النزوح السوري سينقذ مؤتمر باريس 4 لدعم اقتصاد لبنان؟

عزة الحاج حسن
الأربعاء   2017/12/13
توقعات بتحصيل دعم ومساعدات خجولة (Getty)
يستعد لبنان لتلقي جرعة دعم دولية جديدة في منتصف شهر آذار 2018، من خلال مؤتمر باريس 4 المرتقب انعقاده في العاصمة الفرنسية بمشاركه دولية غير واضحة حتى اللحظة.


مؤتمر باريس 4 المنتظر يأتي بعد انعقاد مؤتمر مجموعة الدعم الدولية، في 8 كانون الأول 2017، الذي مدّ لبنان بدعم سياسي، ليؤمن بدوره دعماً للإقتصاد اللبناني المترنح على وقع الأزمات الداخلية وعبء النزوح السوري المتزايد.

رغم تمكن لبنان من حشد دعم دولي تتقدمه فرنسا، غير أن الآمال المرتبطة بنجاح مؤتمر باريس 4 لا تعدو كونها آمالا وتمنيات من دون معطيات واقعية مؤكدة أو أرقام حقيقية لمساعدات أو منح أو حتى قروض. ويعود ذلك إلى اعتبارات عدة تتلخص بالآتي:

1- تجارب سابقة
مر لبنان بتجارب ثلاثة مؤتمرات دعم لم تكن على قدر الثقة الدولية التي منحت للحكومات التي شهدت تلك المؤتمرات. فمؤتمر باريس 1 الذي عقد في قصر الإليزيه عام 2001 في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك حصّل للبنان 500 مليون يورو، أي ما لا يزيد عن 650 مليون دولار، مساعدات مبدئية وقروض ميسرة، وارتبطت تلك التقديمات باستراتيجية اصلاحية مبنية على 5 عناصر أساسية هي: تحديث الاقتصاد، الخصخصة، تصحيح الوضع المالي وترشيد الإنفاق، إدارة الدين العام، والحفاظ على استقرار القطاع المالي والنقدي.

أما مؤتمر باريس 2 الذي عقد في قصر الإليزيه أيضاً عام 2002 في عهد الرئيس شيراك وخصص لدعم برنامج الاصلاحات الاقتصادية للحكومة اللبنانية، فتجاوز مجموع المساهمات فيه 4.4 مليارات يورو، أي نحو 5.7 مليارات دولار. وترافقت التقديمات مع تعهد الحكومة التزام تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي، وإعادة احياء النمو.

وحظي مؤتمر باريس 3 الذي عقد في عهد الرئيس شيراك كذلك وخصص لمساعدة لبنان، بمشاركة دولية وعربية غير مسبوقة، وتمكّن من الحصول على هبات وقروض ميسّرة فاقت كل التوقعات، إذ بلغت نحو 7.5 مليارات دولار وخصصت لدعم الموازنة والقطاع الخاص ومصرف لبنان وتمويل مشاريع تنموية وتقديم مساعدات عينية، وجاءت 23% من المبالغ على شكل هبات، و77% على شكل قروض ميسّرة.

التجارب الثلاث السابقة لدعم لبنان كانت ناجحة نظراً للاهتمام والرعاية اللذين حظيت بهما الحكومات وانعكسا على التقديمات الممنوحة للبلد. ولكن لبنان لم يلتزم على مدى السنوات حتى اليوم بغالبية الإصلاحات المرافقة للمساعدات والمنح والقروض، لاسيما الاصلاحات المحفّزة للنمو.

فمنذ العام 2001، تاريخ انعقاد مؤتمر باريس 1، لم يتمكن لبنان من إجراء اصلاحات مالية مهمة (باستثناء إقرار موازنة العام 2017، مع عدم تمكنه من إغلاق حسابات السنوات السابقة)، ولم يحقق أي تقدم على مستوى اصلاح القطاعات الانتاجية، ولم يتمكن من تحسين المؤشرات الاجتماعية. وما زال الدين العام والعجز المالي في مسار تصاعدي. حتى الخصخصة لم يعمل لبنان على اعتمادها أو حتى اعتماد أي نوع آخر من الشراكات لاصلاح بناه التحتية (رغم إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص).

2- ظروف دولية
تمثل الظروف الاقتصادية الدولية الراهنة عاملاً سالباً لنجاح مؤتمر دعم، لاسيما أن الدول الأوروبية تعاني تراجعاً اقتصادياً لأسباب عدة ترتبط بتراجع النمو العالمي من جهة، وضعف اقتصاداتها المحلية من جهة أخرى، وعدم تخلّصها بشكل نهائي من تداعيات أزمة 2008 المالية. يضاف إلى ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانعكاس ذلك على اقتصادات الاتحاد.

3- ظروف إقليمية
قد تكون إحدى أبرز التحديات أمام مؤتمر باريس 4 هي أزمة "التباعد" العربي، لاسيما بعد أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وما تبعها من مواقف سعودية تجاه لبنان واتهام القطاع المصرفي بتمرير أموال حزب الله والتلويح بفرض عقوبات على لبنان بعد سحب دول الخليج رعاياها منه.

فالظروف المذكورة لا تبشر، وفق مراقبين، بمساعدات أو قروض أو مساهمات عربية ملحوظة، لاسيما أن السعودية كانت تشارك بالحصة الأكبر في مؤتمرات الدعم السابقة للبنان (باريس 1 و2 و3).

يضاف إلى الظروف السياسية غير المؤاتية مع دول الخليج، تراجع اقتصاداتها بسبب أزمة النفط وتكبدها أموالاً طائلة في حرب اليمن، علماً أن المؤتمرات السابقة لدعم لبنان أتت في ظل احتضان خليجي لحكوماته، وترافقت مع نمو اقتصادي واسع شهدته دول الخليج بسبب الارتفاع القياسي لأسعار النفط.

كل تلك الأسباب والظروف ستلعب دوراً غير إيجابي في انعقاد مؤتمر باريس 4، ولكن من المرتقب أن يلعب النزوح السوري، وفق مواكبين لأحد المؤتمرات السابقة، دوراً إيجابياً لإنجاح مؤتمر باريس 4. فالمجتمع الدولي ملتزم بدعم لبنان ورعايته في مواجهة أزمة النزوح السوري، مع عدم تجاوز التوقعات الأرقام الخجولة، واحتمال فرض شروط قاسية على لبنان لجهة التشدد في الاصلاحات الاجتماعية المساعدة في تخفيف ضغط النازحين السوريين.