الرئيس الإيراني و"الإقتصاد المقاوم"

عصام الجردي
الإثنين   2017/05/15
يتفرد الحرس الثوري بإدارة السياسة والاقتصاد والأمن والدفاع (Getty)

لم تبُح المناظرة التي شارك فيها المرشحون الستة إلى انتخابات الرئاسة الإيرانية بكل أسرارها. ولا بالحقائق التي يدرك الناخب والمواطن الإيراني كثيراً منها. الاقتصاد كان موضوع المناظرة. وتسقّط الإيرانيون وقائعها باهتمام لافت. فالبلد الغني بالموارد والطاقات البشرية يعاني منذ عقود مؤشرات اجتماعية سيئة بطالة وتضخماً ومعدلات فقر.

خرج المتناظرون من طوق الأسئلة المحضّرة سلفاً عن التهريب، والنظام المصرفي ودوره، والحد من صادرات النفط مورداً أساسياً والتصويب على تنويع الاقتصاد. تفادى الرئيس حسن روحاني المرشح لدورة رئاسية ثانية محاولة خصومه وضعه بين خياراته الاصلاحية من جهة، وبين "الاقتصاد المقاوم" ومستلزماته من جهة أخرى. جلس بين خمسة مرشحين آخرين، ثبت بـ"الفحوص المخبرية" لمجلس صيانة الدستور، أنهم مكتملو الأهلية. لا روحاني شخّص علل الاقتصاد. ولا خصماه المحافظان المتشددان إبراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف نجحا في تحميل روحاني مسؤولية الاقتصاد العاثر. روحاني يعلم أن تسمية الأمور بأسمائها توصل إلى صلب نظام برمته يأمر وينهى ويطاع. وخصومه تحاشوا أخذ المناظرة إلى مواقعهم الأصولية الفكرية والدينية بشعارات "الاقتصاد المقاوم" درءاً لاستفزاز المواطن.

السلطة العميقة في إيران قادرة حتى على تهديد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وهو من أهل البيت، بنقله إلى "سجن نيفين ووضعه تحت الماء" على ما قال وحيد حقانيان، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي. لأن نجاد الذي رفض الانصياع لرغبة المرشد بعدم الترشح واستُبعد من لائحة القبول، هدد بكشف "وثائق يمتلكها تثبت تزوير النظام أصوات 16 مليوناً لمصلحته في انتخابات 2009 ضد خصمه مير حسين موسوي". الموضوع رهن الاقامة الجبرية في منزله. لكن تلك السلطة العميقة تخطئ كثيراّ إذ تعتقد، أن في وسعها تصميم اقتصاد بلد في حجم إيران ومقدراته، ليتكيف اقتصاداً مقاوماً لخدمة أغراض سياسية وأيديولوجية وعسكرية خارج حدوده وعلى تخومه مهما كان الثمن على البلاد والعباد. فكيف إذا كانت التخوم مفترضة دول العمق الاقتصادي لإيران وشريكها التجاري؟ لإيران أن تقرر النموذج الاقتصادي بخيارها الحر. ومن خارج النماذج التي يفرضها نظام اقتصادي عالمي جائر. تستغل مواردها الطائلة. تخرج من مفهوم الشعب الفقير والدولة الغنية. وتدخل في مجتمع الكفاية والرفاه.

لكن ليست هذه مشكلة إيران الاقتصادية. الاقتصاد رهين المشاريع الجيوسياسية. وتفصله حواجز عن مؤسساته الحكومية  ومجلس الشورى (البرلمان) وعن الوزارات والأجهزة المختصة. ويتفرد الحرس الثوري بإدارة السياسة والاقتصاد والأمن والدفاع وكل مؤسسات الدولة. لا يمكن أن يصمد اقتصاد من هذا النوع. سلطة الحكومة المركزية ووكالات التنمية والقطاع الخاص تعمل بحكم الأمر الواقع. لذلك، فتحميل رئيس الجمهورية وحكومته أياً كان وكانت، مسؤولية الاداء الاقتصادي، هو لغطٌ لا يستقيم مع منطق. ولا تستقيم معه محاسبة سلطة تنفيذية مقصية عن مسؤولياتها.

لا يعمل الاقتصاد من دون مؤسسات. لو أتيح لإيران الآن الانخراط بلا قيود في الاقتصاد الدولي والنظام المصرفي والمالي، ستنكشف في ظل واقعها الراهن عن أزمات جديدة. كل ما يعرفه الإيرانيون عن قطاعهم المصرفي مؤدلج بتأثير العقوبات. كلاّ. مصارف إيران غير جاهزة للاقلاع من جديد. وإيران كونها دولة مصدرة نفطاً وغازاً، سيشكل ذلك قيداً إضافياً ذاتياً على تجارتها. الآثار نفسها ستبقى جاثمة في توقها إلى اجتذاب الاستثمارات الخارجية المباشرة والاستثمارات الإيرانية المهاجرة التي تقدر بنحو 300 مليار دولار أميركي. ولا تبدو الدول الشريكة لطهران في التجارة النفطية والسلعية عموماً، مستعدة لتجاوز هذه العقبة في صرف النظر عن العلاقات الثنائية التي تربطها بإيران. ذلك أن الدول الشريكة نفسها مطالبة باقتفاء أثر النظم المالية والمصرفية الجديدة التي تتطور كل يوم. والتشريعات الدولية المنبثقة عنها كمثل معايير بازل 3 والنظام المحاسبي الدولي الجديد، واتفاقات مكافحة تبيض الأموال وأموال الارهاب وغيرها. الولايات المتحدة على علم بهذا الاختناق الذي تواجهه إيران. لا تتحدث عنه حالياً طالما لم تتحرر إيران بعد من القيود التي تفرضها على معاملاتها. لكنها ورقة جاهزة في يدها تستخدمها في الوقت المناسب. وستكون على طاولة رئيس إيران المقبل للتخفيف من آثارها على الاقتصاد الإيراني حداً أدنى. طالما أن مفاتيح الاقتصاد والمال في يد الحرس الثوري.

لم تشمل العقوبات الاقتصادية والمصرفية مصرف إيران المركزي. الذي بقي يستقبل عائدات تصدير النفط قبل الاتفاق النووي إلى الصين والهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى. لكن مهمات المصرف التقليدية في ما يتعلق بالنظام المصرفي الإيراني شبه معطّلة. فالنظام يحتاج إلى اعادة هيكلة شاملة لا تستجيب لها المصارف. لا تقوم الأخيرة بالدور المساند المطلوب للنمو وتمويل الاقتصاد والقطاع الخاص. وبقيت المصارف  توزع أرباحاً سنوية على أساس فوائد تسليفاتها. ونحو 30% منها رديئة أو مشكوك في تحصيلها. وتقتضي قواعد السلامة المصرفية عدم توزيع الارباح المحققة فعلياً بعد استيفاء الديون والفوائد، بل وتحويلها إلى رساميل المصارف لتقوية أصولها ولبناء حائط صدّ لأزمات محتملة. فكيف مع الخسائر وضعف الأصول؟

في 2016 تجاهلت المصارف والشركات المدرجة في البورصة طلب الأخيرة وجوب الافصاح عن مراكزها المالية ولوائح الارباح والخسائر واموالها الخاصة واعتماد تقارير مدققي محاسبة خارجيين وفقاً للأصول. وهو شرط بديهي للسماح بتداول الأسهم للجمهور بشفافية ونزاهة. وهذا الواقع يشكل أيضاً حاجزاً بين بورصة طهران وبين دورها في تمويل الاقتصاد. في قوانين البورصات هذا تدليس وفساد على المدخرين والمستثمرين في البورصة. هل "الاقتصاد المقاوم" يتطلب ذلك؟ يدبُر رئيس، ويُقبل آخر أو هو نفسه. ليست هي المسألة.