البيئة التكنولوجية اللبنانية غير جاهزة.. قانونياً

حسن يحيى
الجمعة   2016/12/23
لبنان دخل هذا المجال من دون هيكلية قانونية (Getty)

عندما حضر طوني فاضل، مؤسس شركة نست ونائب رئيس قسم آيبود في شركة آبل إلى لبنان تلبية لدعوة مصرف لبنان ضمن فعاليات مؤتمر "BDL accelerate"، أكد أن لبنان لديه الامكانات التي تخوله ليكون رائداً في عملية صناعة التكنولوجيا. 


لكنه شدد أيضاً، على أهمية الفشل في عملية تشذيب روح الأشخاص والشركات العاملة في هذا المجال، انطلاقاً من تجربته في شركة جنرال ماجيك، التي كانت تخطط في تسعينات القرن الماضي لهاتف نقال مشابه إلى حد كبير لهاتف آيفون، لكن التكنولوجيا التي كانت سائدة آنذاك لم تساعد على اكمال المهمة. ما أدى إلى إفلاس الشركة وخسارة نحو مليار دولار أميركي من الاستثمارات. 

رغم هذه الخسائر الهائلة التي شهدتها الشركة، إلا أن فريق العمل استطاع الاستفادة من القوانين الأميركية للنهوض وتأسيس شركات تكنولوجية أخرى درّت ملايين الدولارات، إضافة إلى شغل العاملين مناصب عالية في هذا المجال. 

لا يمكن مقارنة القطاع التكنولوجي في لبنان بالقطاعات التكنولوجية العالمية وعلى رأسها سيليكون فالي في الولايات المتحدة لأسباب عدة. ولعل غياب الأطر التشريعية لهذه البيئة الناشئة في لبنان، من أبرز الأسباب التي تعوق عملية المقارنة وحتى التطوير، خصوصاً في ما يتعلق بـ"الفشل".

من المؤكد أن القطاع التكنولوجي معرّض أكثر من غيره لهذه العملية، خصوصاً أنه ينطوي على نسبة مخاطرة أعلى بين القطاعات. إذ من الممكن بكل بساطة، أن "تتبخر" مليارات الدولارات في ليلة واحدة، ما يعرض أصحاب هذه الشركات والمستثمرين لتبعات قانونية. 

ويقول المحامي رامي علامة من مكتب "اوروريس ادفايزورز" للمحاماة الذي يعمل بين لبنان وفرنسا وأميركا، في حديث إلى "المدن"، إن البنية التحتية القانونية للبيئة التكنولوجية في لبنان تحتاج إلى إعادة نظر بشكل كبير. إذ لا يوجد أي قانون "خاص" تندرج تحته هذه الشركات الجديدة، يحمي أصحابها والمستثمرين من المخاطر، على غرار ما هو حاصل في أميركا أو فرنسا، على سبيل المثال. 

وتُسجّل الشركات التكنولوجية تحت بند الشركات المقفلة K(SAL) وهي شركات محدودة المسؤولية، ما يجعلها خاضعة للقانون التجاري المعمول به في لبنان. وفي حال فشل الشركة، فإن الخيارات المتبعة وفق القانون تنقسم إلى نوعين: التصفية أو الإفلاس. 

وتعني التصفية قانوناً بيع ممتلكات "الشركة"، لتغطية ديونها. ما يعني إنهاء وجودها ودورها كشخص معنوي. أما الإفلاس، فلديه أوجه عدّة، إذ يُمكن أن يكون "إفلاساً احتيالياً" أو إفلاساً بسبب أوضاع اقتصادية وهو ما يتطلب من أصحاب الشركة رفع دعوى إفلاس إلى المحكمة المختصة، حيث يحاول القاضي عرض "الوساطة" بين أصحاب الشركة والدائنين.

وفي حال فشل الوساطة تبدأ المحاكمات ليحدد القاضي من لديه أحقية الحصول على حصته قبل غيره، ومن يمكنه تحصيل حقه ومن لا يمكنه. أما من لم يستطع تحصيل حقوقه، فبامكانه رفع دعوى "إفلاس احتيالي" لينظر القضاء بعدها بامكانية إقامة الدعوى أو لا، وفق المعطيات الموجودة أمامه. وعند إعلان الإفلاس، وفق القانون نفسه، تسقط الحقوق المدنية عن المعلن لفترة وجيزة تصل إلى 3 سنوات حداً أقصى. 

ويأتي هذا السرد القانوني للدلالة على الخطورة المقبلة على لبنان جراء غياب التشريعات الخاصة التي تنظم هذا القطاع، خصوصاً أن الشركات في هذا المجال تحمل نسبة مخاطرة أعلى من غيرها. ونظراً إلى أن الأموال المستثمرة الخاضعة للتعميم 331 في هذا القطاع تعود بمعظمها إلى مصرف لبنان، فإن ذلك يحمل في طياته خطورة أكبر، لأن هذه الأموال تعود إلى المواطن اللبناني بشكل عام. 

وفي سياق الإفلاس والفرق بين القوانين، تسمح القوانين الأميركية بتقديم اجراءات الإفلاس، من دون أن يؤثر حكماً على مستقبل الشركة. إذ تنقسم اجراءات الإفلاس إلى 4 أنواع: الوصاية، حيث يتحفظ القضاء على الشركة لإعادة هيكليتها بهدف إعادتها إلى سوق العمل، أو قانون الاإفلاس تحت البند السابع، الحادي عشر والثالث عشر. وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، سبق له أن استعان بالبند الحادي عشر لإعلان إفلاسه ست مرات. ما يعني أن الشركة يمكنها أن تبقى في السوق مع مسح عدد كبير من ديونها الموجودة، شرط تقديم خطة إعادة هيكلة. وغالباً ما يخسر المستثمرون كثيراً من الأموال ضمن هذه الخطة. 

ويؤكد علامة أن إعلان "الإفلاس" في أي شركة من شركات التكنولوجيا في لبنان، هو بمثابة "تدمير" للشركة وأصحابها وحتى المستثمرين، وتالياً أموال مصرف لبنان، مضيفاً أن "لبنان دخل في هذا المجال من دون أي هيكلية قانونية صحيحة، ومن دون تنسيق واضح مع السلطات التشريعية المختصة".

وللاشارة، فإن القانون الأول الذي أعد لتنظيم الشركات التكنولوجية في الولايات المتحدة صدر في العام 1972، أي قبل الفورة التكنولوجية الحالية. 

المشكلة الحقيقة لم تظهر بعد على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن التعميم 331 حدد مدة الاستثمار بسبع سنوات على الأقل قبل اتمام عملية التخارج. ما يعني أن هذه المشكلات ستبدأ بالظهور مع العام 2020. فالشركات التي استفادت من التعميم بتمويل وصل إلى 100 ألف دولار مثلاً، واكتشفت أنها لا تستطيع الاستمرارية في السوق، ستصطدم بمشكلة الإفلاس. ما يعني أن أصحاب هذه الشركات، خصوصاً الشباب منهم، حكموا على أنفسهم وعلى المستثمرين بـ"الدمار".

ويشير علامة إلى أن هناك بعض حالات الإفلاس عمد فيها أصحاب الشركات، خصوصاً من الشباب، إلى "ترك" الشركة حتى من دون عملية تصفية أو حل، نظراً إلى افتقارهم إلى الخبرة والمعرفة. ما يعرضهم لمشكلات تراكم الرسوم بعد سنوات عدة.