نحتاج الدعم مع القروض الاستثمارية

عصام الجردي
الإثنين   2018/03/12
الانطباعات التي خرجت بها بعثة صندوق النقد إلى لبنان من النوع الخطِر (Getty)

لم يفلح مجلس الوزراء في المسّ بعلاوات الرواتب للعسكريين في الجيش والقوى الأمنية التي يتحصلون عليها بموجب التدبير رقم 3، الذي تفرضه مهمات استثنائية تقرر تبعاً للظروف الأمنية المعمول به منذ سنوات. وهو يرتب للعسكريين والأجهزة الأمنية تعويضات تقاعد كبيرة على أساس سنوات ثلاث في مقابل كل سنة، في وقت أكد فيه مجلس الدفاع الأعلى على حقوق العسكريين والقوى الأمنية، ونوّه بدور الجيش والقوى الأمنية.

لا أحد كان يتوقع نتيجة مغايرة لما تقرر. وكان من الطبيعي ألاً يتحقق ما رغبت به الحكومة بخفض 20% من نفقات موازنة 2018. الولوج إلى ملف نفقات القوى العسكرية والأمنية في هذه الظروف، يفتح الباب أمام ملف شائك ومعقد حتى لو توافرت الارادة السياسية. الأسهل في هذا الملف هو التعويضات والرواتب وملاحقها. فهي متاحة ومعروفة وترصد لها الاعتمادات وتنفق. النفقات الأخرى على الأجهزة الأمنية وشراء العتاد ونوعيته تبقى خارج التداول لأسباب تتصل بالمصلحة الوطنية العليا.

المجال يضيق أكثر في وجه الحكومة والسلطة للعبث في هذا الملعب. حتى ولو كان الأمر بدعوى الاصلاح المالي. فالأخير يبدأ بالحوكمة الرشيدة. والشفافية والنزاهة في ادارة أموال الدولة ونفقاتها وجدواها. مصطلحات غدت أشبه بقوانين دولية قبل الدخول الى الألفية الثالثة. صلبها مكافحة الفساد. ولا يستقيم تحريف الاصلاح والبحث عنه في المناطق الخطأ. أكان لخفض النفقات أم لترشيد الموازنة. قيادة الجيش والأجهزة الأمنية يفترض إنها تملك خزيناً من المعلومات عن مواطن الفساد في القطاع العام. وعن مسارب المال وسبل استثمارها في الداخل والخارج. وكلها عمليات مصنفة غسيل أموال وجرمية. صحيح أن الأجهزة الأمنية مشمولة بالسرية المصرفية. لكن طبيعة مهماتها تفترض علمها بتلك العمليات حماية للأمن الوطني والمصلحة الوطنية العليا. ولها في ذلك مداخل ومعارج. وتعلم تلك الأجهزة لا ريب، أن السياسيين وأصحاب النفوذ هم حراس قبو الفساد وحماته، سواءٌ من المال العام، أم بالتواطؤ عليه مع القطاع الخاص "خدمة للعيش المشترك والمصلحة الوطنية"!

ومن سوء الطالع، أن للمصلحة الوطنية معاييرها ما دامت السلطة السياسية في قفص الاتهام وفي موقع القرار يسري على كل المؤسسات بما في ذلك القوى العسكرية والأمنية. أو هكذا يفترض حداً أدنى. أما أن تضل السلطة طريقها في سياق سعيها الى خفض النفقات من حقوق للعسكريين والقوى الأمنية، وملفات الفساد تحت أعين هذه الأخيرة وأبصارها، فالأمر مختلف تماماً. يسري ذلك على حقوق موظفي الدولة في الأسلاك المدنية. لذلك بات على الحكومة ورئيس الجمهورية البحث عن المال الخبيء في أقبية الفساد لو أرادا اصلاحاً حقيقياً في المكان الصحّ.

يقول شون هاجان المستشار القانوني لصندوق النقد الدولي، إن الصندوق قرر في 2014، استئخار صرف قرض معقود مع جمهورية مالي، بعدما اتضح لديه شراء طائرة رئاسية جديدة من دون إدراجها في الموازنة. ما أدى إلى عملية تدقيق محاسبي تمخضت عن إلغاء تعاقدات ملتبسة أخرى، والى تشديد إجراءات الموازنة والمشتريات الحكومية. "كما جمدنا إقراض موزمبيق في 2016، إلى حين إدخال تحسينات على عمليات تدقيق المحاسبة ومستوى الشفافية، بعد التعاقد غير المعلن على دين خارجي تجاوزت قيمته مليار دولار أميركي".

الانطباعات الأولية التي خرجت بها بعثة صندوق النقد الدولي الأخيرة الى لبنان، ووضعت في تصرف المسؤولين قبل صدورها تقريراً نهائياً في غضون أسابيع، كانت من النوع المختلف والخطِر. ما استدعى يقظة غير مسبوقة لخفض النفقات. وقيل إن الحكومة توصلت إلى خفض بما يوازي مليار دولار اميركي في مشروع موازنة 2018. كل هذه الضجة، وعجز الكهرباء المقدر في 2018 نحو مليار ونصف مليار دولار أميركي. على عنت فكر صندوق النقد الدولي الاقتصادي- السياسي، ما زال يتعاطى "بتهذيب مفتعل" مع لبنان. أبلغ المسؤولين مراراً وتكراراً وجوب وقف الإهدار المالي. "التعبير المهذب" عوض مفردة الفساد. وتصر الحكومة عبثاً على التفتيش عن الإبرة في كومة القشّ لخفض نفقات حقيقي ومتاح، يقدّر بأكثر من 3 مليارات دولار اميركي سنوياً لو حزمت أمرها وراحت إلى قبو الفساد السياسي- المالي. يهزأ منا "إبليس إذ نطالبه بتخريب بيته". ونهزأ من ذواتنا إذ نطمح إلى دولة ومؤسسات حكومية شفافة، في نظام بائس وجائر سياسياً وأخلاقياً وانسانياً. وقد بات يهدد بتقويض الدولة كياناً ووطناً.

ستقر موازنة 2018 كيفما كان. وستصدر قانوناً من مجلس النواب، ونذهب بها الى روما وباريس. وبعدهما الى بروكسل. الحضور الخليجي كلياً أو جزئياً في المؤتمرات الثلاثة لاسيما في باريس، تأمن بضغط من دول الاتحاد الاوروبي وخصوصا فرنسا وبريطانيا بدرجة أقل. ومن الولايات المتحدة. وما كانت المؤتمرات المذكورة لتعقد لولا ذلك. ربما باستثناء مؤتمر روما لدعم الجيش والقوى الأمنية، لعلاقة الأمر المباشرة بالمصالح الجيوسياسية في المنطقة. لكن ملف الوضع المالي والنقدي والاقتصادي عموماً، بات هو الآخر في متناول الدول الغربية. وربما غدا تحركها في اتجاهه من ضمن اهتماماتها الجيوسياسية في المنطقة أيضاً. نظراً إلى دقته وتداعياته المفتوحة على احتمالات شتى، لو لم تمد يد الدعم إلى لبنان.

ومن يدري، قد تغض دول الاتحاد الاوروبي الطرف عن قضية الاصلاحات، لعلمها باستحالة ذلك في موازنة 2018، وفي سنة انتخابية يستغرقها شهور لاعادة تركيب المؤسسات الدستورية. نحن بحاجة ماسة الى القروض الميسرة لتمويل لائحة مشاريع الحكومة للبنية التحتية. لكننا نحتاج أيضاً إلى دفق نقدي جديد وملح لدعم ميزان المدفوعات وسياسة تثبيت سعر الصرف. المشاريع الاستثمارية تحتاج إلى سنتين أو ثلاث لتثمر. وتوظيف أثرها المعنوي والنفسي المحتمل في مراحلها الأولى، يبقى رهن الظروف. وتبقى الحلول الجِدية في مكان آخر.