لو صُنف الحرس الثوري إرهابياً

عصام الجردي
الجمعة   2017/02/10
خطوات روحاني ليست كافية للحد من سلطة الحرس الثوري (Getty)
هل يفلح الرئيس الاميركي دونالد ترامب في تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة ارهابية؟ وما هي انعكاسات القرار على الاقتصاد الإيراني وتداعياته السياسية على الرئيس حسن روحاني قبل نحو ثلاثة شهور على انتخابات الرئاسة المقررة في أيار/ مايو المقبل؟ وماذا عن الموقف الأوروبي من القرار الذي يفترض أن تعقبه عقوبات اقتصادية على التعامل مع اقتصاد مسيطر عليه من الحرس الثوري، خصوصاً أن دول الاتحاد باشرت أعمالاً في إيران ووقعت اتفاقات معها، وقت تعارض فيه دول أوروبية رئيسية ترامب سياسياً واقتصادياً.


لم يخف ترامب موقفه من الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعه سلفه باراك أوباما ووصفه "قبلة لإيران" أتاحت لها تحسين وضعها المالي من دون التزامها بوقف دعمها منظمات تصنفها الولايات المتحدة إرهابية. تجربة الصاروخ الباليستي الأخيرة في نهاية كانون الثاني/ يناير 2017، حفزت ترامب على تحريك ملف الحرس الثوري. واقترنت بتهديدات لم تستبعد العمل العسكري "ضد الاستفزازات الايرانية"، على ما قال. الكونغرس من غالبية جمهورية كان عارض الاتفاق. مع ذلك، لا يبدو على عجلة من أمره لإمرار رغبة ترامب بقانون. ربما لاعتبارات أبعد مما يراه الرئيس. لكن الأخير قد يذهب إلى إصدار القرار بأمر تنفيذي ومعه العقوبات الاقتصادية التي سبقه أوباما إليها بأوامر مشابهة، مستنداً إلى القانون الوطني "PATRIOT ACT " الذي صدر في 2001 بعد الهجمات الارهابية على نيويورك.

الحرس الثوري يمتلك سلطة الاشراف على معظم قطاعات الاقتصاد الايراني. من النفط والغاز الى كيانات مصرفية وصناعات تحويلية وخِدمية وخلافها. العقوبات الاقتصادية الأميركية السابقة على إيران، والتي لا تزال سارية على القطاع المصرفي والمالي تعوق اندماجه في الاقتصاد الدولي، وتحول بينه وبين إبرام الصفقات والاستثمارات الكبيرة. مع ذلك، كانت العقوبات تشمل كيانات مسيطر عليها من الحرس الثوري. وكانت بعض الصفقات تبرم مواربة من شركات أوروبية وآسيوية. أما تصنيف الحرس الثوري رسمياً منظمة ارهابية، فيعني تصنيفاً مماثلاً لكل المؤسسات التي يمتلكها ويشرف عليها في الاقتصاد الإيراني. بالتالي، شمولها بالعقوبات الاقتصادية والمصرفية معاً. الأمر يشكل ضربة كبيرة لاقتصاد من 340 مليار دولار أميركي ناتجاً محلياً. وكان بدأ يتلمس طريقه إلى استعادة تصنيفه في 2010 الاقتصاد الثالث في الشرق الأوسط، ويركزعلى تنويع الاقتصاد واستقطاب رساميل أجنبية مباشرة. وتحتاج إيران إلى نحو مئة مليار دولار أميركي في السنوات الخمس المقبلة بدءاً من 2016 لتحسين مؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمها نمواً فوق 7 في المئة في 2017، وخفض معدل البطالة من نحو 14 في المئة والتضخم من 15 في المئة. بيد أن صندوق النقد الدولي يتوقع 3.7 في المئة نمواً 2017– 2018. في حال بقيت أسعار النفط فوق 50 دولاراً للبرميل، وتمكنت إيران من اصلاح اقتصادها ونظامها المصرفي. شأن يصطدم بارادة الحرس الثوري وقبضته.

يبقى النفط والغاز مصدرين أساسايين للعائدات. لكن تطويرهما مع المصافي واستحداث مصافٍ جديدة حاجة عاجلة. صادرات إيران من النفط والمشتقات السائلة نحو 2.65 ملايين برميل يومياً. وتنتج نحو 4.3 ملايين. ربما الفرصة سانحة لتعزيز التزامها خفض الانتاج وفقا لقرار (أوبك). لكن قدرتها الانتاجية مازالت دون رغبتها وإمكاناتها الفعلية. الأمر مرتبط بإبرام العقود التي أعلنتها لاستقطاب تكنولوجيا في مجالات الاستكشاف والاستخراج والتسويق. وكان لافتاً تمديد جولة العطاءات التي قررتها في هذا المجال إلى 15 شباط/ فبراير 2017 من كانون الثاني الماضي. علماً أن شركات عدة كانت تقدمت بعروض بينها توتال الفرنسية، وإيني الايطالية وداتش شل الهولندية، وميتسوبيشي اليابانية، وغاز بروم ولوك أويل الروسيتان. وهناك من يعزو تردد الشركات الدولية إلى العقوبات المصرفية الأميركية وصعوبة التحويلات من خلال نظام "سويفت" الدولي. لو صُنف الحرس الثوري منظمة ارهابية ستزداد الحواجز المانعة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

روحاني الذي وصف حين انتخابه رئيساً في 2013 اصلاحياً، وضع الاقتصاد في رأس اهتماماته. وكان عقد رجاءه بعد نجاحه مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف في التوصل إلى الاتفاق النووي على اصلاح الاقتصاد. تمكن في 2016 من انتزاع موافقة مجلس الشورى على قانون لمكافحة تبييض الأموال والارهاب. لكنه لم يكن كافياً للحد من سلطة الحرس الثوري على المصارف الإيرانية والمصرف المركزي. ولم تشفع له ستة عشر عاماً سكرتيراً للمجلس الأعلى للأمن القومي في تحقيق اصلاحاته الاقتصادية. ومن قائل، إنه سيحظى بفرصة للنجاح مرة ثانية لو أعلن رسمياً ترشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة حتى لو تم تصنيف الحرس الثوري منظمة ارهابية. ذلك أن تياراً شعبياً كبيراً يحمل الحرس مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي وتبديد موارد إيران المالية على مشاريع سياسية خارجية. قبل الاتفاق النووي وبعده.

بيد أن نظرة الدول الأوروبية إلى إيران في عهد ترامب هي غيرها في عهد أوباما، خصوصاً في سنة انتخابات في فرنسا وألمانيا. الشركات الأوروبية العملاقة نسجت علاقات اقتصادية مع إيران. فإضافة إلى الشركات النفطية، هناك مئات عقود التصنيع أبرمتها شركات أوروبية. بيجو– سيتروان عادت إلى طهران. ديملر بنز المنتجة مرسيدس ستنتج شاحنات عاملة على الديزل. سيمنز لديها عقود. والعقود التجارية لتصدير الطائرات ومنتجات التكنولوجيا. ترامب يهدد بمنع إتمام صفقة إير باص لإيران بدعوى وجود 10 في المئة مدخلات صناعية أميركية فيها. ويرى أن إير باص في حاجة إلى إذن أميركي لإنجاز الصفقة. تحملت الشركات الأوروبية، خصوصاً المصارف، أعباء مالية كبيرة على خلفية العقوبات الاقتصادية على إيران. إنما في مناخ من الوفاق السياسي الأميركي الأوروبي. وهذه ثغرة قد تكون في مصلحة إيران.