الموازنة هي القضية والمحك

عصام الجردي
الإثنين   2017/09/25
تمويل السلسلة تأمن ويزيد من دون الضرائب الجديدة (حسن إبراهيم)
من الخاتمة نبدأ. الاستطالة شرحاً وتفصيلاً ودلالات، لننتهي الى خلاصة واستنتاج تسهيلاً لفهم وجهة النظر، ليست صالحة في كل الأزمنة والأمكنة. لبنان فقد أركان الحكم الصالح من زمان. أو الحوكمة بلغة عصرنا. سنعيدها تكراراً بلا ملل، بلدنا مريض مصاب باشتراكات عضال. كل دواء لاستطباب داء، يصيب جزءاً آخر بداء أشد وطأة وأقبح. المشكلة أن لا أحد من سدنة النظام المتداعي يريد أن يعترف بذلك. فإلام نستمر في هذا البأساء؟ وكم سيتحمل الوطن والمواطن؟ من تجليات هذا المشهد، قوانين الضرائب، وسلسلة الرتب والرواتب والموازنة العامة. وصولاً الى رد المجلس الدستوري قانون الضرائب رقم 45.

في قانون الضرائب المطعون فيه، سقطات تصل الى تجاوز الدستور. من ذلك عدم جواز إقرار القانون في مجلس النواب من دون التصويت عليه برفع الأيدي. "صدق القانون على وقع المطرقة ورفعت الجلسة". رئيس المجلس حداً أدنى، ومعه عدد من النواب كانوا على علم مسبق بمنطوق المادة 36 من الدستور التي تحول دون اختصار التصويت على القانون بهذه الطريقة. لو عدنا قليلاً الى منسوب التوتر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المرتفع الذي صاحب إقرار القانون، وبعده قانون سلسلة الرتب والرواتب، لحسِبنا أن تصديق قانون الضرائب مشوباً بعيوب دستورية شكلية في ما يتصل بآلية التصويت، وجوهرية لاعتماده تخصيص الموارد ومن خارج الموازنة، كان للخروج من مأزق كبير لإقرار قانون السلسلة. صراع المصالح الاقتصادية والتكتلات السياسية والوعود المقطوعة في مرحلة التحضير للانتخابات النيابية، فرضت إنهاء القانونين على وجه السرعة. لو انتظر قانون سلة الضرائب صيغة عادلة وكافية ومرضية للجميع لطار قانون السلسلة. ولو أدخلت كل الضرائب ونفقات السلسلة بحسب الأصول في مشروع قانون موازنة 2017، لطار قانونا الضرائب والسلسلة معاً. بدليل أن قانون الموازنة لم يصدر بعد. حتى في حال صدوره، ستكون سنوية الموازنة وهي شرطية في الدستور أيضاً على الورق. ونحن على طرف سنة 2017.  وفي الواقع أن الأمر لا يستدعي في دولة مؤسسات ودستور وحكم القانون هذا الكمّ من الإرباك والشحن، ليرد المجلس الدستوري قانون الضرائب برمته، ويضع الحكومة ومجلس النواب في مأزق حرج. علماً، إن قانون السلسلة يعتبر ساري المفعول. وحقوق المستفيدين منه متوجبة الاداء في تشرين الأول المقبل. ونحن أمام اضراب في القطاع العام والقطاع التعليمي الرسمي والخاص. تداعى له الاتحاد العمالي اضراباً عاماً شاملاً. والأمر متوقف على قرار مجلس الوزراء.

لكن، لماذا لم يأت قانون الضرائب في صلب قانون الموازنة، ومعه نفقات قانون سلسلة الرتب والرواتب؟ فيكتمل التشريع بلا مخالفات دستورية، وتتلافى الحكومة ومجلس النواب قرار المجلس الدستوري. خصوصاً إن تمويل السلسلة تأمن ويزيد من دون الضرائب الجديدة. وبأرقام وزير المال ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية. تكلفة السلسلة نحو ألف و200 مليار ليرة. أي 800 مليون دولار اميركي  بحجم ضريبة الهندسة المالية "المصونة العفاف" التي كُلفت المصارف بها. رئيس لجنة المال والموازنة يقول هناك وفر بالقيمة نفسها لو توقفت مزاريب الاهدار المالي على جمعيات تتلقى مساعدات سنوية. المشكلة الحقيقية هنا. هناك استعصاء في انجاز موازنة عامة منذ 2005. كي يدخل قانون الضرائب وتكلفة السلسلة في الموازنة يفترض أن نضمن أولاً صدور قانون موازنة 2017 حداً أدنى ليسهل إلحاقها بموازنة 2018. وهناك استحالة دستورية قبل انجاز قطع حسابات السنوات السابقة. مدير عام وزارة المال يقول تم انجاز ملايين القيود منذ 1993 وبقي ثلاثة حسابات من أصل تسعة. لو روعيت قواعد دستورية الموازنة، وشموليتها، وسنويتها، وشيوع الموارد بعيداً من تخصيصها وقطع الحسابات لانتهت كل الأزمة. الضرائب والسلسلة والموازنة معاً. كل ذيول الأزمة ينم عن غياب الارادة السياسية وعجز المنظومة السلطوية بكاملها عن انجاز الموازنة.

الموازنة المقبلة في حال اقرارها قانوناً سنوياً بحسب الاصول، لن تكون من خارج اصلاحات جوهرية. اعادة النظر بالمساعدات المالية لجمعيات ومؤسسات ومدارس مجانية لا تجزي منفعة اجتماعية وتعليمية ملموسة جزءٌ من الاصلاح ووقف الاهدار. لكن معظم تلك الجمعيات والمدارس تابعة لزبائن المنظومة السياسية. قطع الحسابات وهو شأن دستوري بديهي نعده عندنا اصلاحاً مالياً. استرداد الأملاك العمومية البحرية والبرية المصادرة نعده اصلاحاً. كما المباني الحكومية المستأجرة لقاء بدلات سياحية. نظام ضريبي جديد على أساس الدخل الموحد، اصلاح حقيقي يلغي الكثير من الاجراءات الضريبية. ورغم كل هذا الجدل الضريبي فالضريبة لم تُزد منذ سنوات عشر. اعادة النظر في الاعفاء الضريبي لبعض القطاعات. بعدما ثبت في كل دول العالم أن الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني هو جاذب الاستثمارات في المقام الأول. رواتب القطاع العام لم تصحح منذ 2008. نعم، مع نظام وظيفي جديد في القطاع العام أساسه الثواب والعقاب. وفي القطاع التعليمي الحكومي أيضاً. لا يجوز تعميم الحوافز من دون الانتاجية. الجباية وكهرباء لبنان. المؤسسات العامة التابعة لإنترا في لبنان والخارج، والريجي ومصالح مستقلة والضمان الاجتماعي وغيرها لا يتسع المجال لعرضها. معروفة للملأ. كل تلك المرافق محميات سياسية للمنظومة. حتى موظفو القطاع العام الذين يتخلفون عن الدوام، أو يعملون بدوام منقوص، وانتاجية غير كفية تابعون ومحميون.

ما يخيفنا حقاً، أن محاولة تدمير مؤسسات الرقابة والشفافية المتبقية في البلد. قضية بواخر الكهرباء وادارة المناقصات لا يمكن أن تمر في بلد قانون ودستور وحق عام. يرغم مدير عام  المناقصات على تنفيذ صفقة مشوبة بمخالفة الدستور وقانون المحاسبة العمومية وأصول الشفافية والنزاهة. تعلمون لماذا؟ لأن القانون يخول مجلس الوزراء صلاحيات في حالات استثنائية تتجاوز رأي ادارة المناقصات. لكن الاستثناء هنا فيه كمٌ هائل من المخالفات. لا أحد يتحدث عن المشتريات الحكومية. البطاقة الانتخابية الممغنطة ولدت توأماً مع تلزيمها بالتراضي قبل بت قرار اعتمادها فعلاً. الأوادم لا يخافون نواطير الكروم.

نعم، الموازنة هي المشكلة الحقيقية. لم تعد ممكنة بلا اصلاح بات مُلزماً.