نحو إلغاء سلسلة الرتب والرواتب

خضر حسان
السبت   2018/11/17
سلسلة الرتب ستُلغى بشكل غير مباشر عبر إستبدالها بسلسلة جديدة (علي علوش)

لم تقرّ السلطة السياسية سلسلة الرتب والرواتب، في تموز من العام الماضي، إلاّ بعد تفريغها من مضمونها ووضع أفخاخ داخلها، على مدى خمس سنوات، منذ العام 2012. وأولى تلك الأفخاخ هي الزيادات العشوائية، التي أعطت بعض موظفي الدولة نسبة زيادات وصلت إلى 140 في المئة، في حين أن بعضاً منهم نال ما لا يتجاوز 40 في المئة.

التلاعب
القنبلة الموقوتة، التي هدّدت على مدى عام بإنفجار ملف السلسلة، هي عدم شمول تنفيذ القانون  المتقاعدين قبل نفاذ قانون السلسلة، وبشكل أساسي المتقاعدون في التعليم الثانوي الرسمي، وفي الأسلاك العسكرية. وعليه، فقد صنعت السلطة فجوة بين المتقاعدين قبل نفاذ القانون وبين المتقاعدين بعده، وتحديداً في ما يتعلق بالتلاعب بالمادة 18 من القانون، وذلك عبر قرار أصدره وزير المال علي حسن خليل في أيلول الماضي. بل أنّ السلطة لم تنفّذ حتى التلاعب المخالف للقانون، فكان أن أعطت دفعة واحدة من الزيادة، من أصل ثلاث دفعات، وأعطت جزءاً من الدفعة الثانية، ويبدو أنها تتجه لعدم دفع الجزء الثالث الذي يستحق مطلع العام 2019.

الهيئات الإقتصادية
التهرّب من تنفيذ القانون ليس منفصلاً عن خطة أكبر مرسومة سلفاً، تهدف إلى تغيير آلية إدارة قطاعات الدولة، على نحو يشمل تغييراً في كيفية التوظيف وشروطه، وحجم الرواتب، والتقديمات الاجتماعية والصحية والتربوية. وتقود "الهيئات الإقتصادية" تلك الخطة وتحثّ عليها، متسلّحة بتوصيات المجتمع الدولي، المعبّر عنها في المؤتمرات الإقتصادية، وآخرها مؤتمر سيدر. وجوهر تلك التوصيات هو توسيع نطاق الخصخصة وتحجيم القطاع الرسمي.

وعلى ضوء ذلك، إستعادت الهيئات الإقتصادية وأحزاب السلطة الحديث عن الكلفة المرتفعة التي راكمتها السلسلة على خزينة الدولة، فضلاً عن صعوبة ضمان إستمرارية تأمين كلفة السلسلة، على مدى السنوات المقبلة. بمعنى آخر، هذه "الهيئات" والسلطة يعملان للالتفاف على السلسلة ومفاعيلها، بعد فشلهما في منع إقرارها أصلاً.

لكن تحالف الهيئات والسلطة، يتجاهل دائماً الحلول التي يقدّمها التيار النقابي المستقل، لإستمرار تمويل السلسلة، وذلك عبر إستعادة حقوق الدولة من المعتدين على الأملاك العامة البحرية والنهرية والبرية، ووقف الهدر والفساد، وضبط جشع القطاع المصرفي. ويصرّ التحالف على تمويل السلسلة من الضرائب التي تفرض على المواطنين، ووقف الدعم الرسمي لقطاعات الدولة، وعلى رأسها الكهرباء. وذلك سبيل من سبل الإمتثال لتوجهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وإنطلاقاً من هذا التوجّه، حملت أحزاب السلطة والهيئات الإقتصادية، وعلى رأسها رئيس غرفة تجارة بيروت محمد شقير، ورقة الى رئيس الجمهورية ميشال عون، تحت عنوان "مدخل إلى خفض العجز وضبط المالية العامة". وقد عبّر المؤتمر الصحافي الذي عقده الحزب التقدمي الإشتراكي يوم الخميس 15 تشرين الثاني، عن مضمون تلك الورقة. وقد تحدّث الحزب بإسم أحزاب السلطة التي وافقت على ما سمّي بالإجراءات المقترحة "لخفض العجز الناتج عن الكهرباء وكلفة سلسلة الرتب والرواتب وتعويضات التقاعد في القطاع العام".

الجيش والحلول
"المسّ بالرواتب التي دُفعت بموجب السلسلة، والتي باتت حقّاً مكتسباً للموظفين، أمرٌ قد يؤدي إلى أزمة عارمة في البلاد. وليس مستبعداً أن يتدخّل الجيش حينها بشكل مباشر، لأن الملف يعنيه أيضاً"، وفق ما يقوله العسكري المتقاعد عماد عواضة، الذي يشير خلال حديث مع "المدن"، إلى أن السيناريو المطروح "ليس إعادة ما تمّ دفعه للموظفين بموجب السلسلة، وإنما وقف تنفيذ القانون، بدءاً من عدم إعطاء المتقاعدين كامل حقوقهم، وصولاً إلى تقليص التقديمات الاجتماعية والتعويضات". ونبّه عواضة إلى أن "هذا التوجّه كان قد سبقه تلويح بإلغاء التدبير رقم 3 الخاص بالعسكريين، والذي يتعلّق بإعطاء العسكريين المتقاعدين زيادات على المعاش التقاعدي، بدل فترات خدمة إضافية قضوها أثناء حياتهم العسكرية، وهو ما يشبه ساعات العمل الإضافية التي يتقاضاها الموظفون، لكن لا يتقاضاها العسكريون شهرياً. غير أن قائد الجيش جان قهوجي حذّر من هذا الإجراء".

إلغاء المنح والمكافآت
تستبعد المنسقة في التيار النقابي المستقل، بهية بعلبكي، أيّ إجراء يلغي ما تم دفعه للموظفين. على أنّ خطورة ما يُحضَّر يفوق خطورة إستعادة الأموال المدفوعة، لأن الخطة البديلة ستؤسّس لضرب بينة القطاع العام. وتؤكّد بعلبكي في حديث إلى "المدن"، أن السلسلة ستُلغى بشكل غير مباشر عبر "إستبدالها بسلسلة جديدة تقر تحت عنوان وضع سلم رواتب موحد لكافة الفئات الوظيفية في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، ووقف التوظيف في القطاع العام خلال العام 2019، وإلغاء مبدأ الساعات الإضافية والمكافآت والتقديمات الإجتماعية، وتوحيد المؤسسات والصناديق الضامنة في القطاع العام، وفقاً للحد الأدنى من التقديمات، فضلاً عن تغيير آلية إحتساب المنح التعليمية وتخفيض نسبة المعاش التقاعدي".

وفي مسألة المنح التعليمية تحديداً، ترى بعلبكي انه من الممكن إلغاؤها، وليس فقط تعديلها أو خفضها، "لكن شرط تطبيق الإلغاء على كل موظفي الدولة، بدءاً من رئيس الجمهورية إلى أصغر موظّف، على أن تصبح المدرسة الرسمية هي مقصد أولاد موظفي الدولة". أما تخفيض المعاش التقاعدي، فهو مطلب يعود أساسه إلى "دراسة أجراها فؤاد السنيورة حين كان وزيراً للمال في حكومة الرئيس السابق رفيق الحريري، خلاصتها تخفيض المعاش التقاعدي إلى 50 في المئة من قيمة معاش كل موظف".

الخطوط العريضة للخطة واضحة، برغم عدم وجود أي إجراء أو قرار رسمي يحدد آلية التنفيذ، حتى الآن. فالتنفيذ لن ينفصل عن بدء تنفيذ مقرارات مؤتمر سيدر، والمتوقف بدوره جرّاء عدم تشكيل الحكومة. فهل يُنذِر تشكيل الحكومة المقبلة بأزمة شعبية شعارها عدم المس بالرواتب والأجور والتقديمات؟