إعلان خطوات لترحيل النفايات... مجلس الوزراء "شريكاً"

خضر حسان
الجمعة   2016/02/12
بو صعب: لم يُكلّف أحد بالحديث مع الحكومة الروسية بشأن الترحيل (علي علوش)

يتقدم ملف ترحيل النفايات، لكن نحو المجهول. ومدراء الترحيل يعلمون ذلك، ويحاولون من خلال الإستمرار بلعبة المتاهة كسب الوقت، ليس بهدف إيجاد الحل الأنسب، وإنما بهدف إختمار التسوية التي يفترض أن تُنتج توزيعاً للمحارق المزمع إنشاؤها في المناطق. إذ وحده هذا الحل لا يدخل متاهات الجدل الرسمي الذي يأخذ عادة طابع حرق المراحل، أي ان الطبقة السياسة كلما أرادت إفشال خطة ما، تُدخلها متاهة الجدل لإحراقها. لكن المُقلق في ملف الترحيل، ان الطبقة السياسية تسجّل لنفسها انها تسبق الحراك المدني وكل المعترضين على أزمة النفايات، بأنها تمتلك خطوتين بدل الواحدة. فهي تمتلك خيار الترحيل إذا اكتملت مظاهر الصفقة، وتمتلك خيار المحارق إذا فشل الترحيل، خاصة وان المحارق مقبولة من ناحية الخبراء البيئيين إذا ما كانت محارق حديثة.



لكن ما يثير الريبة أكثر هو إعلان خطوات غير صادرة عن مجلس الوزارء، على أنها خطوات رسمية ونهائية. وما يستدعي العَجب، هو الإنقسام الرسمي حول تلك الخطوات. وهذا يعني إما ان الحكومة تمرّر الخطوات دون إقرار رسمي، وفي ذلك خرق للقوانين، وإما ان جهات سياسية تعمل منفردة على خيار الترحيل، والمعترضون لا يجرؤون على فضح ذلك خوفاً من ضياع حصة ما، أو إنكشاف "تمريراتهم" في ملفات أخرى. وعليه، يسير خيار الترحيل بالترهيب والترغيب والتمريرات.


دلالات ما تقدّم تنطلق من إعلان رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، الخميس، أن "توقيع عقود الترحيل سيتم خلال يومين. والوجهة ستكون روسيا". اما بالنسبة إلى التمويل، فقد "أقرت الحكومة تحويل 50 مليون دولار لفتح اعتمادات للمجلس"، كخطوة أولى في هذا المسار. ويشير الجسر في حديث لـ "المدن" الى ان "شركة شينوك هي التي سيتم التعاقد معها، على ان تبدأ عملية الترحيل في نهاية شهر شباط الجاري"، اما الوجهة، فستكون روسيا. ولفت الجسر النظر الى انه "جرى التواصل بشأن الوجهة بين السفارتين اللبنانية والروسية، بموافقة الحكومتين"، الا ان الجسر يقرّ بأنه لا يعرف بالتحديد "ماذا جرى داخل مجلس الوزراء" في جلسة الخميس، نافياً امكانية ان يكون الحديث حول الوجهة الروسية مشابهاً للحديث عن سيراليون، لأن الوجهة الإفريقية "جرى الحديث عنها عبر الإعلام فقط، بينما الوجهة الروسية جرى الحديث عنها رسمياً".


صدور هذا الكلام عن الجسر وربطه بموافقة مجلس الوزراء والنقاش بين السفارتين، يعني ان الوجهة الروسية باتت بحكم النهائية، على عكس الوجهة السيراليونية، لكن هذا التأكيد يزيد الضغط على الحكومة لأن التعاقد مع شينوك لم يُحسم رسمياً. فأين هي دفاتر الشروط وعلى أي أساس رست العقود على شينوك؟ علامات استفهام كثيرة يطرحها رئيس جمعية الخط الأخضر علي درويش، الذي يؤكد لـ "المدن" أن المعوقات التقنية والمادية ما زالت قائمة، حتى وإن تم الاتفاق على الوجهة. فعلى سبيل المثال "من سيدفع ثمن الحاويات التي ستنقل النفايات؟ علما أنّ ثمنها حوالي 4 مليون دولار بحسب التسعيرة التجارية، هذا مع إستبعاد الصفقات الرسمية التي عادة ما تزيد من الأسعار". وعن التعاقد مع شينوك يشير درويش الى ان "مجلس الوزراء تجاوز المهل القانونية للتعاقد مع الشركات، فعلى أساس أي قانون سيتم التعاقد مع شينوك؟ وهل وضعت شينوك كفالة مالية، على أقل تقدير؟".


ما أعلنه الجسر مستنداً الى موافقة الحكومة، "نَسَفَه" وزير التربية الياس بو صعب. فكونه جزءاً من الحكومة ويمثل طرفاً سياسياً أساسياً في البلاد، لا بد وان يكون على دراية بما يحصل، خاصة في حال قرر مجلس الوزراء سراً او علانية، أي أمر في شأن الترحيل. لكن بو صعب يستغرب حديث الجسر، خاصة حول الوجهة والتوافق بين روسيا ولبنان، إذ "لم يُكلّف أحد بالحديث مع الحكومة الروسية، ومجلس الوزراء لم يحدد وجهة الترحيل بعد ولا الشركة التي ستقوم بالترحيل". ويلمح بو صعب في حديث لـ "المدن" الى ان هناك جهة لبنانية ربما تكون وراء الشركة المطروحة. مما يعيد سيناريو سيراليون الذي تبيّن ان طرفاً لبنانياً "مجهولاً" كان وراء تمرير هذا الخيار.


تداخل القرارات والخطوات وصل الى مرحلة تستدعي إعلاناً رسمياً صادراً عن مجلس الوزراء، فالحديث بإسم الحكومة وإعلان مواعيد شبه دقيقة عن التعاقد وموعد الترحيل لا يأتي عادة من فراغ. فمن تُتخذ الخطوات بإسمه ليس شركة أو جمعية، وإنما سلطة تنفيذية معنية بتسيير البلاد وتطبيق قوانينها، وما هكذا تصان البلاد وتطبّق القوانين.