العقوبات على بوتين أم على ترامب؟

عصام الجردي
الأربعاء   2017/08/02
التنسيق واضح بين موسكو وواشنطن في الملف السوري (Getty)
غلّ الكونغرس الاميركي ارادة الرئيس دونالد ترامب حيال موقفه من توقيع مشروع قانون العقوبات الاقتصادية الجديدة على روسيا بعد إقراره أخيراً في مجلسي الشيوخ والنواب. أضيف اليه ايران وكوريا الجنوبية على خلفية تطوير برامج الصواريخ الباليستية في البلدين. وقد سارعت المتحدثة باسم البيت الابيض، سارة هاكابي ساندرز الى تأكيد أن الرئيس سيوقع مشروع القانون. "ولكن بعد أن يتفاوض في شأن عناصر حساسة فيه. ويراجع الآن النسخة النهائية وبناء على مفاوضاته سيقر مشروع القانون ويعتزم التوقيع عليه ليصبح ساري المفعول". لم تحدد المتحدثة طبيعة العناصر التي يرغب ترامب مفاوضة الكونغرس عليها. والاحتمال قد تكون على علاقة بملف تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية.

ستة شهور مضت على ترامب في البيت الأبيض، فعل خلالها ما لم يفعله أسلافه من الرؤساء الاميركيين. استبدل على خلفية التدخل الروسي في الانتخابات مسؤولين مقربين منه بآخرين مشكوك في ولائهم في كل الدوائر الحساسة المتصلة بالملف خصوصاً في أجهزة الاستخبارات والأمن والقضاء. ثم كرر الخطوة أكثر من مرة مع أكثر من مسؤول. ومازال يواجه مستقبلاً مجهولاً في هذا الملف الذي تبنته أجهزة الاستخبارات ووزارة الأمن القومي. ويخضع لتحقيقات في لجان الكونغرس. الكونغرس حرّك العقوبات الاقتصادية. نفهم شمولها كوريا الشمالية وايران. لكن ما الذي استجد في العلاقات مع موسكو لتوسيع دائرة العقوبات عليها؟ لا جديد في قضية ضم موسكو شبه جزيرة القرم وعلاقاتها مع أوكرانيا. الاتحاد الاوروبي لم يلجأ الى عقوبات جديدة ضد روسيا. جدّد العقوبات القديمة في حزيران/ يونيو الماضي. علماً أن دول الاتحاد متضررة هي الأخرى من نتائج العقوبات بنحو 100 مليار دولار اميركي بحسب وسائل الاعلام الالمانية. وأعلن الاتحاد أكثر من مرة معارضته لعقوبات جديدة تفرضها الولايات المتحدة ستضطر دول الاتحاد الى مجاراتها ضناً بمصالحها الكبيرة مع الولايات المتحدة. أما في الملف السوري، فالتنسيق واضح حتى الآن بين موسكو وواشنطن على كثير من القضايا الأساسية.

في صرف الاعتبار عن الضرر الكبير اللاحق بالاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات الاقتصادية، فالواضح من طبيعة مشروع قانون الكونغرس أن الأخير يريد حشر الرئيس في الملف الروسي حتى لو أدى الأمر الى استقالته. الجمهوريون قد يرغبون في ذلك قبل انتخابات الكونغرس الفرعية بعد أقل من سنتين. الديموقراطيون تحصيل حاصل ويتمنون لترامب مزيداً من الاخفاقات قبل الانتخابات الفرعية والرئاسية المقبلة. لذلك جاء مشروع القانون ليضيق هامش المناورة لدى الرئيس لاستعمال حق النقض والامتناع عن توقيعه. ويبدو من المسار الذي سلكه مشروع القانون أن غالبية الثلثين في الكونغرس قد تكون مؤمنة لسريان مفعوله قانوناً لو لم يقترن بتوقيع ترامب. بينما يواجه الأخير صعوبات جمة للتوصل الى بديل من قانون التأمينات الصحية الذي عمل عليه الرئيس السابق باراك أوباما والحزب الديموقراطي. وقد أُعد مشروع قانون العقوبات الاقتصادية على نحو يلزم الرئيس بالعودة الى الكونغرس لو أراد رفع العقوبات أو تخفيفها أيضاً.

بعد نحو سنوات أربع من العقوبات الاقتصادية على روسيا نتيجة الأزمة الأوكرانية، ورغم النتائج المضنية لاقتصاد روسيا شبه الراكد، وتراجع سعر صرف الروبل بأكثر من 50 في المئة، وضمور الاستثمارات وخروج الرساميل، ازداد موقف الكرملين تصلباً من كل القضايا الدولية التي تمثل تحدياً للمصالح الستراتيجية الاميركية. لن يتغير واقع الحال في روسيا قبل أن يفاضل الروس أنفسهم بين خطاب بوتين القومي المتشدد وبين مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية. الخطاب القومي الشعبوي وصفة ميسرة لدوام السلطة. بوتين لا زال يسوق هذا الخطاب ومتمكن بما يملك نفوذ من كبح الشارع ولو الى حين. في الأنظمة الديكتاتورية ككوريا الشمالية وايران، ثبت أن العقوبات الاقتصادية والمؤشرات الاجتماعية السيئة تحتاج الى وقت طويل لترتد على الأنظمة.

الكونغرس الاميركي في سياق العقوبات الاقتصادية على روسيا يعلم ذلك. لماذا يصر الآن على مزيد منها من دون أسباب مقنعة؟ السؤال الأهم، هل وصل الكونغرس، والجمهوريون خصوصاً، الى شكوك في قدرة ترامب على استكمال ولايته من دون إلحاق الضرر الجسيم بمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية؟ نستشعر أن مضي الكونغرس الى أبعد للتحقيق في ملف الانتخابات والدور الروسي فيها لمصلحة ترامب، قد يؤدي الى كشف علاقات الرئيس المالية الخبيئة بمجموعة من هوامير المال في الدائرة المقربة من زعيم الكرملين. وهؤلاء باتوا على رأس المؤسسات الاقتصادية والصناعية والمصرفية، وصناعة النفط والغاز. والدولة التي مازالت تسيطر على نحو 55 في المئة من المؤسسات الاقتصادية. لو صحّ هذا الاحتمال لقُضي الأمر باستقالة الرئيس أو إقالته.

كتبنا بعد انتخاب ترامب عن سلوكيات هذا الرئيس ومخاطرها على الولايات المتحدة. وعن دور المؤسسة الاميركية "الإستبلشمنت" الحاكمة في حماية المصالح الاميركية الاستراتيجية. كان ذلك قبل ظهور علاقة استخبارات بوتين بنتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية. ها هو رئيس مجلس النواب في الكونغرس الجمهوري بول ريان يصف روسيا "خطرة على أمن الولايات المتحدة". لم يقر الكونغرس طيلة شهور ستة على ترامب في البيت الأبيض قانوناً يعتد به. حتى سقف الدين العام لم يحسم. انشغل بما يريد ترامب إحلاله بدلاً من تركة أوباما. واضطربت علاقات الولايات المتحدة بكل حلفائها الاوروبيين ومع المكسيك وكندا على خلفية حربه على الاتفاقات التجارية الحرة. يريد ترامب الآن إلغاء قانون "دود فرانك" لاصلاح القطاع المصرفي الذي استُن بعد أزمة المال والرهونات العقارية في 2008. الأمر الذي يضفي مزيداً من القنوط حيال قدرة النظام المالي والمصرفي الدولي على تفادي أزمات مماثلة، قبل الإبلال من تداعيات الأزمة السابقة.

يبدو ترامب على شاشة العقوبات على روسيا. مثلما يبدو بوتين على شاشة الانتخابات الرئاسية الاميركية.