الكهرباء: مخالفات أكبر من حمولة باخرة!

عصام الجردي
الإثنين   2017/09/18
هل يوجه مجلس النواب سؤالاً الى الحكومة لكشف حقيقة صفقة البواخر؟ (أ ف ب)

سيكون الأسبوع الجاري منعطفاً مهماً في ملف استجرار التيار الكهربائي من البواخر والمناقصة المتصلة به، والمشوبة بمخالفة القوانين المرعية الاجراء وباللبس وفقدان شروط المنافسة. فهمنا أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري اجتمع الجمعة الماضي بمدير عام المناقصات جان العلية. وأبلغه "التأكيد" على تنفيذ دفتر شروط المناقصة الذي أعده وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل بعد التعديلات التي أدخلت عليه في مجلس الوزراء، أي التعديلات نفسها التي اعتبرها العلية لا تغير من جوهر دفتر الشروط وتصب في النهاية لمصلحة عارض وحيد. ولا تؤمن الشفافية والنزاهة ومصلحة الخزانة. مدير عام المناقصات لا يمكنه بموجب القوانين رفض قرار مجلس الوزراء لو أتى "تأكيداً" على تنفيذ مناقصة خلافاً لرأي ادارته. بيد أن المدير العام الذي يفترض أن يذعن لقرار مجلس الوزراء، يملك الحق بشرح كل المعطيات التي يراها قانونية ومتوافقة مع الدستور في المناقصات وأصول اجرائها. هذا ما فعله العلية. وتبادل في شأنه مع أبي خليل كتباً ومراسلات. ولأننا ما نزال نتوجس الاقتصاص من هذا المسؤول المحترم في الادارة اللبنانية لقيامه بواجبه، فوجب عليه طلب تضمين "تأكيد مجلس الوزراء على تنفيذ المناقصة وفقاً لدفتر الشروط الذي وضعه الوزير ومستشاروه" خطياً في كتاب الاحالة المرتقب أن يتسلمها في خلال يومين حداً أقصى.

كانت تقتضي الأصول حضور وزير الطاقة والمياه الاجتماع الثنائي بين رئيس مجلس الوزراء ومدير عام المناقصات. فهو الوزير المعني. أو حضور أحد مستشاري رئيس مجلس الوزراء المتابعين الملف. لمجرد هذه الفجوة، يمكن الاستنتاج أن الاجتماع كان لتبليغ مدير عام المناقصات "قراراً صدر وأفهم علناً"! لكن هل "التأكيد على المدير العام للمناقصات تنفيذ المناقصة بدفتر شروط الوزير" لو حصل، هو فعلاً قرار مجلس الوزراء؟ يفترض في المبدأ. ويفترض أن الوزراء اطلعوا على كتب مدير عام المناقصات وملاحظاته التي لا يمكن القفز من فوقها في دولة قانون ودستور. الأمر ليس كذلك. فوزير التربية والتعليم مروان حمادة قال لإحدى الاذاعات أن الوزراء لم يطلعوا في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة (الخميس 17-9-2017) على التقرير الأخير الذي أودعه مدير عام المناقصات وزير الطاقة والمياه. إذ اكتفى أبي خليل الذي تسلم التقرير بقراءة بعض صفحاته. الطريف، أن تقرير المديرية العامة للمناقصات كان رداً على دفتر شروط جديد للمناقصة أعده وزير الطاقة والمياه بناء على طلب مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدها في بيت الدين (17-8-2017) وألغى فيها دفتر الشروط القديم " بسبب وجود عارض واحد. وعدم فض العروض المالية واعادتها الى الشركات التي سبق ان تقدمت بعروضها لهذه المناقصة". ورد ذلك صراحة في قرارات الجلسة المذكورة. لكن دفتر الشروط الجديد كان كسابقه بحسب تقييم المدير العام للمناقصات. فما كان من مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة إلاّ "التأكيد" على تنفيذ الصفقة.

مجلس الوزراء يعلم أن قانون المحاسبة العمومية يفرض على المديرية العامة للمناقصات إبداء الرأي والملاحظات على دفاتر شروط المناقصات، حتى لو أقر المجلس دفاتر الشروط. خلافاً لذلك تكون الصفقات عرضة للإبطال. المشكلة ان وزير الطاقة والمياه كان يصف موقف مدير عام المناقصات "تمرداً على الوزير". وهناك غموض حيال ما اذا كان الوزراء قد اطلعوا على نصوص كتب أربعة أحالها مدير عام المناقصات الى مجلس الوزراء من خلال الوزير نفسه. وكان حريصاً على تلافي أي خطأ شكلي يؤثر على جوهر موقفه من دفتر الشروط الأول والثاني. ومن التعديلات التي أدخلها مجلس الوزراء عليهما. ويصر الوزير على التعاطي مع ادارة المناقصات سلطة وصاية تابعة للوزارة في الصفقات العائدة لها. بينما هي سلطة رقابة على الصفقات العمومية الى جانب سلطة التفتيش المركزي. لكن هناك أيضاً رقابة قضائية ورقابة مجلس النواب على أعمال الحكومة والصفقات التي تجريها وجدواها وشفافيتها ومصلحة الخزانة.

نتابع عمل ادارة المناقصات منذ نحو ربع قرن. لم تحصل سابقة كمثل ما يحصل في صفقة استجرار الكهرباء من البواخر. وتكلفتها الاجمالية نحو مليار و800 مليون دولار اميركي. وزير يفرض على مجلس الوزراء دفتر شروطه. وتوفير التيار الكهربائي رهنٌ بدفتره. غير ذلك، هروب الى الأمام في السياسة. واتهام سياسي لمجهولين "إنهم لا يريدون أن ينجح التيار الوطني الحر بتوفير الكهرباء للمواطن". هذه الوصفة الفضلى لتسويغ الفشل، درج عليها التيار الى حدّ يثير الاشمئزاز. ولأن التيار مصرٌ على تقديم نفسه "إصلاحياً وتغييريا"، ماذا يضيره لو مارست سلطات الرقابة والنزاهة صفقات تأمين الكهرباء؟ أليست مؤسسات الرقابة ركناً من أي اصلاح وتغيير؟ من دواعي النزاهة والشفافية في دول كثيرة تضمين دفاتر شروط المناقصات والعقود كيفما أبرمت بنداً بإبطالها لو تبين بعد حين أن عمولات أو رشىً دفعت للحصول على الصفقات والعقود. وهناك تحديد مسبق لجهات التقاضي في النزاعات الناجمة عن العقد والصفقة، تصل الى مراكز التحكيم التجاري المستقلة عن السلطة. لماذا إغفال هذا الأمر من صفقة البواخر؟

يلوح من سارية الباخرة كاردينيز تحالف سياسي لصفقة فيها من المثالب مقادير، حتى يقول القضاء كلمته. النيابة العامة لا تتحرك عفواً في مثل هذه الشؤون. النيابة العامة المالية قادرة على ذلك باعتبار ما تناقلته وسائل الاعلام إخباراً. يبقى مجلس النواب سلطة رقابة سياسية. ليتفضل واحد منه ويوجه سؤالاً الى الحكومة لكشف حقيقة ما يحصل في صفقة البواخر. وليحوَل بعد ذلك استجواباً وطرح الثقة بالوزير والحكومة. هناك "حمولة باخرة" من مخالفات القوانين ترقى الى مخالفة الدستور بحسب تقارير ادارة المناقصات. وللمواطن ان يصدق هذه الادارة. وللزبائن أن يصدقوا الفاسدين سياسياً وأخلاقياً.