في حمى "العهد"... الوزراء يختصرون إدارات الدولة

خضر حسان
الخميس   2018/07/05
قرارات الحكومة بشأن المشاريع يجب أن تستند إلى قرارات الإدارات العامة وليس الوزراء (المدن)
على طاولة مجلس الوزراء تطرح القوى السياسية مشاريعها التي تضبط إيقاعها على نغمة المصلحة العامة، لكن ضجيجها يثبت أنها نغمات مصالح خاصة. وفي الحكومة، يتقدّم الوزراء بطروحاتهم. مشاريع للكهرباء، وأخرى للمياه، وبعضها يتعلّق بالإنترنت والاتصالات، ومشاريع للصناعة والزراعة... وما إلى ذلك. لكن ما تتجاهله أطراف السلطة، هو أن طرحها للمشاريع داخل مجلس الوزراء، بالطريقة المعتمدة منذ سنوات، مخالف للقوانين، ويضر بالمصلحة العامة، ويحيّد الإدارات العامة عن مهماتها. فهل الأمر مقصودٌ أم تحتاج السلطة إلى من يلفت نظرها، لتعيد الحياة الإدارية الى سكتها الصحيحة؟

خطأ السلطة يكمن في نقل المسار الطبيعي للمشاريع من الإدارة العامة إلى مجلس الوزراء، بحيث يحمل كل وزير المشاريع التي يريد بحثها، إلى مجلس الوزراء، فيشبعها بحثاً ودرساً مع زملائه، ليخلصوا إلى الموافقة أو الرفض. ويستند الوزراء إلى آراء مستشاريهم ومن يديرون مكاتبهم الوزارية، معتقدين أن منصب رئاسة الهرم الإداري تعني "تحويل الإدارة إلى رأس بلا جسم"، على حد توصيف مصادر قانونية. وهذا التحويل، وفق المصادر، يحصل في ظل فرض القانون الإداري "تأشير المدير العام على المشاريع وتمريرها في الإدارة العامة. إذ إن انطلاقة المشاريع لا تبدأ من عند الوزير شخصياً".

بالتالي، ليس من اختصاص الوزير دراسة المشاريع، فوزير الشؤون الاجتماعية على سبيل المثال لا الحصر، ليس من اختصاصه دراسة مشروع يتعلق ببواخر الطاقة، وليس مطلوباً منه الإلمام بتفاصيل تقنية تتعلق بمشاريع الطاقة. وليس من اختصاص الحكومة أن تقبل أو ترفض مشروعاً ما، فصلاحيتها تكمن في إقرار قبول أو رفض المشروع "بناءً على ما تشير إليه الإدارات العامة، ولا توافق أو ترفض خلافاً لرأي الإدارة. من هنا، فإن دور الحكومة يكون سياقاً طبيعياً لدور الوزير الذي يطلع حكومته على نتائج الملف بعد مروره في الإدارة العامة"، تضيف المصادر. وبتعبير أدق، فإن الإدارة العامة، كجسم متكامل، هي التي توافق أو لا توافق على المشاريع. عليه، كيف يناقش الوزراء داخل الحكومة مشاريع لا تمر بالإطار الإداري السليم؟

تجاوز حكومات ما بعد الطائف، ووزرائها، للإدارة العامة، يعيدنا بالذاكرة إلى قرار لمجلس الوزراء إتّخذ مطلع العام 1977، ويقضي بالموافقة "بصورة استثنائية على اتخاذ القرارات والتدابير التي تقتضيها الظروف الراهنة". وموافقة الحكومة على تبنّي إجراء إداري غير منوط بها في الأصل ارتكز على أن "ضرورة التصدي للمشاكل والقضايا العامة، تستوجب السرعة وتجاوز الروتين والشكليات وبعض الأصول والقوانين والأنظمة". غير أن الموافقة على هذا التجاوز جاءت مشروطة بالظروف القاهرة، وهي حالة الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975، فتضمّنت الموافقة عبارة "على أن يسوى الأمر فيما بعد بتشريع لاحق"، أي بعد إنتهاء الحرب، وذلك ما لم يحصل حتى الساعة.

وتعيد المصادر عدم صدور تشريع يعيد الأمور الإدارية الى نصابها، إلى رغبة السلطة "تسهيل اتخاذها القرارات بعيداً عن الرقابة الإدارية". فداخل جلسة الحكومة، تعمل أحزاب السلطة على طرح المشاريع وتحاصصها، بغض النظر عن قانونيتها وعن دور الإدارة العامة في إعدادها وتدقيقها ومراقبتها. وهذا التغييب المتواصل لدور الإدارة العامة، عزز دور من يسمونهم مستشارين، وهم في الحقيقة موظفون يضفون طابعاً علمياً زائفاً على قرارات الوزراء. وأبرز أبطال هذه البدعة، بعض التيارات التي أتت الى السلطة رافعة راية استعادة دور مؤسسات الدولة، لكن في الحقيقة، تلك التيارات تقضي على ما تبقّى من مؤسسات في الدولة عن طريق إطلاقهم "منصّات جانبية ليس لها أنظمة إدارية ومالية، ومنها ما يُسمّى بمراكز وهيئات ومكاتب يديرها مستشارون يموّلون عبر عقود المشاريع. علماً أن للوزير حق تعيين مستشارين اثنين، يستأنس برأيهما فقط، وليس له أن يستند في قراره إلى رأيهما، فرأيهما ليس حجّة على الإدارة العامة او أي جهة رسمية".