الحريري وباسيل: "سيدر" ملاك الإقتصاد.. والنازحون شياطينه

خضر حسان
الخميس   2018/12/13
الحريري وباسيل معاً في لندن بحثاً عن مستثمرين (الوكالة الوطنية)
حَمَل أرباب النظام الإقتصادي المنهك، تحليلاتهم الإقتصادية وخشبة خلاصهم، المتمثّلة بالقروض الدولية، وإفترشوها في منتدى رجال الأعمال والاستثمار اللبناني – البريطاني، الذي انعقد يوم الأربعاء 12 كانون الأول في لندن. ومن هناك كرّر رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل، ومعهما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، ورئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد، أنّ الطبقة الحاكمة متمسكة بمؤتمر سيدر، وتدعو المستثمرين البريطانيين إلى الإستثمار في لبنان، كترجمة مُسبقة للثقة الدولية التي يمثّلها سيدر.

واقع الإستثمارات
يحاول الوفد اللبناني إلى بريطانيا، طمأنة المجتمع الدولي حيال إلتزام لبنان بمقررات مؤتمر سيدر، والقول أن تأخير تنفيذ المقررات بفعل تأخير تشكيل الحكومة، ليس سوى عقبة بسيطة ومرحلية، لا تعني إهمال لبنان للمؤتمر الدولي. لكن الوفد اللبناني غفل حقيقة تسجّلها الأرقام، وهي أن ثقة المستثمرين لا تأتي عبر كلام معسول، وإنما عبر إنجازات ملموسة تحفّز الإستثمار، منها الإستقرار السياسي والأمني، وتأهيل البنى التحتية المشجعة للإستثمارات. وهذه العوامل تتأرجح في لبنان بشكل دائم.


وفي تقرير بعنوان "مناخ الإستثمار في الدول العربية للعام 2018"، الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الإستثمار وائتمان الصادرات، سجّلت حركة تطور المشاريع الإستثمارية الجديدة الواردة إلى لبنان، تأرجحات حادّة في قيمتها، منذ العام 2003 وحتى العام 2017. ففي العام 2003 كانت قيمة المشاريع الواردة إلى لبنان 2 مليار و649 مليون دولار، وفي العام 2004 هبطت قيمة المشاريع إلى مليار و220 مليون دولار، لتعود إلى الإرتفاع في العام 2006 إلى 2 مليار و22 مليون دولار، لتهبط بشكل حاد إلى 432 مليون دولار في عام بالهبوط تدريجياً إلى 106 مليون دولار في العام 2013، ثم ترتفع بشكل مفاجىء إلى مليار و182 مليون دولار في العام 2014 ثم تنخفض إلى 75 مليون دولار في العام 2015، وتصل إلى 74 مليون دولار في العام 2017. والتحرك الحاد إرتفاعاً وهبوطاً يؤشر إلى عدم إستقرار تدفق الإستثمارات الجديدة. وهذا يرتبط بشكل رئيسي بالأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، فضلاً عن المقاطعة الخليجية للبنان.





كما أن التحرّك لجذب الإستثمارات العالمية، لابد وأن يرتبط بتخطيط يلحظ القطاعات، التي يجب توجيه الإستثمارات إليها، وهي بالطبع ليست القطاعات التي ينشط فيها أرباب النظام الإقتصادي. فهؤلاء يركّزون إهتماماتهم بشكل أساسي على العقارات والإتصالات والخدمات المالية، في حين يتناسون القطاعات الإنتاجية. وحسب التقرير، يحتل قطاع العقارات رأس المشاريع الإستثمارية، حيث بلغت قيمة الإستثمارات فيه مليار و64 مليون دولار، بين كانون الثاني 2013 وكانون الأول 2017. وفي الفترة عينها، بلغت قيمة الإستثمارات في قطاع الإتصالات 181 مليون دولار، وفي الخدمات المالية 63 مليون دولار. في حين بلغ الإستثمار في المنتجات الإستهلاكية 21 مليون دولار، والمشروبات 19 مليون دولار والصيدلة 14 مليون دولار.

شمّاعة النازحين
لا يعترف سياسيو لبنان بأن جوهر الأزمة السياسية والإقتصادية تكمن داخل الجسد اللبناني، بل يرمون بالأسباب على النازحين السوريين، الذين باتوا شمّاعة مناسبة لتحييد المسؤولية عن الطبقة الحاكمة. وبرأي الحريري، فإن "الوضع الإقتصادي اللبناني واقع تحت وطأة ضغط كبير، بسبب الأوضاع المتأزمة في المنطقة، وان التحديات التي نواجهها تتفاقم بسبب إستمرار وجود مليون ونصف المليون من النازحين السوريين للسنة الثامنة على التوالي". 


لكن كلام الحريري في المنتدى، لم يأتِ على ذكر عملية التدمير الممنهجة، التي تعتمدها الطبقة السياسية التي يمثّلها، للبنى التحتية الضرورية لجذب الإستثمارات، منذ ما قبل العام 2011، أي قبل وجود أزمة النازحين. وعملية التدمير تشمل خصخصة مؤسسة كهرباء لبنان، وتلويث الأنهار ومصادر المياه، فضلاً عن إهمال تنمية مناطق الأطراف، والتي تدخل عملية شق الطرقات وتأهيلها، من ضمن تلك التنمية.

الحديث عن وجود النازحين الذي وسّع دائرة مزاحمة العمالة الأجنبية للعمالة اللبنانية، لم يقابله إعتراف بعدم تطبيق القوانين، التي تحمي اليد العاملة المحلية في ظل المنافسة الأجنبية، وعلى رأسها قانون العمل، الذي يفرض على أرباب العمل تسجيل العمال في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، والإلتزام بعدم إعطائهم أقل من الحد الأدنى للأجور. إلى جانب أولوية تشغيل اللبنانيين. وفي حال تطبيق القوانين، يُصبح رب العمل ملزماً إلى حد كبير بتشغيل اللبنانيين، ما يحد من المنافسة، من دون إلقاء اللوم على النازحين السوريين أو غيرهم.

أحلام سيدر
رغم الفساد المستشري، والهدر المستمر للمال العام، وفضائح الصفقات التي تحصل خارج الأطر القانونية، يصرّ الحريري على تلميع صورة البلاد العاجزة عن تأليف حكومة، أمام مجتمع دولي بات يبحث إمكانية العيش على المريخ. فجلّ إهتمامات الحريري هي تحقيق حلم سيدر الذي سيوفّر، برأيه، "فرصاً حقيقية للمستثمرين" الذين يدركون وجود تلك الفرص.

بدوره، أكمَلَ باسيل رسم الأحلام الوردية، داعياً المستثمرين البريطانيين إلى المساهمة في المشاريع التي ستُنفّذ تحت راية سيدر، ومنها "توسيع مطار بيروت وإعادة تأسيس مطارات رياق والقليعات وحامات، وتوسيع الموانئ التجارية في بيروت وطرابلس وصيدا، وإطلاق مرفأ سياحي في جونية، وإحياء مشروع السكك الحديدية التي تربط لبنان وسوريا والعراق والأردن، وإنشاء المناطق الحرة على الحدود السورية اللبنانية والطرق الدولية. إلى جانب ربط لبنان مع سوريا والعراق والأردن ومصر وتركيا، مع شبكه الطاقة من النفط والغاز والكهرباء والمياه".

غير أن قنبلة باسيل الشعريّة كانت بقوله للبريطانيين: "نجحنا معاً في إدارة الأزمات، ونريد أن ننجح معاً في حل الأزمات، ونحن هنا مع الحريري كي نوجه لكم رسالة إيجابية وهي أن تثقوا ببلادنا". فهل فعلاً يظن باسيل بأن البريطانيين والمجتمع الدولي لا يدركون حقيقة الوضع اللبناني، والنجاحات الزائفة التي يتحدث عنها هو والحريري ومن يرافقهما؟.

لم يعد أهل السلطة في لبنان يُبصرون أمامهم سوى النور المقبل من مؤتمر سيدر. كيف لا، والأموال الآتية عبره ستكون وقوداً لجيوبهم؟. على أنّ السقوط سيكون مدوياً لمنظومة سياسية وإقتصادية تُغرق البلاد في فوضى دائمة، وتُلقي بالمسؤولية على "الغرباء".