المصارف "تهندس" الموازنة.. لا الحكومة

عزة الحاج حسن
الجمعة   2017/03/10
رفض المصارف حسم ضريبة الأرباح على التوظيفات من ضريبة الأرباح السنوية (المدن)
يتصاعد نفوذ المصارف اللبنانية يوماً بعد يوم وتترسخ هيمنتها على القرار المالي والاقتصادي في البلد،  وتكاد تكون موازنه العام 2017 خير مثال على ذلك.

فعمر النقاش في الموازنة العامة قارب الشهرين ولم يسجل للحكومة أي تقدم حقيقي على مستوى الملفات المفصلية الداخلة في الموازنة والتي تشكل حجر عثرة أمام اقرارها، إنما اقتصر التقدّم بملف الموازنة على بديهيات الواردات والنفقات، وعلق إنجازها على استكمال تأمين الواردات بما يؤمن تغطية تكاليف سلسلة الرتب والرواتب من جهة، مع رفض المصارف الانصياع للاجراءات الضريبية المتعلقة بها من جهة أخرى.

والواقع أن العقدة الأساس التي علقت عندها النقاشات، وفق مصدر مطلع، هي الاجراء الضريبي المتعلق بمنع حسم المصارف ضريبة الأرباح على التوظيفات من  ضريبة الأرباح السنوية، والذي جبه برفض قاطع من جمعية المصارف.

وبعد النجاح في إقرار سلة التعيينات أصبح مرجّحاً أن تنسحب التفاهمات السياسية على ملف الموازنة بما فيها سلسلة الرتب والرواتب، على أن تبصر النور في الأيام القليلة المقبلة، ولكن من دون أن تلحظ البند الضريبي الذي واجهته المصارف بـ"الفيتو".

فالمصارف توصلت مع الحكومة، وفق ما أكد مصدر لـ"المدن"، إلى مخرج نهائي في ما خص الهندسات المالية الأخيرة، تعفيها من ضريبة 30% التي اقترحها وزير المال علي حسن خليل، على العملية الاستثنائية الأخيرة، وتلزمها بسداد 15% فقط باعتبار ما جنته من الهندسة المالية الأخيرة يندرج في خانة الأرباح، ووصف المصدر هذا الاجراء بـ"الإلتفاف" على القانون.

إذاً، فالمصارف ستسدد لخزينة الدولة ضريبة 15% عن العملية الأخيرة أي نحو 850 مليون دولار، نحو 1280 مليار ليرة لبنانية. وهذا المبلغ كفيل بتغطية إلتزامات سلسلة الرتب والرواتب البالغة 1200 مليار ليرة.

لكن ما يعرقل إقرار الموازنة راهناً هو رفض المصارف "منع حسم ضريبة الأرباح على التوظيفات من  ضريبة الأرباح السنوية". وبحسب مصادر وزارة المال، فإن مشروع الموازنة سيسير من دون بت هذا البند، بحجة أن إقراره يستلزم وضع قانون وقد تمت إحالته إلى مجلس النواب. ما يعني أن المصارف نجحت في "هندسة" الموارد الضريبية للموازنة بما ينسجم مع مصالحها، وبما يجنّبها سداد مئات الملايين من الدولارات سنوياً لخزينة الدولة.

فالمبالغ التي ستدفعها المصارف، أي 850 مليون دولار، ضريبة على أرباحها من عمليات المقايضة (السواب)، هي خطوة أولية إيجابية لكنها غير عادلة، وفق مصادر المال، فلولا التدخلات والتسويات السياسية بين الرئاستين الثانية والثانية لكان على المصارف دفع أكثر من 1.5 مليار دولار من أرباحها الإستثنائية. وحينئذ، يمكن للحكومة تمويل السلسلة والغاء البنود الضريبية كافة التي تم ذكرها في الموازنة.

وقد يكون ما هو أخطر من غض بصر الحكومة عن "تفصيل" المصارف ضرائب على مقاسها، ربط الحكومة إقرار سلسلة الرتب والرواتب بإيجاد تمويل لها، وهو ما يصفه قانونيون بـ"المخالفة الواضحة". فإضافة واردات إلى مشروع الموازنة العامة لا يجب ربطها بإقرار سلسلة الرتب والرواتب من مبدأ عدم تخصيص واردات معينة لتغطية نفقات معينة، عملاً بمبدأ "شيوع الموازنة". ونفقات السلسلة ستصبح نفقات موازنة وتدرج في البنود والفقرات المخصصة للرواتب والأجور وملحقاتها.