج إلى عدالة في أهدافها. رابعًا، توجه الحكومة الإصلاحي خصوصًا في مجال التصدّي للفساد، لاستدرار الدعم الدولي والعربي والخطوات الإصلاحية الأولى. خامسًا، تأمين تمويل المستوردات الأساسية من المحروقات السائلة والقمح والأدوية والمستلزمات الطبية والاستشفائية. والسلع الغذائية والضرورية. وتأمين التحويلات لمواد الصناعة الأولية. والتسميد والأدوية والبذار للقطاع الزراعي. واعتمادات التجارة. وهناك الكثير من الآليات لضمان التحويلات للغايات المذكورة. سادسًا الأهمّ، القرار السياسي لتنفيذ تلك الحزمة. نزعم أن الحكومة الجديدة لا تملك هذا القرار.

طبع العملة
طبع العملة لسداد الدين بالليرة سواءٌ المتوجب السداد للمستشفيات، ومتعهدي الأشغال والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إنما يجهز على ما تبقّى من سعر صرف الليرة وقوة الأجر الشرائية. بالإضافة إلى تهديد قيمة تعويضات نهاية الخدمة. ويلهب التضخم إلى مستويات خطرة تهدّد بانفجار الوضع الاجتماعي والمعيشي. الكتلة النقدية التي دخلت إلى السوق لعلّة جفاف السيولة بالليرة لا تقابلها أي قيمة مضافة من الاقتصاد. وليست مدعومة بكتلة من السلع والخدمات. ولا بعملات أجنبية في المقابل. سيقولون "لدينا ما يكفي من أموال لسداد الدين بالليرة. والرواتب والأجور مؤمنة للقطاع العام. وما يكفي من السيولة للقطاع الخاص. وتدبروا شؤونكم بالكتمان".  

حين يقول حاكم مصرف لبنان أن سعر الصرف الرسمي على 1507.5 ليرات معدلًا وسطًا للدولار الأميركي هو المعمول به وتتعاطى المصارف على هذا الأساس، يعني أن المدينين بالليرة اللبنانية سيسددون ديونهم بالليرة. وعلى الدائنين مصارف وتجارًا وغيرهم أن يقبلوا السداد بعملة فقدت نحو ثلث قيمتها. والمدينون بالدولار الأميركي للمصارف وشركات التأمين والمؤسسات التجارية وعقود الإيجارات وخلافها، يمكنهم الطلب إلى المصرف تحويل قيمة السندات من حسابهم بالليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي على سعر 1517.5 ليرة وسداد السندات. أو تزويد المصارف نقداً بالليرة اللبنانية وتحويلها دولاراً أميركياً بسعر الصرف الرسمي.

رياض سلامة، أنت بتعرف و"ما حدا غيرك"!