لنستحقّ الإحترام قبل الدعم

عصام الجردي
الإثنين   2018/03/05

إطمأنت السلطة الى موافقة الحكومة السعودية ودول خليجية أخرى على حضور المؤتمرات الثلاثة في روما وباريس وبروكسل، لدعم تسليح الجيش اللبناني، وتوفير قروض ميسرة طويلة الأجل لتمويل جزء من مشاريع البنية التحتية، ولدعم تمويل النازحين السوريين. وبينما تناقش الحكومة قضية شائكة لخفض نفقات موازنة 2018 بواقع 20% كما طلب رئيس الحكومة سعد الحريري، بهدف إقرارها وصدورها قانوناً عن مجلس النواب، فوجئنا بأن الحكومة نفسها لا تملك معطيات واقعية عن حجم النفقات في الموازنة. خصوصاً لناحية تكلفة سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام. ولا عن نفقات كهرباء لبنان والعجز المتوقع فيها. وبالتالي عن العجز المقدر في الموازنة. وفي كل يوم تنبت عندنا قضية خلافية مؤسسية تصدع ما تبقى من ثقة المواطن بدولته وبـ"حكومة استعادة الثقة". وتكشفنا أمام الخارج الذي نطالبه بتقديم الدعم المالي والسياسي للدولة الهشة. قضية توقيف المسرحي زياد عيتاني في أي اتجاه سارت، تبقى فضيحة مدوية أخطر من العجز المالي. ولا يتردد أركان السلطة في محاولات إثارتها على خلفية الانتخابات النيابية المفترضة في أيار المقبل. وتكفي هذه القضية بذاتها في دولة يحكمها دستور ومؤسسات لإطاحة رؤوس في أعلى هرم السلطة. مؤتمر روما سيبحث أيضاً دعم القوى الأمنية. فأين هي البيئة المؤسسية لعمل المؤسسات الأمنية؟

نبدأ بمحاولات خفض نفقات الموازنة. لم تكن صعوبة الخفض الى حد الاستحالة مفاجأة. حسابات النفقات الجارية على الرواتب وفوائد الدين تتجاوز 70%. ولا تترك هامشاً واسعاً للخفض. بقية النفقات نحتاجها جهداً محلياً للاستثمارات العمومية وصيانة المرافق العامة. وخصوصاً إنها شرطية للحصول على أي نوع من القروض الميسرة. سواءٌ من الدول المفترض إسهامها في مؤتمر باريس، أو من الصناديق العربية والمصرف الدولي والمصرف الاوروبي للاستثمار وغيرها. وجميعها لا تحضنا على خفض نفقات الموازنة فحسب. بل وعلى اصلاحات باتت معروفة. في مقدمها وقف الإهدار المالي، وتحسين الأطر المؤسسيةن وادارة الدين العام، وخفضه الى الناتج من نحو 150% كما يقدّر الآن. الفساد في مقدم اجراءات الخفض. وكذلك إحداث انقلاب في ملف كهرباء لبنان. عبء العجز الأكبر.

ما الذي حصل ويحصل على الصعد المذكورة؟

أولاً: فوجئنا أن العجز الذي كان مقدراً في مشروع موازنة 2018 قد يبلغ مع عجز الكهرباء بنحو 12 ألف مليار ليرة لبنانية. وأن نفقات سلسلة الرتب والرواتب قد تتجاوز 1900 مليار ليرة بدلا من نحو 1300 مليار كانت مقدّرة سابقاً. يعني ببساطة، ارتفاع النفقات الجارية في الموازنة، ومزيداً من العقبات لتحقيق الخفض المستهدف. نفقات الكهرباء يفترض إنها كانت واضحة منذ البداية. مع ذلك، أريد لنفقات الكهرباء أن توضع من خارج الموازنة، نستجر تمويلاً بسلفات خزانة مفتوحة. لا مؤسسة الكهرباء قادرة على إيفائها بموجب الدستور، ولا نفقات الكهرباء من خارج الموازنة تنسجم من الدستور وشمولية الموازنة. الإصرار على ترك ملف الكهرباء على حاله، وتأمين التيار من البواخر بتكلفة تصل الى نحو 1800 مليون دولار اميركي، رغم المخالفات الصريحة للدستور، ولقانون المحاسبة العمومية، يبقيان الحديث عن أي خفض للنفقات مضيعة وقت في المكان الخطأ.

ثانياً: سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام استهلكت سنوات من المناقشات والاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار. وقيل إن تكليف المصارف نحو 700 مليون دولار اميركي ضريبة استثنائية على أرباح الهندسة المالية باتت تغطي الجزء المنقوص من تكلفة السلسلة. ويتكشف أن نفقاتها فوق 1900 مليار ليرة. من العجائب اللبناية، إن المدارس الخاصة بقيادة اتحاد المدارس الكاثوليكية، الذي استجمع حوله كل المدارس الدينية الأخرى، أعلنت العصيان المالي، ورفضت تطبيق القانون رقم 46 المتعلق بالسلسلة. وراحت هذه المدارس تطالب بدعم مالي لتمويلها من المكلف اللبناني. وليس بالضرورة أن يكون مستفيداً من المدارس الخاصة الكاثوليكية والاسلامية عموماً. بينما تهمّش المدرسمة الرسمية. وتكملة للعجائب، قيل إن اتحاد المدارس الكاثوليكية تلقى وعداً من كبار المسؤولين بدرس اقتراح دعم المدارس الخاصة من مال الخزانة والمكلف اللبناني. ولم تستأهل الفوضى العارمة التي تعصف بالقطاع التعليمي اضرابات واعتصامات وسواها من مجلس الوزرء، جلسة لمناقشة الملف التربوي في عزّ الموسم الدراسي.

ثالثاً: في المقابل، شرعت الحكومة في مناقشة المسّ بملاحق الأجور والرواتب في القطاع العام العام. وهي مكرسة جزءاً لا يتجزأ من الراتب وحقوقاً مكتسبة. ذلك أن المنح وملاحق الرواتب، كانت جزءاً لا يتجزأ من  المفاوضات على السلسلة والدرجات وتصحيح الرواتب. الحكومة استندت اليها لخفض تصحيح الرواتب، وراعى موظفوا القطاع العام هذا الأمر. يعني إن السلسلة التي لم تطبق في قطاع التعليم الخاص والعام، وحرم منها العاملون في قطاعات المصالح المستقلة والمؤسسات العامة الخاضعة لقانون العمل، يتم الارتداد عليها على نحو جائر بالمس بالتقديمات والحقوق المكتسبة. وكل ذلك قبل أن نكتشف الزيادة في تكلفة السلسلة. وتريد الحكومة أن تقول أن خفض الـ20% متاح لها حتى من الهامش الضيق من نفقات الحسابات الجارية في الموازنة.

رابعاً: لأن الحكومة لا تمارس رقابة فعلية، على الجمعيات التعليمية والغوثية الممولة منها، ومعظمعها يعود لمؤسسات ذوات طابع ديني محمية سياسية، تناقش وقف تمويل تلك الجمعيات أو خفض تمويلها. ومن بينها من يقدم خدمات فعلية لذوي الاحتياجات الخاصة، وخدمات تعليمية للفئات الأكثر فقراً. بينما المطلوب إقفال الجمعيات الوهمية المرتبطة بالسياسيين وأصحاب النفوذ. ويدور كباش شديد داخل الحكومة على هذا الصعيد. هو معلم من معالم ضعف الدولة ومؤسساتها، وعدم قدرتها على تحديد أهداف النفقات العامة ووصولها الى غاياتها. يشتد الصراع أكثر في موسم النتخابات نيابة.

خامساً: وسط كل "هذه الزحمة" لانجاز موازنة في الوقت الضائع بعد أن نفدت المهل الدستورية، وللذهاب بقانون موازنة الى مؤتمر باريس، ربما اعتقدت الحكومة ان خفض النفقات عشوائياً من غير مطارحها الممكنة والمطلوبة، يمكن أن تزينه اصلاحات تقدمها الى المؤتمر. وهي تعلم أن الأمر ليس كذلك. ولو فعلا ذلك لاستحققنا مزيداً من الشفقة من المؤتمر على حالنا المزرية. لنرجع أسابيع الى الوراء. هل تذكرون قطوع الحسابات ومخالفات الدستور في موازنة 2017، وموال العجز والدين والكهرباء؟ ماذا تغير في مناقشات موازنة 2018؟ لنستحقّ الاحترام قبل الدعم!