صُلب المخاطر سدنة النظام

عصام الجردي
الأحد   2018/10/28
ملف الكهرباء غدا بالوعة للمال وعجز الدولة والمديونية (علي علوش)
علاوة المخاطر هي التي تخفض تصنيف لبنان السيادي الى -B، وتضغط على تصنيف المصارف والقطاع المالي. لو عددنا عناصر علاوة المخاطر السياسية التقليدية التي تواجه الدول، لجاء في مقدمها العنصر الأمني، معطوفاً على المناخ السياسي المتوتر والقلاقل الاجتماعية. بالإضافة الى مخاطر الاقليم الجيوسياسية ومدى انكشاف الدولة عليها وليس على وجه الحصر. في الحالات التي تجتنب فيها الدول المخاطر السياسية، يأتي حجم الدين العام ونسبته الى الناتج المحلي، ومعدلات النمو والفساد الاداري والسياسي، وانعدام الشفافية والافصاح وليس على وجه الحصر أيضاً، عوامل أساسية يبنى عليها تصنيف الدول. علاوة المخاطر على لبنان فيها من كل العناصر مجتمعة. ما ذكر منها وما سقط. هذا ما لم تواجهه دول بلغت شفا الإعسار المالي أو الافلاس. البرازيل والارجنتين واليونان وقبرص ودول أخرى.

في البلد الجميل المعتدى عليه من حكامه، تأتلف كل تلك العناصر السالبة في حزمة بمخاطر مرتفعة. لم يخطر في بال وكالات التصنيف السيادي، حين وضعت معايير التصنيف، أن تلحظ تصنيفاً لبلد منكوب بكل عناصر المخاطر غير الحميدة سياسياً ومالياً واقتصادياً. وتبقى مؤسساته الدستورية فارغة سنوات وشهوراً، ويحترب ممثلو السلطة فيه واحزابها وتياراتها على مغانم السلطة. ينسحب ذلك على رئاسة الجمهورية وعلى تأليف الحكومة. من دون إسقاط التمديد لمجلس النواب تكراراً. ومنحدر الهوة المالية سحيق.

تقرير وكالة فيتش الذي صدر في أيار 2018 بعد الانتخابات النيابية، توقعت 11% عجزاً في الموازنة الى الناتج المحلي في 2018. نحن نقترب منه في الشهر الحادي عشر من السنة وخلافاً لتقديرات الحكومة 8.5% عجزاً حداً اقصى. لحظت الوكالة أن لبنان يواجه تحديات سياسية ومالية بعد الانتخابات النيابية التي "لن تغيّر الوضع السياسي. وستبقى صناعة السياسات في قيد النظام الطائفي رغم قانون الانتخابات الجديد". واعتبرت أن تأليف الحكومة الجديدة مستبعد في وقت قريب. وأعادت الى الذاكرة تجربة شغور مركز رئاسة الجمهورية 2014– 2016. لبنان شاهد في هذه الفترة على توقعات وكالة فيتش. وهي توقعات كانت هاجساً أصلاً لمعظم اللبنانيين.

نضيف اليها اليوم على وقع توقعات بقرب تأليف الحكومة، أن قليلاً من الحكومة يرتجى في الشأنين المالي والاقتصادي، ما برحت القوى السياسية التي عطلت تأليفها، يكيد بعضها للبعض الآخر، ولن تكون قادرة على الاصلاحات الجذرية المالية والادارية اولاً، كي ننتقل الى الاصلاح الاقتصادي وتنفيذ المشاريع البنيوية ونحصل على تعهدات مؤتمر سيدر. هذا لو اقتربنا فعلاً من تأليف الحكومة.

وقبل الاصلاحات المنشودة على انواعها، لا توجد كوة من الأمل لتحسين الخدمات الحيوية في مقدمها الكهرباء والمياه والبيئة النظيفة من النفايات. الوزراء هم أنفسهم آتون من جديد ليجددوا فشلهم في تحمل مسؤولياتهم، وليستمروا في تصريحاتهم العنترية السخيفة. لا يخلو تقرير من تقارير المؤسسات الدولية والوكالات المعنية بدراسة وضع لبنان المالي والاقتصادي، من ضرورة الاسراع في معالجة ملف الكهرباء. وقد غدا بالوعة للمال وعجز الدولة والمديونية. فيما بات التيار الكهربائي علة اللبنانيين، ووصفة لمنغصات العيش، ومسرب يأكل نصف الحد الأدنى للأجور. و30% من عجز الموازنة ونحو 40% من الدين العام. وسمة من سمات دولة فاشلة في الألفية الثالثة. والمياه شَبه الكهرباء في أكثر من معنى. الأدهى، أن وزارة الطاقة والمياه، معقود لواؤها على الوزير نفسه أو من يشبهه في تياره السياسي أو في كتلة لبنان القوي و"القوي جداً". ورغم ذلك، يراد لمناقصات الكهرباء أن تحصل عنوة من خارج ادارة المناقصات وقانون المحاسبة العامة. لا يتحمل الوزير المعني منفرداً مسؤولية ذلك. بل ومجلس الوزراء مجتمعاً. ومجلس النواب سلطة رقابة على أعمال الحكومة وسلطة محاسبة. والتفتيش المركزي سلطة رقابة ادارية ومالية.

صدر قانون الموازنة 2018 قبل مؤتمر سيدر في باريس في نيسان الماضي. وتعهدت الحكومة بخفض 5% من عجز الموازنة في مدى سنوات خمس. الأمر الذي يضع المالية العامة على مسار تنازلي مطلوب بإلحاح خطوة أولى لكسر الحلقة المفرغة بين الدين والعجز. تستكمل باجراءات بتحسين جباية الضرائب وحقوق الخزانة. ويقدر الفاقد منها وفقاً لكل المراجع الحكومية والمستقلة بنحو 5 مليارات دولار اميركي سنوياً. يعني أن لبنان بوضعه الراهن وبمعدل بمتوسط 1% الى 1.5% قادر على الانتقال بمسار الدين والعجز الى الحلقة الفاضلة. وفي غضون سنوات. الأهم، أن ذلك يؤدي الى خفض محسوس في معدلات الفوائد. يحرر جزءاً مطلوباً من اعتمادات الموازنة للنفقات الاستثمارية على المشاريع والبرامج الصحية والتعليمية والنفقات الاجتماعية، ويتيح إسهاماً محلياً مطلوباً للمشاريع الممولة من القروض الخارجية. ويحرر موارد المصارف من تبعات تمويل عجز الدولة ومخاطره. ويحرر مصرف لبنان أيضاً الذي يتحمل العبء الأكبر من الدين العام. وفي الوقت نفسه مهجوس بتعقيم العملات الأجنبية لزوم تثبيت سعر الصرف. فيهجر السياسة النقدية غير التقليدية المرتفعة التكلفة التي بدأ يتخلى عنها عتاة المصارف المركزية لدول تطبع العملة الصعبة إذ تطبع عملتها الوطنية. فتتراجع الفائدة على سندات الخزانة. وهي الفائدة القياس للفوائد التجارية، وتُترك محدداتها للسوق بتدخل تصحيحي اذا لزم من مصرف لبنان. لكن من غريب المفارقات، أن وعد خفض العجز ازداد بعد مؤتمر سيدر ليلامس 11% واتسعت الهوّة المالية.

تتحاشى الوكالات الدولية والصناديق لحظ مفردة فساد السلطات السياسية في التقارير التي تعدها عن الدول. تتناول الإهدار ومفردات أخرى على سبيل التورية. لكن الأمر يختلف خلف الجدران المغلقة. وبحسب معلوماتنا أن المصرف الدولي الذي له حصة وازنة من تعهدات مؤتمر سيدر، وسيكون له دور رقابي وتنسيقي أساسي في الآلية التي سترعى الاشراف على التعهدات وتنفيذ مشاريع البنى التحتية التي لم تتشكل بعد، أبلغ الحكومة اللبنانية بالقلم الصريح وجوب معالجة آفة الفساد، حداً أدنى في ما يتصل بتعهدات سيدر والمشاريع الممولة منها.

أمّا الأغرب، أن يستمر ما نسميهم دائماً سدنة النظام، في تجاهل ما نحن فيه وذاهبون اليه. وإذ شرعوا خلافاً للدستور والميثاق والعرف، حقائب وزارية نوعية لكل منهم بدعوى حقوق الطائفة، راحوا يتنابذون على عدد الحقائب. صلب المخاطر سدنة النظام.