التجديد لبواخر الطاقة: كيف نجح باسيل وفشل الجميع؟

خضر حسان
الثلاثاء   2018/05/22
جبران باسيل هو عرّاب مشروعي البواخر ومقدمي الخدمات (علي علوش)

أثبت وزير الخارجية جبران باسيل أنه يستطيع فرض ما يريد في ملف الكهرباء، وما لا يستطيع فرضه بالقوة يفرضه بتقديم كسرةٍ من الصفقات إلى بقية الأطراف الممثلة في الحكومة. ففي لعبة التحاصص اللبنانية لكل شيء سعره، ومهما ارتفع سقف الحديث عن مكافحة الفساد، فإن تقاسم الصفقات كفيلٌ بخفضه.

نجاح باسيل يعود إلى كونه صاحب الخطة التي أتت بمشروع شركات مقدمي الخدمات وبواخر الطاقة، وهو الوزير الفعلي لحقيبة الطاقة التي يعتبرها "ضمانة حقوق المسيحيين". وهذا النجاح برز، الاثنين في 21 أيار 2018، مع إقرار مجلس الوزراء قبل أقل من 24 ساعة على تحوّله إلى حكومة تصريف أعمال، التجديد لبواخر الطاقة لمدة 3 سنوات. فالتجديد ينسف القرار السابق للحكومة، القاضي بعدم التجديد وعدم استجرار بواخر جديدة. وفي الوقت عينه، يطرح التجديد مقارنة مع القرار السابق، تساؤلات في شأن سبب تغيير الحكومة رأيها في الساعات الأخيرة.

على أن السؤال الأغرب هو سبب تغيير وزراء القوات اللبنانية وحركة أمل وحزب الله رأيهم الرافض البواخر. إذ إن وزير المال علي حسن خليل اشتبك مراراً مع وزير الطاقة سيزار أبي خليل، بشأن موضوعي مقدمي الخدمات والبواخر، وأكد وجود صفقات وسمسرات وهدر للمال العام في المشروعين. وهذه النتيجة، تُترجم ما قاله النائب وليد جنبلاط عن أنه في اجتماع الحكومة "يطل مجدداً بند البوارج التركية. إنهم يستميتون لتمريره، وحذار من هذه اللعبة الجهنمية للمصالح المشبوهة". أما تحفظ وزراء أمل، ومطالبة وزير المال بالاطلاع على دفتر الشروط مرة ثانية قبل تحويله إلى إدارة المناقصات، فليس سوى محاولة لإظهار أن الانتقال من الرفض إلى الموافقة، أتى نتيجة بحث وتدقيق.

أبي خليل الذي يُعتبر وكيلاً لباسيل في وزارة الطاقة، سارع إلى استثمار قرار الحكومة حيال البواخر، والمترافق مع "تفويض وزير الطاقة شراء طاقة مستعجلة لدير عمار والزهراني بدفتر شروط يعرض على مجلس الوزراء". وبرأيه، الإقرار يعني أن "كل ما حُكي في موضوع الكهرباء ذهب مع الرياح، ويثبت أن كل المناورات السابقة كان هدفها عدم تأمين الكهرباء قبل الانتخابات". أما صمت بقية الأطراف السياسية، فيعني أنها مشاركة في الصفقة، إما بالموافقة المباشرة، وإما بالسكوت عنها. وبالفعل، السكوت يظهر أن المعارضين كانوا يريدون عرقلة المشروع لغايات سياسية فحسب. وحين طويت صفحة الانتخابات وبات من الضروري جلوس الجميع إلى طاولة واحدة، عادت صيغة التحاصص وخفتَ الاعتراض.

التجديد لصفقة البواخر، وإظهارها كحل توافقي لأزمة الكهرباء، لا يعني صحّتها، بل يُظهر حجم الهدر الذي سببته الصفقة على مدى سنوات. فالتجديد هو إدانة للحكومة وليس عملاً إيجابياً، لأنه ترافق مع إقرار الحكومة عقد "وزارة الطاقة إتفاقاً مع شركة كارادينيز التركية، على استقدام باخرة ثالثة خلال شهر، من أجل انتاج نحو 200 ميغاوات مجاناً". وهو ما تراه مصادر في وزارة الطاقة "تستّراً على فضيحة الكلفة المرتفعة التي ربحتها الشركة على مدى سنوات".

وترجّح المصادر أن تكون جلسة الحكومة قد شهدت "سجالاً بين الأطراف السياسية بشأن الكلفة المرتفعة، فجاء الحل بصيغة ميغاواتات مجانية، تكون بطريقة غير معلنة، كتخفيض للكلفة، لأن إعلان التجديد بكلفة منخفضة، وبشكل صريح، سيفضح أمر العقود السابقة التي ستنتهي مع نهاية أيلول 2018". وتشير المصادر إلى أن "تخفيض كلفة البواخر على مدى 5 سنوات سابقة، كان بإمكانه أن يحقق وفراً للدولة، بقيمة 200 مليون دولار".

كذلك، إقرار الحكومة أن "ادارة المناقصات هي التي ستشرف على دفتر الشروط، لضمان أوسع منافسة"، هو إدانة جديدة لها، إذ إن أطرافها انقسمت بين مؤيد لمخالفة القانون وساكت عنه. والمعترضون غسلوا عار الاعتراض بموافقتهم على التجديد. وفي مقابل هذا القرار، لم يجد أبي خليل حرجاً في إعلان تأييده مخالفة القانون، إذ شدد على أن "ادارة المناقصات ليست هي المعنية بهذا الموضوع"، وأن قرار الحكومة "هو مخالفة". كما أن عدم تطرق الحكومة لمسألة ضرورة خفض السعر بعد التجديد، وذلك نتيجة استهلاك المولدات على مدى سنوات، ونظراً لغياب كلفة الاستقدام، هو هدر إضافي للمال العام. وتكشف المصادر عن كتاب وُجّه إلى مؤسسة كهرباء لبنان، يلفت انتباهها إلى أن المصاريف الثابتة واستهلاك المولدات وما إلى ذلك، أمور يجب أن تُخفّض السعر، إلا أن ردّ المؤسسة كان: "هذا التحليل كلام إنشائي".

بالتوازي مع صفقة البواخر، أقرت الحكومة تحويل عقد معمل دير عمار من عقد تعهّد إلى عقد شراء طاقة، وذلك عبر تحويل الاتفاقية مع الشركة المنفذة معمل دير عمار إلى نظام BOT، على أن تعود ملكية المعمل نهائياً إلى الدولة اللبنانية بعد 20 عاماً، تشتري خلالها الكهرباء من المتعهد. أما السعر، فسيكون 2.95 سنتاً للكيلووات الواحد. ومقارنة مع سعر البواخر، أي 5.85 سنت للكيلووات، فإن التفاوت الكبير بين السعرين، هو فضيحة أخرى تسجل للسلطة الحاكمة في مسألة الأسعار.