إستفتاء بريطانيا يرفع سعر الذهب

البروفيسور جاسم عجاقة
الأحد   2016/07/03
سعر الذهب آخذ بالإرتفاع (investing.com)
في ردة فعل شبه متوقعة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سجّل سعر أونصة الذهب في تداولات الأسبوع الماضي أعلى مُستوى له منذ 26 شهراً. وأقفلت العقود المُستقبلية (Comex-15 Aug) على سعر 1336.7 دولاراً أميركياً، مقترحة بذلك تخوف المُستثمرين من نتائج البريكزيت على الإقتصاد العالمي.

بعد مرور 43 سنة على إنضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، قرر البريطانيون في إستفتاء 23 حزيران 2016 الخروج من الاتحاد ومعه انفتحت الأبواب على الغموض الذي بدأ يلف الإقتصاد البريطاني بالدرجة الأولى والأوروبي بالدرجة الثانية والعالمي بالدرجة الثالثة. وإذا كان قرار البريطانيين مُبرّراً ومعللاً بالنظام الليبيرالي، الذي لا يُمكنه أن يعيش في كنف نظام أوروبي اجتماعي يعتمد على التعاضد بين الدول الأوروبية، إلا أن ما لا لم يفهمه العالم حتى هذه اللحظة، هو مدى إستيعاب البريطانيين الخسارة التي ستطال إقتصادهم مع خسارة الأفضلية على سوق يبلغ حجمه 500 مليون نسمة. وإذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد قرره 1.3 مليون بريطاني فقط، إلا أن مبدأ الديموقراطية العددية هو الذي يغلب.

التداعيات أصبحت معروفة وتتأرجح بين إنهيار الجنيه الإسترليني واليورو وبعض العملات المُرتبطة بالجنيه، وبين ارتفاع سعر صرف الين الياباني، الفرنك السويسري، والدولار الأميركي، مروراً بإرتفاع أسعار الذهب والفضة. وبالحديث عن الذهب الذي يُعتبر من الأصول الآمنة، ارتفع سعر أونصة الذهب في تدولات الأسبوع المُنصرم إلى أعلى مستواياته منذ 26 شهراً. وأقفل سعر الأونصة على 1336.7 دولاراً أميركياً (عقود كوميكس 15 آب). لكن هذا الإرتفاع مُرجّح للإستمرار مع الغموض الذي يعتري مُستقبل العلاقة التجارية بين بريطانيا التي من الممكن أن تتأرجح بين قواعد منظمة التجارة الدولية، وبين العلاقة التي تمتلكها النروج مع الاتحاد الأوروبي. وفي كل الأحوال، هذا الأمر سيترك تداعياته على الإقتصاد البريطاني بالدرجة الأولى وعلى الإقتصاد الأوروبي بالدرجة الثانية. ما دفع بالجنيه الإستيرليني واليورو، ولو بنسبة أقل، إلى الإنهيار أمام العملة الأميركية. وبالتالي، أخذ المُستثمرون بالتهافت على الذهب الذي ارتفع 50 دولاراً أميركياً للأونصة، في اللحظة التي أعلنت فيها "سكاي نيوز" خبر فوز فريق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وإستمر الإرتفاع في الأسبوع الذي تلى الإستفتاء. وكذلك حصل مع الفضة التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير. لكن لماذا يستمر الذهب بالإرتفاع؟

السبب يعود بالدرجة الأولى إلى التداعيات التي طالت العملات والتي أثرت على المُستثمرين على النحو التالي:

بريطانيا: مخاوف من أن يؤدي ضعف الجنيه الإسترليني إلى زيادة التضخم، وأسئلة حول مُستقبل بريطانيا كمنصة للشركات العالمية لمقاربة السوق الأوروبي.

أوروبا: مخاوف من أن يكون هناك سيناريو على الطريقة السوفياتية، وبالتالي خروج بلدان أخرى. فصدقية اليورو ستكون محط أسئلة.

أميركا، اليابان، سويسرا: مع ارتفاع سعر صرف عملات هذه البلدان، فإن الضرر سيكون شبه حتمي على الصادرات.

هناك أيضاً سبب عملي مرتبط بالسرعة التي خسر فيها الجنيه الإسترليني من قيمته. فخلال ساعات انخفضت قيمته 11% مقابل الدولار الأميركي. ما جعل المُستثمرين ينقلون أموالهم إلى الذهب وغيره من الأصول. أضف إلى ذلك، التحليلات التي تُظهر أن الجنيه الإسترليني لم يصل إلى القعر. وبالتالي ستتقلص قيمته مقابل العملات الرئيسية الأخرى. ما يعني اللجوء إلى الذهب أكثر. 

 
من ناحية أخرى، أعلن البنك المركزي البريطاني عن خطة لدعم الإقتصاد البريطاني، تتمثل بضخّ 250 مليار جنيه إسترليني في السوق البريطانية. وهذا تأكيد على أن الإقتصاد البريطاني سيتأثر بدون شك نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. والأصعب بالنسبة إلى المركزي البريطاني هو معضلة رفع الفائدة للجم التضخم الناتج من إنخفاض سعر صرف الجنيه. وبالتالي، سيكون هناك تداعيات سلبية على الإستثمارات من جهة، والدفاع عن الإقتصاد وقبول تضخم لم يعتده الإقتصاد البريطاني من جهة أخرى. كل هذا يترك الجنيه الإسترليني في حالة غموض تظهر في قيمة التقلبات الضمنية (Implied Volatility)، التي وصلت إلى مستويات تاريخية مع تخطيها عتبة 28% في الفترة التي سبقت الإستفتاء البريطاني.

كل هذا للقول إن تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد لن تتوقف رغم تطمينات أحد أعمدة النظام المالي العالمي، ديفيد روتشيلد، الذي قال إن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس بمأساة رغم أننا لم نكن نُشجّعه". وللتذكير خسرت الشركات البريطانية، في خلال ساعات، أكثر من مساهمتها في موازنة الاتحاد خلال 4 عقود.

رسمياً، لم ترسل بريطانيا حتى الساعة كتاباً خطياً إلى بروكسل تعلمها فيها عن نية بريطانيا الخروج من الاتحاد، كما تفرض معاهدة إنشاء الاتحاد الأوروبي. ما يترك غموضاً أكثر في الأسواق المالية، وبالتالي سيبقى الذهب محط أنظار المستمثرين خلال الأشهر المقبلة إلى حين تظهر التداعيات السلبية لنتائج الإستفتاء وبدء بريطانيا المفاوضات مع الاتحاد على الشروط التي ستحكم العلاقة الإقتصادية بين الفريقين بعد عامين من بدء المفاوضات.