مؤسسات دولية.. تجمد مشاريع "لأن لبنان بلا موازنة"

خضر حسان
الأحد   2017/06/04
لا جدية في إقرار الموازنة (محمود الطويل)
تسجل الفترة الممتدة من 15 نيسان ولغاية 31 أيار، موعداً دستورياً تحضر خلاله الوزارات موازناتها وترسلها الى وزارة المال، لتناقشها في دائرة الموازنات، تحضيراً لإعداد الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة.

غير ان عدم إقرار الموازنات العامة منذ ما بعد العام 2005، جعل هذه المهل الدستورية صورية. لكن ليس حصر الإنفاق ومراقبته هما الأزمة الوحيدة التي تواجهها الموازنة العامة. فعدم إقرار الموازنات يؤثر سلباً في عملية تنفيذ الإتفاقات المتعلقة بالهبات والقروض، المعقودة مع أكثر من جهة دولية، على رأسها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.

البنك الدولي يوقف على سبيل المثال، قرضاً بقيمة 200 مليون دولار، مخصص لتطوير شبكة الطرق في لبنان، والتي يزداد الضغط عليها بفعل ازدياد أعداد اللاجئين السوريين . فضلاً عن منحة بقيمة 45 مليون دولار، تنتظر موافقة مجلس الوزراء. ناهيك بقرض قيمته 155 مليون دولار مازال عالقاً في أدراج مجلس الوزراء، وينتظر مجلس النواب للتصديق عليه، في حال وافق عليه مجلس الوزراء.

تعقيدات المصادقة على الهبات والقروض لا يكترث لها المجتمع الدولي، وإنما تُثقل المؤسسات الرسمية اللبنانية لأنها هي من يحتاج إلى التمويل لإنجاز المشاريع، خصوصاً المتعلقة بمعالجة آثار النزوح السوري، ومعالجة أزمة تلوث نهر الليطاني، التي تنتظر تمويلاً يفوق 220 مليون دولار، مقسمة على مراحل، وكل مرحلة تحتاج إلى المرور بسلسلة من الاجراءات القانونية التي تعرقل إقرارها، بفعل العراقيل السياسية التي تجمع عمل المؤسسات الدستورية، وتحديداً مجلسي النواب والوزراء. وهذا ما دفع الاتحاد الأوروبي أكثر من مرة إلى عدم تمويل مشاريع تساعد في تخفيف أعباء النزوح السوري. ويعلل الاتحاد الأوروبي ذلك بعدم إقرار الموازنات، وتعطيل المؤسسات الدستورية. وهذا ما يؤكده النائب نبيل دو فريج من خلال نقله جواب الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعات بروكسل، في آذار الماضي، عن سبب تمويله الأردن الذي يستضيف نحو 700 ألف نازح سوري، في حين أن التمويل يغيب عن لبنان الذي يستضيف 1.5 مليون نازح، إذ أجاب الاتحاد الوفد اللبناني بأن الأردن لديه موازنة عامة، في حين أن لبنان بلا موازنات منذ أكثر من 11 عاماً.

في الوقت عينه، يقلل دو فريج في حديث لـ"المدن"، من تأثير عدم إقرار الموازنة على تنفيذ الإتفاقات بشأن القروض. إذ يمكن بحسب دو فريج، تطمين المجتمع الدولي من طريق الاستمرار في بحث الموازنة تمهيداً لإقرارها، لأن استمرار البحث يعني أن الدولة تعمل على هيكلة مؤسساتها. وكسب ثقة المجتمع الدولي، حتى وإن لم تقر أي موازنة. وفي هذا الصدد، تشير مصادر في وزارة المال لـ"المدن" إلى أن "الوزارات بدأت إرسال موازناتها إلى وزارة المال، على أن تقوم بنقاشها في دائرة الموازنات، ابتداءاً من مطلع حزيران 2017 حتى نهاية تموز". وتلفت المصادر إلى أن "الوزارات تقدم موازناتها بانتظام منذ 3 سنوات على الأقل".

لكن اعتبار إرسال الوزارات موازناتها إلى وزارة المال خطوة جدية في اتجاه وضع موازنة عامة وإقرارها، هو أمر غير دقيق. لأن القوى السياسية مازالت تعرقل إقرار بنود موازنة العام 2017، في حين أن المهل الدستورية تؤشر الى البدء بمرحلة موازنة 2018، والتي سيصبح الحديث عنها امراً فروغاً منه، بحلول شهر آب، إذ من المفترض أن يدرس وزير المال الموازنة، ويحيلها إلى مجلس الوزراء مع بداية أيلول. وحينها، لا يعود بالإمكان الحديث عن موازنة 2017، حتى وإن كان إقرارها ممكناً دستورياً وتقنياً، فالوقت يصبح العدو الأول لإقرار الهبات والقروض والتصرف بها، بموازاة التحضير لإقرار موازنة 2018. وحينها ستواجه الحكومة والمجلس النيابي التعقيدات التي ستترافق مع الإنتقال من الصرف وفق موازنة 2017، إلى الصرف من موازنة 2018. وهو ما يمكن أن تتنبه إليه المؤسسات الدولية، خصوصاً التي باتت تخاف على هباتها من الضياع في دوامة الفساد. وقد بات الاتحاد الأوروبي، مثلاً، يمول مشاريعه في لبنان عبر قنوات الأمم المتحدة، منعاً لهدر الأموال.

تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي، إذا كان قد اعتمد صيغة خاصة لصرف أمواله في لبنان، إلا أن البنك الدولي، بحسب المصادر، "لا يهتم كثيراً بخواتيم اللعبة السياسية. إذ تكفيه استعادة الثقة بالدولة اللبنانية، لاعطاء التمويل المتفق عليه. فالبنك يستفيد من فوائد القروض المترافقة مع الهبات، والتي عادة ما تكون قيمتها أقل بكثير من القروض، لكنها لا تُعطى إلا بعد موافقة الدولة على القرض. فيستفيد البنك بقرض أكبر لقاء تقديمه هبة صغيرة.